بوتفليقة..من نضال الثورة إلى اعتكاف المرض

  02 ابريل 2019    قرأ 860
بوتفليقة..من نضال الثورة إلى اعتكاف المرض

رسّخ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نفسه بوضع نهاية لحرب أهلية مدمرة، لكن الوضع تغير بسبب الفساد، والركود الاقتصادي، ومن المتوقع الآن أن يستقيل هذا الشهر بعد احتجاجات مستمرة منذ أسابيع.

ولم يظهر بوتفليقة، أحد أبطال حرب التحرير، في مناسبة علنية إلا فيما ندر منذ أصيب بجلطة في 2013 لكنه صمد رغم الاحتجاجات الحاشدة على حكمه المستمر منذ 20 عاماً.

حاول بوتفليقة صد موجة المعارضة التي بدأت في 22 فبراير (شباط) بالتراجع عن السعي لنيل ولاية خامسة في رئاسة البلاد. لكنه لم يقل متى سيترك الحكم، ما أثار غضب المحتجين.

وفي تقرير يوم الإثنين، تجنبت وكالة الأنباء الجزائرية تحديد تاريخ، و لكنها قالت إن بوتفليقة سيستقيل قبل انتهاء فترته الرئاسية في 28 أبريل (نيسان). وذكرت محطتان تلفزيونيتان خاصتان يوم الأحد، أنه قد يتنحى هذا الأسبوع.

تاريخ نضالي
كان بوتفليقة من مناضلي حرب 1954-1962 التي وضعت نهاية للحكم الاستعماري الفرنسي ثم أصبح أول وزير للخارجية عقب الاستقلال، وأحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز، ومنحت أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية صوتاً على الساحة العالمية.

ناصر بوتفليقة الدول التي ظهرت في أعقاب العصر الاستعماري، وتحدى ما اعتبرها هيمنة الولايات المتحدة، وساعد في جعل بلده مهداً للتوجهات المثالية في ستينيات القرن الـ20.

واستقبل بوتفليقة تشي غيفارا، وتلقى نلسون مانديلا في شبابه أول تدريب عسكري له في الجزائر.

ومنحت البلاد حق اللجوء للناشط والكاتب الأمريكي إلدريدج كليفر، الذي كان من أوائل قادة حزب "الفهود السود". واستقبل كليفر في البيت الآمن الذي كان يقيم فيه في العاصمة الجزائرية الناشط الأمريكي تيموثي ليري، المدافع عن تعاطي المخدرات في العلاج النفسي، وأحد قيادات حركة الثقافة المضادة في الولايات المتحدة.

ودعا بوتفليقة بصفته رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة، ياسر عرفات لإلقاء خطاب أمام المنظمة الدولية في 1974 في خطوة تاريخية صوب الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.

الصراع مع الإسلاميين
إلا أنه وبنهاية السبعينيات انقلبت الأمور على بوتفليقة في الداخل، وسافر إلى خارج البلاد. ثم عاد إلى الحياة العامة خلال الصراع مع الإرهابيين الإسلاميين، الذي سقط فيه ما يقدر نحو 200 ألف قتيل.

وانتخب بوتفليقة رئيساً للمرة الأولى في 1999 وتفاوض على هدنة لإنهاء القتال، وانتزع السلطة من المؤسسة الحاكمة التي تكتنفها السرية، وترتكز على الجيش.

وبفضل إيرادات النفط والغاز تحسنت الأوضاع في الجزائر وعمها قدر أكبر من السلام، وأصبحت أكثر ثراءً. ولكن لا يزال الفساد والركود السياسي والاقتصادي متفشياً فيها في منطقة أدت الانتفاضات الشعبية بها إلى تغيير نظم الحكم في دول مجاورة.

وبفضل الحماية التي وفرتها احتياطيات النقد الأجنبي الضخمة، وتخوف شعبها من الاضطرابات الشديدة بعد الحرب الأهلية تجنبت الجزائر الانتفاضات التي أطاحت بقادة دول أخرى في المنطقة في 2011.

غير أن الاحتجاجات على سوء مستويات المعيشة، ونقص فرص العمل، والخدمات أصبحت شائعة، ويتطلع المستثمرون الأجانب لتطبيق إصلاحات اقتصادية تقضي على البيروقراطية التي تعوق النشاط في كثير من الأحيان.

متحدث باسم العالم الثالث
يقول بعض المؤرخين إن بوتفليقة ولد في تلمسان بغرب الجزائر، غير أن آخرين يقولون إن وجدة الواقعة على الحدود المغربية، هي مسقط رأسه.

وفي الـ19 انضم بوتفليقة للثورة على الحكم الفرنسي تحت حماية القائد الثوري هواري بومدين، الذي أصبح رئيساً للجزائر فيما بعد.

وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيراً للشباب والسياحة في الـ25 من عمره. وفي العام التالي عُين وزيراً للخارجية.

وأصبح بوتفليقة بملابسه الأنيقة، والنظارات الشمسية التي راجت في الستينيات، متحدثاً باسم الدول التي خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري. ومنحته سمعة الجزائر بعد هزيمة فرنسا سلطة إضافية.

وطالب بوتفليقة بحصول الصين الشيوعية على مقعد في الأمم المتحدة. وندد بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وأثارت دعوة عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة. فقبل عامين فقط من ذلك، احتجز مسلحون فلسطينيون الفريق الرياضي الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ رهائن، وقتلوهم.

وشاهد بوتفليقة من منصة الرئاسة عرفات يخطب في الجمعية العامة في نيويورك متمنطقاً بجراب مسدس.

وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف "بكارلوس الثعلب" والمؤيد للقضية الفلسطينية، وزراء نفط من اجتماع لأوبك بفيينا في 1975 طالب بنقله جواً مع الرهائن إلى مدينة الجزائر.

والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة، يعانق كارلوس في المطار قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.

العودة من المنفى
عندما توفي بومدين في 1978، فقد بوتفليقة مرشده، وعُزل من منصب وزير الخارجية وبدأ التحقيق معه في مخالفات مالية. وقال بوتفليقة إن  التهم ملفقة في إطار مؤامرة سياسية.

وبدعم من الجيش انتخب بوتفليقة رئيساً للبلاد في 1999 بعد أن تعهد بوقف القتال. وفي مواجهة معارضة ضارية من مؤسسة الحكم أصدر عفواً عن المتشددين الذين ألقوا السلاح. وانحسر العنف بصورة كبيرة.

أقوى رئيس
وأعيد انتخابه في 2004 ثم في 2009 رغم أن خصومه قالوا إن الانتخابات مزورة. ومن خلال سلسلة من المعارك الضارية على النفوذ مع قوى الأمن خلف الكواليس، أصبح بوتفليقة مع بداية فترة ولايته الثالثة أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاماً.

وفي العام الماضي شدد قبضته على السلطة بعزل أكثر من 10 من كبار قيادات الجيش.

ولا يُعرف شيء يذكر عن حياته الخاصة. فلا تذكر السجلات الرسمية له زوجة، رغم أن البعض يقولون إنه تزوج في 1990. وعاش بوتفليقة مع والدته منصورية في شقة بمدينة الجزائر، أين اعتادت إعداد طعامه.

وحل به كبر السن والمرض. وأجرى أطباء فرنسيون جراحة له في 2005 لعلاج ما وصفه مسؤولون بقرحة في المعدة.

وجاء في برقيات دبلوماسية أمريكية مسربة أنه مصاب بالسرطان. ونال منه الضعف بعد موت والدته في 2009.

وقال بوتفليقة في خطاب بسطيف بشرق الجزائر في مايو (أيار) 2012، إن الوقت، حان لأن يسلم جيله الراية، لقيادات جديدة.

وبعد أشهر وفي أوائل 2013 أصيب بجلطة دخل على إثرها مستشفى في باريس مدة 3 أشهر. ولم يشاهد علانية إلا قليلاً منذ ذلك الحين، بعد عودته للجزائر للنقاهة.

24ar


مواضيع:


الأخبار الأخيرة