إصابات متعمدة بعد انفجار

  20 أغسطس 2020    قرأ 569
إصابات متعمدة بعد انفجار

بعد أيام من انفجار 4 أغسطس (آب) الجاري، نزل آلاف اللبنانيين الى الشارع حاملين غضبهم ومحملين المسؤولين على كل المستويات مسؤولية ما حصل نتيجة الإهمال والفساد والتقصير. وحصلت مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية.

آخر ما توقعه الشاب فراس حمدان أن تنتهي مشاركته في تظاهرة غاضبة في وسط بيروت بعد انفجار المرفأ المروع، بعملية على القلب نتيجة إصابته بـ"خردقة"، والأمر ذاته مع زينة التي لم تستوعب بعد سبب إصابتها بطلقين متفجرين بينما كانت تحتج سلمياً.

وفي الأيام التالية، كشف أطباء عاينوا عشرات المصابين في هذه التحركات، إصابات بالغة عن قرب، غير مألوفة منذ انطلاق التظاهرات ضد الطبقة السياسية في الخريف الماضي.

واتهمت منظمات حقوقية قوى الأمن ومجهولين بلباس مدني بإطلاق كرات معدنية، ورصاص مطاطي، لـ "إلحاق الأذى" عمداً.

واعتاد المحامي فراس حمدان، أن يوثّق ضمن عمله في لجنة الدفاع عن المتظاهرين في نقابة محامي بيروت، الانتهاكات التي يتعرض لها محتجون، ومتابعة ملفات المصابين أو الموقوفين. وقد أصيب إثر إلقاء قنبلة وسط حشد غاضب في 8 أغسطس (آب) بينما كان يبث مباشرة عبر فيس بوك.

ويروي، رغم توسط جرح عامودي صدره ويمنعه من التحرك بسهولة، فيقول: "أصبت، وبعد دقيقة ونصف فقدت الوعي"، مضيفاً "دخلت خردقة إلى قلبي وما زالت موجودة".

ويتابع "قال لي الطبيب: إذا أردت استخراجها فهذا يعني أني أقتلك".

وعلى فراس مراجعة طبيبه بعد أسبوعين لتقييم الآثار الجانبية، وإذا كان الجسم سيتآلف مع كرة الخردق في القلب.

وخلف انفجار المرفأ 181 قتيلاً وعشرات الجرحى، وألحق أضراراً جسيمة بأحياء العاصمة، وشرد نحو 300 ألف من سكانها، بسبب حريق في مخزن كميات هائلة من نيترات الأمونيوم.

وتواصلت التظاهرات 4 أيام وتخللتها محاولات متظاهرين للاقتراب من البرلمان، أين أصيب معظم المصابين.

في محيط البرلمان، كانت زينة، اسم مستعار، تقف وسط المتظاهرين الذين حاولت قوات الأمن إبعادهم بإطلاق الغاز المسيّل للدموع. وتروي أنها وقفت في مكانها في انتظار تفرق الحشد لتجنب أي أذى.

وتقول: "فجأة، شعرت بأني أُصبت في ظهري، تقدمت خطوتين قبل أن أشعر بألم آخر في يدي. حينها سقطت أرضاً".

وأصيبت زينة، أم لثلاثة أولاد وتواظب على المشاركة في التظاهرات منذ انطلاقها، بطلقين انفجرا بعد دخولهما جسدها، وتفرعت منهما حبات الخردق.

وتقول بسخط: "تعرضت للقنص، لا أعرف من أطلق النار لأننا لم نر عناصر أمن قربنا"، مضيفة "أعتبرها محاولة قتل".

القمصان البيض
وتحدّثت مجموعة أطباء تطلق على نفسها اسم "القمصان البيض" في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي عن إصابة العشرات في أعينهم، أو في صدورهم، ووجوههم، أو حتى في الجمجمة، وحجرة القلب.

ويقول أحد أعضاء المجموعة الطبيب سليم ناصر: "منذ 8 أغسطس (آب)، عايننا بالإضافة إلى الرصاص المطاطي، استخدام طلقات الخردق" من "مسافة قريبة" و"بكثافة"، ما "تسبب في إصابات بالغة لأنها تمزّق الجلد وتخترقه".

الخردق
ويمكن للخردق أن تكون له "نتائج جانبية" مثل التسمم، والتعب المزمن، وفي حال تحركه في مجرى الدم، يمكن أن يسبب الجلطة، وفق ناصر.

وأحصى الأطباء 40 إصابة في أنحاء مختلفة من الجسم في مستشفيات بيروت، يضاف إليهم نحو 20 إصابة مباشرة في العيون.

وتشرح طبيبة العيون ندى جبور، وهي تعرض صوراً توثق إصابات عدة، أن 8 مصابين في عيونهم "تأذوا بشكل تطلب تدخلاً جراحياً في غرفة العمليات، بينما فقد ثلاثة آخرون عيناً".

ووثّقت منظمة العفو الدولية في تقرير إطلاق "الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، وكريات معدنية من بنادق آلية التلقيم، بلا تمييز، على الحشود".

وقالت إن "الجيش وقوات الأمن اللبنانية، بالإضافة إلى مجهولين يرتدون ملابس مدنية، أطلقوا النار" على عُزّل ما يؤشر إلى أن "السلطات استهدفت معاقبة المحتجين"، وطالبت بـ"تحقيق شامل" مع جميع المسؤولين.

ونفت قوى الأمن الداخلي وقيادة الجيش اللبناني إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، الذين اتهم عدد منهم شرطة مجلس النواب باستهدافهم.

ولم يتسن الحصول على تعليق من الجهاز أمن مقر المجلس الذي سبق ووجهت له اتهامات عدة باستهداف متظاهرين، ورشقهم بالحجارةن وحرق خيام معتصمين.

ويقول عضو لجنة الدفاع عن المتظاهرين في نقابة محامي بيروت المحامي عماد عمار: "نحن بصدد تقديم شكاوى إلى القضاء باسم المصابين"، للمطالبة بـ"تبيان هوية المعتدين ومحاسبتهم".

ويؤكد أن الإصابات الموثّقة التي "لم نعتدها من قبل، منها بذخيرة حية، ومنها بالخردق الذي أطلق من بنادق، أو تناثر من قنابل، أو برصاص".

ويعدّ استخدام هذه الأسلحة، وفق عمار "جريمة يُحاسب عليها قانون العقوبات لأنها تشكل محاولة قتل وإيذاء، وفيها تعدّ على حقوق التظاهر السلمي ومخالفة للاتفاقات الدولية خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".

كان أول ما تبادر الى ذهن فراس بعد إصابته، سؤال "لم أعيش هنا وماذا اقترفت؟". إلا أن شعوره بالمرارة لم يدم طويلاً، هو الذي يدرك أنّ "المواجهة صعبة مع سلطة متجذرة" و"منفصلة عن الواقع".

ويقول: "إنها محاولة لقتل الناس وتأديبهم.. سأبقى في المنزل شهراً أو أكثر وبعدها سأعود الى الشارع وأرفع المطالب ذاتها ولكن بشراسة وقناعة أكبر".

24ae


مواضيع:


الأخبار الأخيرة