عبر الثقافات والحضارات كان الربيع ولا يزال رمزا لبدء دورة جديدة للحياة، حيث يورق الشجر من جديد في ولادة جميلة لأمنا الطبيعية، وتزدهر «الورود» بشتى الألوان، محتفية بقدوم فصل الحياة الجديد. لذلك، كان عيد النوروز يرمز الى بداية جديدة ودورة حياة تتكرر كل عام مع عودة الروح إلى الطبيعة بعد فصول الجدب من شتاء وخريف.
تتفاوت الأساطير في رواية أصل عيد النوروز، فمنها ما يقول إنه يرمز إلى يوم هبوط النبي آدم (عليه السلام) إلى الأرض، ومنها ما يتحدث عن علاقة العيد بالملك الفارسي «جمشيد» وعرشه الذي احتوته إشراقه شمس ذلك النهار النوروزي.. ومهما كانت الأساطير، وبغض النظر عن مصادرها، يبقى ليوم «النوروز» دلالات مهمة ترمز إلى تجدد الطبيعة وحلول الحب والآمل والسلام والتفاؤل.
وعلى الرغم من اختلاف الثقافات والحضارات حول أصل عيد «النوروز»، فإنها كلها تتفق في أنه يوم تدفّق الحياة واكتمال رونقها، فالقدماء المصريون كانوا يرون فيه أول يوم في السنة الزراعية الجديدة، وهو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل، الذي يعتبر عنصرا أساسيا وسببا رئيسا للحياة في مصر آنذاك، بل حتى في ما بعد الإسلام بقيت ليوم «النوروز» سمته، حيث كان الخلفاء الأمويون يوزعون الهدايا على الفرس آنذاك في أيام «النوروز»، حتى انه يقال إن الحجاج بن يوسف الثقفي هو أول من قدم هدايا النوروز في الإسلام.
يشكّل الاحتفال بعيد النوروز تداخلا وتزاوجا جميلا بين الثقافات والحضارات البشرية.. وكم يحنّ العالم اليوم الى مثل هذا التمازج الفكري والثقافي العابر للحدود السياسية والانتماءات الخالية من الحس الإنساني الصادق والعفوي.. وليس غريبا هنا أن توافق الأمم المتحدة على تسمية يوم الحادي والعشرين من مارس من كل عام «يوم النوروز العالمي» على أساس أنه يشكّل معبرا للبشرية نحو مساحة من التآخي والتعايش السلمي.. والذي يأمل البشر في ان يحقق ما عجزت عنه كل الطروحات السياسية في عالمنا اليوم.
هنالك أكثر من 300 مليون إنسان حول العالم يحتفلون بعيد النوروز.. ولا تهم الأسماء كثيرا.. سواء كان عيد الشجرة أو عيد الأسرة او عيد الأم أو عيد شم النسيم.. أو عيد النوروز، تبقى العبرة في ما يرمز إليه هذا اليوم المبشّر بولادة جديدة للحياة في الطبيعة.. ليمتد فيشمل البشر بولادة جديدة إطارها الخير والمحبة والتسامح والحوار والوفاق.. وكل عيد نوروز والعالم بأسره بألف خير ومحبّة.
مواضيع: