فتيات المغرب.. عرائس بليلة القدر
وتتزين أرجاء المدن المغربية بمواكب خاصة تعرف بـ"البرزة"، وهي كراسيّ مخصصة في تقاليد المغاربة للعروسين، لتصبح هذه البرزة من نصيب الفتيات الصغيرات في الاحتفال بهذه الليلة المباركة.
أخذت جنات تنظر بشوق لحركة يد "النقاشة" الضاغطة بحرفية على قمع الحناء البلاستيكي، لتبدع في رسم خطوط دائرية وأخرى مستقيمة، بعضها متقطع وآخر موصول، بينما تعمل على تصحيح أي خطأ في النقش بإتقان ودون ارتباك.
تغوص الصغيرة جنات -البالغة من العمر سنتين- بعينيها في ثنايا وشوم فنية بدأت تشكل منظرا جذابا على ظهر كفها الصغيرة، قبل أن ترشها النقاشة بقطرات من الليمون قالت "إنه يساعد على إعطاء الحناء نضارة".
تعتلي الدهشة ملامح جنات، وقد جلست وكأنها عروس صغيرة بلباسها التقليدي "القفطان" على أريكة مزخرفة، وضعت داخل خيمة جهزت للمناسبة في أحد شوارع مدينة الدار البيضاء.
وتعتقد خديجة والدة جنات أن النقوش التي تحرص على أن تزين يدي طفلتها جزاء على أول صيام لها قبل التكليف، تحمل بركة المناسبة. وأضافت "كبرت معنا هذه العادة المتوارثة منذ طفولتنا ونتباهى بها بصورة مكثفة في المناسبات الدينية وفي ليلة القدر من كل رمضان بشكل خاص".
وغير بعيد، تجمعت طفلات أخريات بمختلف الأعمار، يتفرجن على ما تبدعه النقاشة، وهي تعكف على رسم أشكال تختلف في أسمائها وطريقة تحضيرها وسعرها الذي يتراوح بين عشرة دراهم (نحو دولار) وعشرين درهما.
"الحناء خضاب فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم"، ذلك ما تذكره الأمهات على مسامع الصغيرات، ليحببن إليهن الحناء.
ملامح الاستعجال بدت على الطفلات اللواتي كن ينتظرن دورهن على أحر من الجمر ليشاركن في طقوس الحناء، بينما تتعالى أصوات الأمهات بطلبات الشكل الذي يرتضين وشمه على أكف طفلاتهن.
وأوضحت النقاشة مريم بدري أنها تمرست على تطبيق رسوم مختلفة وفق طلب الزبونة، فهي معتادة على الأمر منذ أن دخلت هذا المجال في عمر 13 عاما.
ولخبرتها الطويلة، ترى أن الزبونات يطلبن في العادة رسوما ناعمة لأزهار وفراشات وزخارف تزين الأصابع وظاهر اليد، ومنهن من تطلب كتابة أسماء بناتهن على باطن اليد مع الرسم.
واسترجعت المزينة الحاجة زينب الذكريات الجميلة التي يحملها هذا التقليد لدى الأسر المغربية، وقالت إن "الجدات كن لا يتوانين عن وضع الحناء لكل بنات الأسرة الصغيرات في كل مناسبة دينية".
وأضافت أن الفتيات الكبيرات هن من كن يحظين بالنقش، فيما يكتفى بـ"تحنية القبضة" في يد الصغيرات. كما يتم وضع قليل من الحناء في أيادي ورؤوس المواليد الجدد الذين يصادفون شهر رمضان لأول مرة في حياتهم.
ولا تتوقف مظاهر الاحتفال بليلة القدر عند هذا الحد، بل تعمد العائلات إلى الاحتفال بفتيات صغيرات في هذه المناسبة، من خلال حملهن إلى "النكافة" (المزينة) التي تزينهن كما تزين العروس ليلة الزفاف.
ثم يحمل أربعة شباب -يعملون ضمن طاقمها- الصغيرات فوق الهودج، في جو احتفالي وسط الزغاريد وأصوات تصدح بالصلاة على النبي المصطفى.
وبعد ذلك تأخذهن أسرهن لزيارة الأهل الذين يحرصون على الاجتماع من أجل الاحتفال بليلة القدر، التي يطلق عليها المغاربة "الليلة العظيمة".
واعتبرت الباحثة في علم النفس الاجتماعي بشرى المرابطي أن المغاربة يعتبرون هذه "الليلة العظيمة" التي يثاب فيها الأطفال على الصيام بالحناء، ورمزية العريس والعروس وامتطاء الحصان؛ بوابة أساسية للولوج إلى المنظومة الدينية، ومحطة مهمة في تثبيت الهوية الدينية لدى الأطفال.
وأضافت أن هذا الطقس الاحتفالي يشكل مثيرا قويا للطفل الذي يرغب في الصيام للفوز بهذه المكانة الاجتماعية حيث تنجذب إليه كل الأنظار، وبمكانة عند الله كما يؤكد له المحيطون به.
وهذه الشروط المصاحبة للصيام الأول للطفل التي تتميز بجاذبية كبيرة وبامتياز دون باقي الأطفال الذين لم يتمكنوا من الصيام، تعمل -بنظر المرابطي- بشكل كبير جدا على ترسيخ القيم الدينية لدى الصغار.
AzVision.az