التحالف الاستراتيجي الروسي التركي الإيراني وانعكاساته على الصراع السوري

  05 ابريل 2018    قرأ 1863
التحالف الاستراتيجي الروسي التركي الإيراني وانعكاساته على الصراع السوري

استحوذت القمة الثلاثية بين الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، والتركي رجب طيب أردوغان، على اهتمام كبير من قبل المحللين السياسيين والوسائل الإعلامية في لبنان، وتفاوتت قراءتهم لهذا الحراك السياسي، بين الانعكاسات المحتملة على الملف السوري، وبين استشراف شكل العلاقات الروسية التركية، في ظل التوتر بين روسيا والغرب.

 

قال الخبير في الشؤون الجيو-استرايتجية رياض عيد لوكالة 

 إن هذه القمة الثلاثية "يمكن تسميتها بقمة نجاح بوتين"، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي "نجح في إقامة محور- جيوستراتيجي بين دولة قارية كبرى هي روسيا، ودولتين إقليميتين عظميين في المشرق، هما تركيا وإيران".

ولفت عيد، إلى أن "هذا الحلف الجيو-استراتيجي، يمثل أحد أكبر إنجارات الرئيس بوتين، الذي أظهر ذكاءً غير عادي، من خلال إقامة محور نقيض للحلف الأطلسي، ويتجاوز تأثيره سوريا والمشرق، ليصل إلى مستوى إعادة تحديد قواعد اللعبة في العالم بأسره".

واعتبر عيد أن "بوتين استطاع، من الناحية العملية، أن يسحب أردوغان باتجاه حلف شنغهاي والحلف الأوراسي، بعيداً عن الحلف الأطلسي، وهذا يعدّ تطوّراً استراتيجياً، ستكون له تداعياته الكبرى".

وأشار عيد، إلى أن "تقديم موعد تسليم منظومة إس-400 لتركيا، في الوقت الذي كان يتواجد فيه وفد أمريكي لمفاوضة أردوغان على إعطائه نسخة مطوّرة من نظام الباتريوت، يحمل رمزية كبيرة، لكونه يشكل صفعة كبيرة على وجه الأطلسيين".

ورجّح عيد، أن يكون تقديم موعد تسليم منظومة "إس-400" الروسية لتركيا "سبباً مباشراً في إعادة تأجيل خروج القوات الأمريكية من سوريا بعدما كان الرئيس الأمريكي أعلن عن هذا التوجّه".

وفي الشأن السوري، قال عيد إنّ البيان الختامي للقمة الثلاثية "أكد على أمن واستقرار وسيادة سوريا ووحدة أراضيها، واتفاق الدول الثلاث على تنفيذ ذلك، ما يعني أن الوجود التركي في شمال سوريا ليس خارج هذا الالتزام، وبالتالي يفترض أن ينتهي بعد ضرب الإرهاب".

ولفت الخبير، الانتباه إلى أن "البيان الختامي شدّد أيضاً على ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى قراهم وبلداتهم، وهو أمر لا يمكن أن يتحقّق إلا بهدنة دائمة، وضمان الالتزام بالقرار 2401 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وبالتالي تسريع عملية التسوية السياسية".

وأخيراً أشار عيد، إلى ما تضمنه البيان الختامي من تشديد على أن "مستقبل سوريا ومصيرها يجب أن يتحقق بإرادة شعبها، ما يعني الحكومة السورية، برئاسة الرئيس بشار الأسد، ستكون المرجعية الأساسية في تقرير مستقبل سوريا".

وضمن المشهد العالمي الأوسع، يرى عيد أن "القمة الثلاثية تأتي لتعكس قواعد جديدة على مستوى الصراع الدولي".

واستشهد الخبير الجيو-استراتيجي بما قاله المفكر الروسي ألكسندر دوغين مؤخراً من أن "استراتيجية أوراسيا الجديدة هي تأكيد الحلف الاستراتيجي مع إيران الشيعية" وأن "ثمة حاجة إلى سحب تركيا السنّية من الفلك الأطلسي إلى الفلك الأوراسي، وهو أمر إن تحقق، فسيعني ضرب فكرة الحرب المذهبية، التي تستخدم فيها الولايات المتحدة السعودية والفكر الوهابي لتأجيج الصراع السني — الشيعي، بهدف تغيير وقائع جيوبوليتيكية".

ولفت عيد إلى أن "التحالف الثلاثي إن تعزز فسيؤسس لمستقبل جديد على امتداد أوراسيا، فستكون روسيا الارثوذكسية قد تحالفت مع إيران الشيعية وتركيا السنية في مواجهة مشروع أمريكي يريد أن يستثمر في المعركة المذهبية"، مشدداً على أن "هذا التحالف الثلاثي من شأنه أن يلغي المعركة المذهبية التي شكلت عنوان الصراعات في الشرق الأوسط، خلال العقود الماضية".

بدوره، تطرّق الباحث السياسي حسن شقير، في حديث إلى وكالة "سبوتنيك"، إلى جانبين في التحرّكات السياسية التي شهدتها تركيا خلال اليومين الماضيين، لجهة القمة الثنائية التي جمعت الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، والقمة الثلاثية التي جمعت الرئيسين الروسي والتركي بنظيرهما الإيراني حسن روحاني.

وفي ما يتعلق بالقمة الثنائية بين بوتين وأردوغان، قال شقير إن "العلاقات الروسية-التركية، كما يبدو، آخذة في التجذّر أكثر فأكثر، بدفع من المصالح المشتركة بين البلدين".

وأوضح أن "تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، ولكن الظروف السياسية والاقتصادية جعلتها تذهب نحو علاقة جيّدة على مختلف المستويات مع روسيا".

ولفت شقير، إلى أن "الاقتصاد الروسي يحتاج اليوم إلى الاقتصاد التركي، تماماً كما أن الاقتصاد التركي في حاجة إلى الاقتصاد الروسي، ومن هنا يمكن فهم توطّد العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، مع إدراك الجانب الروسي بأن تركيا مقيّدة بعضويتها في حلف شمال الأطلسي من جهة، وإدراك الجانب التركي بأن روسيا في موضع النقيض لهذا الحلف".

ورأى شقير، أن "العلاقات الروسية — التركية اليوم هي علاقة مصالح مشتركة، لا سيما على المستوى الاقتصادي، المتمثل في مشاريع الغاز والطاقة النووية والسياحة والتجارة… ولكن من الممكن أن تبنى عليها تفاهمات سياسية".

وفي ما يتعلق بالقمة الثلاثية بين بوتين واردوغان وروحاني، أشار شقير إلى أن "البيان الختامي لهذه القمة، التي تمحورت حول سوريا، أتى ليؤكد أن الدينامية الروسية هي التي ستفعّل في المرحلة المقبلة" في إطار خريطة الطريق التي يفترض أن تؤدي إلى تسوية سياسية.

واعتبر شقير، أن "البيان الختامي للقمة الثلاثية يشير إلى أن خريطة الطريق الروسية تتحقق، على أساس مسار أستانا، وهو ما تمّ التأكيد عليه من قبل الكرملين، في اعتبار أن وثيقة أستانا هي العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى خفض التصعيد في سوريا، ما يعني أن القمة الثلاثية أدّت عملياً إلى تحديد المسار الميداني-العسكري على نحو يجعل من الممكن إلحاق مناطق أخرى في سوريا في مناطق خفض التصعيد القائمة حالياً".

علاوة على ما سبق، لفت شقير، الانتباه إلى أن "البيان الختامي للقمة الثلاثية أكد مسألتي إعادة اللاجئين وإطلاق لجنة الدستور، وهما من المخرجات الأساسية لمؤتمر سوتشي حول سوريا".

وأوضح أن ما سبق يعني أن "مساري سوتشي وأستانا سيفرضان تغييرات على مسار جنيف، وإن كان الأخير المسار الرسمي للتسوية السورية، باعتباره يحظى بغطاء من الأمم المتحدة".

وفي رد على سؤال حول انعكاسات القمة الثلاثية على ما يجري في الشمال السوري، قال شقير "نحن نعلم أن ثمة علاقة متوترة للغاية بين تركيا والأكراد في سوريا، خصوصاً أن النظرة التركية تجاههم هي أنهم (إرهابيون). وقد تحدّث الرئيس بوتين بشكل صريح عن أكراد سوريا، مشدداً على أهمية دورهم في العملية السياسية، وتلك رسالة موجهة بشكل خاص إلى أردوغان. كما أن التلفزيون الإيراني نقل تصريحات عن الرئيس حسن روحاني مفادها أن ثمة ضرورة انسحاب الجيش التركي من عفرين وتسليمها إلى الجيش السوري، خصوصاً بعد ما تضمنه البيان الختامي لقمة أنقرة من تشديد على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها".

وأضاف "بهذا المعنى، فإن القمة الثلاثية خاطبت الهواجس التركية، لجهة تشديد روسيا وإيران على أنهما لا تدعمان أي كانتون كردي في سوريا، في مقابل التشديد على وحدة الدولة السورية، وبالتالي فإن هذا يحتّم على تركيا أن تعيد ما احتلته في شمال حلب، وإعادته إلى سيطرة الدولة السورية، التي أبدت جهوزيتها لذلك".

ووفقاً لشقير فإنّ "هذه الخطوة التركية تبقى أساسية في تبديد الهواجس بشأن خيارات أردوغان، والشكوك التي تحوم حول سياسته، بشأن احتمال اللعب على ورقة الشمال السوري لاستمالة الجانب الأمريكي، والحصول منها على دعم أكبر لموقفه بشأن الأكراد، وهو أمر مثير للقلق، خصوصاً في ظل وجود مشروع أمريكي هدفه سلخ شمال سوريا".

 


مواضيع:


الأخبار الأخيرة