كيف تساعد اليونان "العقول المهاجرة" على العودة للوطن؟

  11 ابريل 2018    قرأ 1237
كيف تساعد اليونان "العقول المهاجرة" على العودة للوطن؟

ويقول شوكيوبولوس: "لكن عندما تفجرت الأزمة (الاقتصادية)، قررت العودة إلى المملكة المتحدة بحثا عن فرص جديدة"، إذ يعاني الشباب في اليونان تحت وطأة أزمة الديون التي عصفت بالبلاد منذ عام 2010 ووضعتها على حافة الإفلاس.

درس أنتونيوس شوكيوبولوس، كشأن الكثير من اليونانيين، في لندن، ثم عاد إلى أثينا في عام 2002، ليعمل في مجال هندسة البرمجيات.

 

وبالرغم من أن بعض بوادر تعافي اقتصادي قد لاحت في الأفق مؤخرا، على رأسها نمو الاقتصاد بنسبة 1.6 في المئة في عام 2017، وتوقعات بخروج اليونان من برنامج الإنقاذ المالي في أغسطس/آب، إلا أن نسبة البطالة بين الشباب تحت 25 لا تزال تناهز 45 في المئة من إجمالي نسبة البطالة بين الشباب في الاتحاد الأوروبي.

فضلا عن أن الفرص أمام من يسعفه الحظ في العثور على وظيفة لا تزال محدودة للغاية، إذ يبلغ متوسط الرواتب 700 يورو شهريا، مع العلم أن اليونان تعد من البلدان الأغلى معيشة، والأصعب لبدء مشروع تجاري على مستوى أوروبا.

لذا، لم يكن مستغربا أن يغادر ما يصل إلى 180 ألف خريج البلاد على مدار الأعوام الثمانية الماضية، بحثا عن فرص عمل في بلدان أخرى.

اقرأ أيضا: لماذا يحتفي رجال الأعمال الألمان بخسارة أموالهم؟
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ما يصل إلى 76 في المئة من المراهقين في اليونان يفكرون في الدراسة أو العمل في الخارج.

ويقول أليكي موريكي، من المركز الوطني اليوناني للأبحاث الاجتماعية: "شهدت اليونان موجة هجرة جماعية من قبل (في أعقاب الحرب العالمية الثانية)، لكن هذه الموجة مختلفة نسبيا، لأنها تمثل استنزافا لأصحاب الكفاءات والمهارات في البلاد".

ويضيف: "حُرِمت البلاد من أصحاب أعلى المؤهلات والشهادات العليا، لتستفيد منها المملكة المتحدة وألمانيا، رغم أنهما لم ينفقا يورو واحدا على تعليمهم".

وقد يؤدي استنزاف الموارد البشرية أو "نزيف العقول" - وهو مصطلح يعني نزوح الكفاءات من البلاد بحثا عن فرص في الخارج - إلى تبعات وخيمة على اقتصادات الدول الأكثر فقرا.

ولهذا، تبذل الحكومات والباحثون قصارى جهدهم للتصدي لهجرة العقول بطرق شتى، منها إقامة برامج تدريبية وبحثية عن بعد لرصد العوامل التي قد تغري صفوة الخريجين للبقاء في أوطانهم.

وقد أصبح شوكيوبولوس جزءا من مشروع أقيم لهذا الغرض، لكن هذا المشروع يحركه اقتصاد السوق.

تحمل المخاطر
وتلقت شركة الكمبيوتر التي أسسها شوكيوبولوس في لندن مليون دولار العام الماضي من صندوق "ماراثون فينتشر كابيتال" لتمويل المشروعات والشركات الناشئة التي يدشنها رواد أعمال يونانيون، لكن ذلك الصندوق اشترط عليه أن ينفق نحو نصف المبلغ على تأسيس فرع للشركة في اليونان، وتعيين موظفين هناك.

اقرأ أيضا: ما الذي نتعلمه من ستيفن هوكينغ للنجاح في أعمالنا؟
ويسمى هذا النوع من شركات تمويل المشروعات "شركات رأس المال المُخاطر"، وتؤسسها مجموعة من المستثمرين الأثرياء أو البنوك أو المؤسسات المالية، التي تتعاون معا لتمويل مشروع أو أكثر في مراحله الأولية، أو ضخ المال لدعمه حتى يحقق نموا. وتحصل هذه الشركات في الغالب نظير ذلك على حصة من المشروع أو الشركة الناشئة.

ويدير بانوس بابادوبولوس مؤسسة "ماراثون"، ويهدف إلى توظيف المهارات التي اكتسبها العاملون اليونانيون من الخارج نحو إيجاد فرص مماثلة في اليونان.

ويقول بابادوبولوس: "يخدم رواد الأعمال المحليون السوق اليوناني فحسب، ونحن نبحث عن رواد أعمال يهتمون بحل المشاكل العالمية وينفتحون على العالم. فنحن نبني شركات صغيرة أو متوسطة لها أفرع في عدة بلدان".

لكنه يضيف أن الصندوق لن يعمل إلا مع رواد الأعمال الذين يؤسسون فروعا لشركاتهم في اليونان، إذا كانت الشركة لديها فرص كبيرة للنجاح.

ويتلقى صندوق "ماراثون" الأموال من الحكومة اليونانية وصندوق الاستثمار الأوروبي، وبنك الاستثمار الأوروبي. ويوفر ما يترواح بين 50 و90 في المئة من رأس المال، ويحصل في المقابل على حصة في الشركة تتراوح من 15 إلى 20 في المئة.

واستثمرت الحكومة اليونانية وصندوق الاستثمار الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي إجمالا 320 مليون دولار، في تسعة من صناديق رأس المال المُخاطر.

ويقول بابادوبولوس إن صندوق "ماراثون" يمتلك حصة من المشروع، لكن المستثمرين المشاركين في الصندوق، مثل الحكومة اليونانية، يحق لهم الحصول على نسب من العوائد إذا أرادوا أن يشتروا الحصة التي يمتلكها الصندوق في الشركة.

ما من مكان يُضاهي الوطن
لكن كيف تقنع صاحب شركة بالتوسع في بلد لا تزال البيئة التجارية والأفاق الاقتصادية فيه غير واضحة المعالم؟

يقول أستياناكس كاناكاكيس، أحد مؤسسي شركة "نوربلوك" التقنية بمدينة ستوكهولم التي مولها صندوق "ماراثون"، ويتولى منصب المدير التنفيذي للشركة، إن حب الوطن سيحملك على الاستثمار فيه.

ويضيف: "لقد عشت في بلدان عديدة مختلفة، ولا أشعر في أي مكان بدفء الوطن كما أشعر به في أثينا. وقد استثمر معظم أصدقائي أموالهم في اليونان بدافع الحنين إلى الوطن، وليس بحثا عن فرص تجارية".

ويقول بابادوبولوس: "إنه قرار عاطفي وليس عقلاني، سببه الثقة المتبادلة، لأن بناء الثقة سيكون أسهل في المكان الذي تشارك فيه سكانه نفس اللغة والتجارب".

اقرأ أيضا: حقائق عن اليونان
ويرى بابادوبولوس إن المؤسسين الذين يعمل معهم يحرصون على خلق فرص جديدة لبني جلدتهم من اليونانيين.

ويقول كاناكاكيس إنه كان يريد في البداية إقامة فرع خارج ستوكهولم يكون قريبا من عملائه القادمين من أوروبا والشرق الأوسط. وعندما عرض عليه صندوق "ماراثون" فرصة الاستثمار، رحب بالفكرة على الفور.

لكنه يصف في الوقت نفسه مدى صعوبة إجراءات إقامة فرع للشركة في اليونان، ويقول: "لو كنت حديث عهد بريادة الأعمال، لا أعلم ما إن كنت سأتحمل كل هذه الصعوبات لأنشيء شركة جديدة".

الاستفادة من هجرة الكفاءات
وقد ظهر نموذج آخر أكثر رشدا للاستثمار في المشروعات والشركات الناشئة في إسرائيل. فبعد الأزمات الاقتصادية التي مرت بها في السبعينيات ومطلع الثمانينيات، نجحت في أن تصبح مركزا للصناعات التقنية والابتكارية.

ويعود الفضل في هذا النجاح إلى حد ما إلى صندوق "يوزما" الحكومي، الذي موّل شركات إسرائيلية أو شركات مرتبطة بإسرائيل، وساهم في وضع اللبنة الأساسية في نظام الاستثمار برأس المال المُخاطر.

ويضع قطاع رأس المال المُخاطر في إسرائيل توظيف الكفاءات المهاجرة في مقدمة أولوياته. إذ يعيش في وادي السيليكون ما يتراوح بين 60 ألف و100 ألف إسرائيلي، منهم رواد أعمال إسرائيليون أسسوا ما يزيد على 100 شركة في المنطقة.

ويرى بعض الباحثين أن الدول ستستفيد من هجرة الموارد البشرية إذا عاد العاملون بمهارات جديدة من دول المهجر. ويقول ديفيش كابور، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، إن الهنود الذين يعملون في وادي السيليكون ساهموا في رسم معالم قطاع رأس المال المُخاطر في الهند، وساعدوا أيضا شركات البرمجيات الهندية في الوصول إلى السوق الأمريكية.

ويقول موريكي: "إن عودة الكفاءات (إلى الهند) ستعوض الخسارة التي تكبدتها البلاد جراء هجرتهم، لأنهم سيجلبون معهم مهارات مهنية واجتماعية وشخصية".

إلا أن كابور ليس واثقا من مدى قدرة صناديق رأس المال المُخاطر على دعم اقتصادات الدول النامية.

ويقول: "لن تصبح صناديق رأس المال المُخاطر رافدا مهما لاقتصاد الدولة إلا إذا كانت البيئة مهيأة في الدولة لنجاحها، سواء بوجود قطاع تقني متطور، أو موارد بشرية، ولهذا فإن قطاع الاستثمار في الشركات الناشئة برأس المال المُخاطر لا يزال محدودا للغاية في أغلب الدول".

ويقول كاناكاكيس إن نموذج التمويل الذي يضعه صندوق "ماراثون" لتمويل المشروعات قد لا يصلح لجميع رواد الأعمال، لأنه يشترط أن تنفق الشركة مبلغا معينا من المال في اليونان، وبذلك يؤثر على قرارات الشركة. وقد ترى الشركة أن الوقت لم يحن بعد للعودة للوطن.

ورغم ذلك، فقد استثمر صندوق "ماراثون" أموالا في خمس شركات ناشئة، ويعتزم تمويل شركتين أخريين، وقد وفر 20 فرصة عمل بالفعل في مجال التكنولوجيا في اليونان. ويخطط لتمويل 20 شركة على مدار السنوات الأربع المقبلة.

ويقول بابادوبولوس: "إذا نجحنا، سيكون لدينا شركتان أو أو ثلاثة تضم كل منها نحو ألف موظف".

ويقول كاناكاكيس: "أشعر بتفاؤل حذر. أرجو أن يؤدي انتشار المشروعات من هذا النوع إلى تغيير آراء الناس وتوجهاتهم".

 

 

 

 


مواضيع:


الأخبار الأخيرة