لم تعد التطورات العسكرية تثير اهتمام السوريين كما كان يحدث خلال السنوات الماضية، هكذا “على سبيل المثال” يمر خبر قطع المساعدات الأمريكية عبر غرفة الموك في الأردن بلا ضجة، ومثله أيضاً تلك الأخبار عن إعادة هيكلة الفصائل الجنوبية، وبدء مشاورات لتوحيد العديد من الفصائل تحت اسم غريب هو “الجبهة الوطنية لتحرير سوريا”! هذا الاسم الذي كان ربما ليثير الحماسة أو بعض الآمال، لو انطلق مشروع مشابه قبل خمس سنوات، مع أن الافتراض نفسه غير واقعي لأن غرفة الاستخبارات التي قطعت دعم الفصائل، وتطالبها الآن بالتوحد من أجل محاربة داعش، هي ذاتها التي أشرفت طيلة السنوات الماضية على تشرذمها وعدم توحدها، بل هددت بقطع الدعم في حالات محدودة تجرأ أصحابها على طرح فكرة الاندماج.
في مناخ عدم الاكتراث هذا لا تُطرح أسئلة عما يجعل إدارة ترامب توجِّه هذه القوات لقتال داعش في المنطقة الشرقية، مع أن التنظيم يوشك على خسارة آخر معاقله تحت ضغط طيران التحالف وهجوم الميليشيات الكردية؟ وإذا كانت هذه الإدارة بحاجة حقاً لمزيد من المقاتلين فليس من تساؤلات حول عزمها تجريدهم من الأسلحة المتوسطة، التي سبق أن زودتهم بها، قبل زجهم في المعركة الجديدة؟
لا أسئلة أيضاً حول رد الفعل المتوقع من قادة فصائل المنطقة الجنوبية، بل ثمة تسليم بأن المشيئة الأمريكية ستقول كلمتها، ما دامت قد قالتها خلال سنوات من التحكم بالجبهة الجنوبية، وبمسار الدعم الذي نالته عموم الفصائل خلال الحرب. وكما هو معلوم استدعى اتفاق الجبهة الجنوبية الحالي أولاً قيام الطيران الروسي باستهدافها بقوة، وتركها بلا دعم فعال، ما كان يُنذر بمصير مشابه لمصير حلب أو سواها، ليأتي الاتفاق بمثابة بديل عن الإبادة، وفي ظل عدم وجود خيار فعلي آخر.
قبل ثلاث سنوات من الآن كانت إدارة أوباما قد فشلت في تشكيل فصيل سوري يقاتل داعش، ويتعهد منتسبوه فقط بقتال التنظيم دون التعرض لقوات الأسد. وقتها بدا المشروع صادماً، لأنه كان يمنح أول إشارة فاقعة إلى عزم الإدارة الأمريكية على الإبقاء على الأسد في السلطة، ولم تكن الظروف الإقليمية جاهزة آنذاك لاستيعاب ذلك القرار. أما الآن فيبدو أن الساحة أصبحت ممهدة، بعد أن تكفل الطيران الروسي بتمهيد أرض المعركة داخلياً، وتكفلت إدارة بوتين بنسج شبكة واسعة من التفاهمات الإقليمية، واقتسام مناطق النفوذ في سوريا.
مواضيع:
العسكرية،#التطورات،#الأمريكية