كيف تتجنب "التمييز الخفي" المسيء للآخرين؟

  13 ابريل 2018    قرأ 2502
كيف تتجنب "التمييز الخفي" المسيء للآخرين؟

يُعرف التمييز الخفي أو غير المباشر بأنه الإساءة للبعض وإهانتهم بعبارات أو سلوكيات غير متعمدة، تنم عن التمييز ضد الفئة التي ينتمون إليها.

قد يجرح البعض مشاعر الآخرين - لا سيما الفئات المهمشة - بأسئلة مقتضبة أو تعليقات عابرة، أو سلوكيات متكررة على مدار اليوم تدل على التحامل والتمييز غير المباشر.

 

كأن تسأل مثلا رئيسة تنفيذية: "هل يمكنني التحدث إلى رئيسِك؟"، أو تقول لممرض: "هذا رائع، ليس من المعتاد أن يعمل الرجال في سلك التمريض"، أو أن تقول لأحد مثليي الجنس أو المتحولين جنسيا: "أنت لا تتحدث كالمثليين".

أو قد يوجه موظف سؤالا لزميل من ذوي البشرة غير البيضاء، الذين يمثلون أقلية في المكتب: "من أين تنحدر؟ أعني بلدك الأصلي". أو قد يسأل آخر شخصا من ذوي الأصول المختلطة: "ما هو عِرقك".

اقرأ أيضا: اقرأ أيضا: مخاطر خفية يسببها إدمان العمل
ويحذر الباحثون من هذه الأشكال من التمييز غير المباشر، التي قد يؤدي تكرارها إلى ضعف الثقة بالنفس، والشعور بالإقصاء والتهميش، وقد تسبب في النهاية مشاكل نفسية، ناهيك عن أنها تشيع العداوة داخل مكان العمل.

إلا أن ثمة خطوات قد تساعدك في التعامل مع هذه المواقف المحرجة، سواء كنت أنت الشخص الذي تعرض للإهانة، أو الذي يتسبب في إهانة الآخرين دون أن يدري.

أين يحدث التمييز غير المباشر
على عكس خطاب الكراهية، فإن التمييز غير المباشر أو الخفي هو إيذاء الغير عن غير قصد، رغم أن كلاهما يُحدِث نفس الأثر في نفس الآخر.

ولا يقتصر التمييز غير المباشر على عبارات يتلفظ بها القائل، إنما قد يتجسد أيضا في شكل سلوكيات قد لا يلاحظها المحيطون، وربما لا يطرأ على بالهم أنها مسيئة.

فقد يُعد عدم الجلوس إلى جوار شخص بعينه في القطار أحد أشكال التمييز، وكذلك مقاطعة زميل في أحد الاجتماعات أو اللقاءات، أو افتراض أن شخصا ما يتحدث نفس اللغة التي تتحدثها لمجرد أنه ينتمي إلى نفس العرق الذي تنتمي إليه، أو افتراض أنه لن يتحدثها لأنه لا ينتمي إلى نفس العرق، أو التحديق في كل من يبدو مختلفا عنك عند مروره بجانبك.

كل هذه التصرفات تجعل الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز يشعرون بأنهم مختلفون أو غرباء أو مثيرون للريبة أو الخوف.

يقول دكتور ديرالد وينغ سو، أستاذ علم النفس والتربية بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، والذي وُلد في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، وهو من أصول آسيوية أمريكية: "عندما يقول لي أحد الطلاب بعد المحاضرة 'لقد أعجبني عرضك للأفكار، وبالمناسبة، أنت تتحدث الإنجليزية بطلاقة' أجيب بالقول: 'أشكرك على هذا الثناء، لكنني وُلدت في الولايات المتحدة'".

اقرأ أيضا: ما الذي نتعلمه من ستيفن هوكينغ للنجاح في أعمالنا؟
لماذا قد تؤذي هذه التصرفات الآخرين؟
يرى البعض أن التمييز غير المباشر لا يستحق هذه الضجة التي أثيرت حوله مؤخرا، وأنه مجرد أحد تجليات الجهود المضنية لضبط وتقييد لغة الخطاب لتجنب الإساءة للآخرين.

ويقول آخرون إن الاهتمام بالتمييز غير المباشر سيؤدي إلى المبالغة في الحذر وتحري الدقة الشديدة في انتقاء الألفاظ.، بل وزعم بعض المعارضين أنه يغذي الشعور بالاضطهاد، وتعظيم أخطاء البعض لاستعطاف الناس والفوز باحترامهم.

ويقول سو: "أتفهم رأي الناس الذين يقولون 'لا تكن كثير الشكوى' أو 'عش الواقع'، لكن هؤلاء لا يدركون كيف يرى أصحاب البشرة غير البيضاء هذا الواقع، على سبيل المثال".

ولعل الطالب الذي أثنى على إتقان سو للغة الإنجليزية كان يظن أنه يمدحه. لكن التعليق الذي صدر منه في الحقيقة يحمل رسالة ضمنية مفادها أن سو أجنبي، رغم أنه أمريكي المولد. ولأنه قد سمع تعليقات من هذا النوع مرارا وتكرارا في حياته، يقول سو إنه يشعر أنه غريب في وطنه.

وهنا تكمن المشكلة في التمييز غير المباشر، فهذه الأخطاء أو السقطات تتراكم مع الوقت، وتتعاظم ككرة الثلج، وتسبب ضررا جسيما.

تقول أوبالا شاندراسيكيرا، مديرة السياسات العامة بجمعية الصحة النفسية بمدينة تورونتو، بكندا: "(إذا ثار الشخص بسبب تعليق ينطوي على تمييز غير مباشر) قد يرى الآخرون أن رد فعله كان مبالغا فيه، فقد يبرر الشخص الذي وجه الإساءة موقفه بأنه لم يقل هذا التعليق إلا على سبيل الدعابة أو المجاملة. لكن هذا الغضب، في الحقيقة، كان رد فعل لمواقف مشابهة حدثت منذ أيام أو شهور أو سنوات".

وتقول شاندراسيكيرا إننا لا ننسى أبدا المرة الأولى التي تعرضنا فيها للتمييز في حياتنا. وتضيف: "يلحق التمييز بالشخص أذى نفسيا، ويجرح مشاعره، ثم ينتهي بنا الأمر إلى اختزان الألم في داخلنا، لكن الجسم لا ينساه. لذا، إذا تعرض الشخص لموقف مشابه فيما بعد، سينفجر غضبه".

اقرأ أيضا: نعم، يمكنك التقاعد في الثلاثينات من العمر
وتضيف شاندراسيكيرا أن التمييز الضمني يسبب مشاكل نفسية، ويؤدي في النهاية إلى التوتر والإجهاد، أو على أسوأ الأحوال، قد يؤدي إلى إدمان المخدرات أو الكحول.

كيف نتصدى للتمييز غير المباشر؟
كيف نتصرف إذا صدر من شخص تصرف أو تعليق ينم على تمييز غير مباشر على مرأى ومسمع منا في مكان العمل؟

تقول شاندراسيكيرا: "أفضل تصرف في هذه اللحظة هو ألا تنكر التمييز. فالشخص الذي يتعرض للتمييز يشعر بأنه وحيد. ويستشيط غضبا، لأن هذا الموقف قد تكرر مرارا من قبل". وتنصح شاندراسيكيرا بأن تسأل الشخص في هذه الحالة إن كان على ما يرام أو إن كان يريد أن يتحدث إليك.

وتقول: "إن مساندة الشخص في هذه الحالة والاطمئنان عليه سيجعلان الشخص يشعر بأنه جزء من المجتمع، وهذا سيساهم في حمايته من الأذى النفسي".

أما إذا كنت أنت الطرف الذي تعرض للتمييز، فيقترح سو أن ترد ردا سريعا وموجزا وذكيا، تخفف به من وقع الإساءة وفي الوقت نفسه تبيّن للشخص المسيء خطأه"، وخير مثال على ذلك، حين قال سو للطالب إنه مولود في الولايات المتحدة.

ويذكّرنا سو، المتخصص في أشكال التمييز العنصري والتعدد الثقافي، أن كلنا ورثنا عن آبائنا بعض التحيز والتحامل ضد الآخر، سواء على أساس العرق أو الجنس أو الميول الجنسية.

وإذا وجه لك شخص ما اللوم بسبب ما صدر منك من تصرف أو كلام جارح، فلتصغ إليه وتصبر، ولا تنفعل أو تدافع عن نفسك من اللحظة الأولى، بل اسأله عن الخطأ الذي ارتكبته أو تفوهت به حتى تفهم ما يقوله.

ويقول سو: "علينا أن نصلح أنفسنا أولا، وندرك تحيزاتنا، فإذا اتضحت لنا سلوكياتنا التمييزية سنتمكن من معالجتها".

وقد دُشن موقع "مايكرو أغريشن بروجكت" على الإنترنت في عام 2010 لمحاربة التمييز غير المباشر. وهذا الموقع بمثابة منصة يعرض فيها المشاركون أشكال الإهانة والتمييز التي يتعرضون لها يوميا.

وقد عُرض على هذا الموقع أمثلة تفوق 15 ألف حالة تمييز غير مباشر.

كيف تساعد اليونان "العقول المهاجرة" على العودة للوطن؟
ويقول ديفيد زو، أحد مؤسسي الموقع: "هؤلاء المشاركون الذين تعرضوا لأشكال التمييز ينتمون إلى جميع الفئات المهمشة تقريبا في المجتمع الغربي، من الأقليات العرقية، والنساء، ومثليي الجنس والمتحولين جنسيا، إلى الطبقات الاجتماعية والمهاجرين وذوي الإعاقة".

تحفيز أداء شركتك
تقول شاندراسيكيرا إن الموظفين المحبطين أو الذين تعرضوا للتمييز ستزيد احتمالات تغيبهم عن العمل ولن يبذلوا أقصى طاقتهم في العمل يوميا.

لذا يتعين على إدارة الموارد البشرية أن تتعامل بجدية مع شكاوى الموظفين بصدد التمييز غير المباشر في مكان العمل، ولا يعتبرونها ردود فعل مبالغ فيها لتعليقات معتادة.

وتقول شاندراسيكيرا إن عدد الموظفين في كندا الذين يتغيبون عن العمل باستمرار بسبب المشاكل النفسية يبلغ 500 ألف موظف. وتضيف أن ضعف الهمة في العمل يعد من المشاكل النفسية.

إلا أن التمييز غير المباشر، لا يقتصر على أماكن العمل فقط، كما أنه ليس مصطلحا جديدا، إذ صاغه أحد الأساتذة بجامعة هارفارد لوصف الإهانات التي يواجهها المهمشون في الولايات المتحدة وأضيف إلى قواميس اللغة الإنجليزية في عام 2015.

ويقول زو: "يتعرض الناس في الحياة اليومية لمختلف أشكال التمييز غير المباشر، ولا يحتاج الناس لمصطلح جديد حتى يدركونها. إذ ساهمت ردود أفعال من ينتمون إلى الفئات المهمشة حيال أشكال التمييز غير المباشر في وضع التعريف المناسب لهذه السلوكيات والعبارات المسيئة، وهذا يدل على حجم انتشار أشكال التمييز غير المباشر في المجتمعات".

 


مواضيع:


الأخبار الأخيرة