قصة رجل يهوى البحث عن "مواد مشعة"

  18 ابريل 2018    قرأ 1921
قصة رجل يهوى البحث عن "مواد مشعة"

في الوقت الذي يحاول فيه أكثر الناس تفادي مصادر الإشعاع، فإن أندرو ووكر يهوى جمع الأشياء التي تحتوي على مواد مشعة. والعجيب في الأمر أن هذه المواد والعناصر المشعة متوفرة في متاجر تحف، ومقتنيات أثرية، وساحات الانتظار، والمباني في كل مكان.

 

بدأ شغف أندرو ووكر بالبحث عن مواد مشعة بعد أن شاهد مقطع فيديو يتباهى فيه جامع مواد مشعة بمقتنياته التي جمعها على مدار أعوام، منها تحف تحتوي على اليوارنيوم.

وبعدها اشترى ووكر "عداد غايغر"، وهو جهاز للكشف عن الإشعاع المؤين وقياس شدته، ليمارس هذه الهواية الفريدة من نوعها.

وسرعان ما أدرك أن النشاط الإشعاعي موجود في كل مكان من حولنا، كما يقول العلماء، إذ رصد العداد الإشعاع للمرة الأولى في ساحة الانتظار خارج مطعم مكسيكي للوجبات السريعة بولاية إيداهو. ويقول ووكر: "بمجرد أن دخلت إلى ساحة الانتظار، أصدر العداد صوتا مرتفعا وزادت الأرقام على الشاشة".

ويضيف ووكر أنه كان ثمة شيء ما في المكان تنبعث منه الجسيمات دون الذرية، مثل البروتونات والنيوترونات والإلكترونات، التي يتكون منها الإشعاع المؤين، بنسب أعلى مما هو متوقع. ورغم أن ووكر لم يعرف مصدر الإشعاع، إلا أنه أدرك وجوده.

تاريخ "دموي" لمنتجع صحي يعالج مرضاه بالمياه المشعة
ومنذ ذلك الحين، شرع ووكر في البحث عن مواد أخرى لا يُتوقع أن تكون مصدرا للإشعاع.

وفي النهار يعمل ووكر مشغل ماكينة لعرض الأفلام السينمائية ومخرج، ولا علاقة له بالعلوم. ولكنه يستمتع بعرض اكتشافاته على موقعي تويتر وانستغرام، ومناقشتها مع غيره من الشغوفين بالنشاط الإشعاعي.

يتعرض الناس لمصادر الإشعاع يوميا، لكن النشاط الإشعاعي يكون عادة منخفض نسبيا. ورُصدت مستويات مرتفعة من الإشعاع الطبيعي في بعض الشواطئ والأراضي، وغيرها حول العالم. وقد أشارت دراسات إلى أن معظم المادة الخرسانية المستخدمة في البناء مشعة، وإن كانت بمستويات متفاوتة.

وفي الولايات المتحدة، يُنصح بفحص المنازل للتأكد من خلوها من غاز الرادون، الذي ينبعث ببطء مع مرور الوقت من مواد البناء المشعة.

ولأن العناصر المشعة قد تدخل جسمنا عن طريق الطعام، أو الشراب، أو الاستنشاق، فإن أجسامنا مشعة نسبيا أيضا، إذ يحتوي الجسم البشري على عناصر مثل بوتاسيوم 40، وهو النظير المشع للبوتاسيوم، الذي يتفكك وينتج إشعاع بيتا.

ويعيش ووكر في مدينة بوزمان، بولاية مونتانا الأمريكية، وقد اكتشف لاحقا أنه في الماضي، كان الخبث الذي يحتوي على كميات ضئيلة من اليورانيوم والراديوم يُستخدم في صناعة الخرسانة التي تستخدم في البناء في ولاية إيداهو المجاورة.

وقد يكون ذلك هو مصدر النشاط الإشعاعي المرتفع خارج المطعم المكسيكي. ويهوى ووكر السفر إلى مناطق داخل الولايات المتحدة تزيد فيها فرص العثور على مواد مشعة مثيرة. إذ يوجد في الولايات المتحدة الكثير من مناجم اليورانيوم، كما توجد بلدات كانت تعتمد كليا على تعدين اليورانيوم، لكنها أصبحت الأن مهجورة.

ويتردد ووكر أيضا على متاجر التحف والمقتنيات الأثرية، ويبرر ذلك بالقول: "عثرت على قطع مشعة في كل متاجر التحف التي زرتها بلا استثناء".

مغامرون خاطروا بحياتهم لكشف أسرار التغير المناخي
وتضم مقتنيات ووكر التي عثر عليها في متاجر التحف أواني من زجاج اليورانيوم تتميز بلونها الأخضر الضارب إلى الصفرة، وأطباق من اللون الأحمر المائل إلى البرتقالي، استخدمت في تلوينها صبغة تحتوي على اليورانيوم. ولاحظ ووكر أن "عداد غايغر" يرصد مستويات مرتفعة من النشاط الإشعاعي عند الاقتراب من هذه الأطباق.

وتحذر المبادئ التوجيهية التي أصدرتها وكالة حماية البيئة الأمريكية من استخدام الأواني التي تحتوي على اليورانيوم في الأكل أو الشرب، ولكن المخاطر الصحية من اقتنائها لا تُذكر.

وكل هذه القطع آمنة ما دامت سليمة، ولكن النساء اللائي صنعنها كن يضعن في الغالب فرش التلوين بين شفاههن، ولهذا ابتلعن كميات ضئيلة من طلاء الراديوم، مما أدى إلى إصابة الكثير منهن بأمراض خطيرة، مثل سرطان العظام في منطقة الفك.

ولذا يقول ووكر إنه يحتفظ بهذه الأواني الزجاجية المشعة في مكان آمن ولا يستخدمها في الأكل والشرب ليحمي نفسه من أي مخاطر هو في غنى عنها.

وقد رصد أيضا مستويات مرتفعة من الإشعاع تنبعث من بلاطات في بعض المباني العامة بالولاية، مثل محطات القطارات، وقد يكون مصدر الإشعاع الصبغات التي استخدمت في تلوين البلاطات أو تلميعها.

وليس من الصعب تصنيع عدادات غايغر للبحث عن مصادر النشاط الإشعاعي، وقد اشترى ووكر عداد "ريد أي" بمبلغ 1,300 دولار، لرصد إشعاعات ألفا وبيتا وغاما.

هل نرى قريبا حدائق للحيوانات المنقرضة؟
ويشير نيك إيفانز، عالم الكيمياء الإشعاعية بجامعة نوتنغهام ترنت، إلى أن النشاط الإشعاعي قد يُقاس بطرق شتى، منها متابعة سرعة تفكك النواة مع مرور الوقت، وفي هذه الحالة تستخدم لقياسها وحدة "البيكيرل" الدولية. لكن الوحدة الأكثر انتشارا هي "السيفرت" أو "مايكروسيفرت" أو "مللي سيفرت" لقياس الجرعة المؤثرة من الإشعاع.

وهذه الوحدة هي التي يستخدمها ووكر في القياس. ويقول إيفانز إن الطريقة المتعارف عليها في قياس النشاط الإشعاعي هي وضع عداد غايغر على بعد متر واحد من مصدر الإشعاع من أجل مقارنة النتائج بدقة.

الطاقة العالية
لكن الأمر اللافت للانتباه في اكتشافات ووكر هو وفرة المواد والعناصر المشعة من حولنا وسهولة العثور عليها. ويقول إيفانز إن المواد والعناصر المشعة كانت تُستغل، في العقود اللاحقة لاكتشاف النشاط الإشعاعي في القرن التاسع عشر، كوسيلة ترويجية لزيادة مبيعات المنتجات الجديدة الغريبة والمدهشة.

ويقول إيفانز: "كانت المواد المشعة آنذاك فريدة، لا مثيل لها، إلى حد أنها أبهرت الناس ورغبوا في تجربة إدخالها في كل شيء، أو لنقل إنهم كانوا يتفننون في توظيف المواد المشعة ".

وظهرت منتجات صحية توفر للمرضى جرعة من الإشعاع الناتج عن تفكك الذرات، مثل معجون الأسنان المشع وحتى أوقية ذكرية مشعة.

يقول إيفانز: "لا أعرف ما هو المبرر لاستخدام عناصر مشعة في هذه المنتجات الصحية". ويضيف: "أنا أحتفظ بعينات من هذه المنتجات، ولكنني بالطبع لا أستخدمها".

إلا أن الكثيرين لا يزالون يعتقدون أن التعرض للجرعات الإشعاعية العالية قد يكون مفيدا بشكل ما للصحة. وفي منطقة جبال الألب الأسترالية، يوجد منتجع صحي يسمى "باد غاشتاين"، حيث يزور الناس الأنفاق الرطبة لمنجم كان يستخرج منه الذهب في الماضي، لإخراج الأمراض والسموم من أجسامهم عن طريق العرق، بينما يستنشقون غاز الرادون.

كيف تحمينا اللحوم المقددة من التسمم الغذائي؟
وطالما انتقد الكثير من العلماء مخاوف الناس الفطرية من كل شيء له علاقة بالإشعاع، ويرى البعض أن الخوف من مخاطر الإشعاع غير منطقي. إذ تحيط بنا مخاطر أخرى، مثل التلوث، الذي قد لا يثير مخاوف الناس بقدر ما يثيرها الإشعاع، ورغم ذلك، يودي التلوث بحياة الملايين سنويا.

وخلصت دراسة إلى أنه على النقيض من التلوث، أسفر التعرض لجرعات إشعاعية عالية عن مقتل 190 شخصا فقط بين عامي 1980 و2013.

ويقول ووكر إنه تبين له من خلال اكتشافاته أن الكثير من المخاوف التي تكتنف النشاط الإشعاعي "غير مبررة". ومن جهة أخرى، اكتشف من خلال أسفاره وزياراته لمتاجر التحف عن حجم انتشار النشاط الإشعاعي من حولنا.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة