سعف النخيل بمصر.. زينة منازل الأغنياء والفقراء

  28 ابريل 2018    قرأ 2388
سعف النخيل بمصر.. زينة منازل الأغنياء والفقراء

رغم خشونة ملمسه، تمسك أناملها سعف النخيل بانسيابية شديدة، وكأنها أم تضفّر شعر صغيرتها، لتصنع منه أواني، وسلالًا تزين منازل الأغنياء والفقراء بمصر.

وبينما تجلس ليلى محمد سعيد (45 عامًا) أمام منزلها، وبجوارها سعف النخيل، وقش الأرز، تقوم بصناعة الأطباق والأواني المختلفة ببراعة، تذكر أنها ورثت المهنة عن أمها وجدتها، كما أنّ والدها وجدها كانا يعملون في نفس المهنة.

مهنة “الخواصة” (تصنيع الأواني والسلال من سعف النخيل)، حوّلت قرية “الإعلام” بمحافظة الفيوم، وسط مصر، إلى خلية نحل تعمل ليل نهار لتوفير الكميات المطلوبة. كما أنها قضت على البطالة بالقرية تمامًا، حيث أصبحت مهنة الكبار والصغار الرجال منهم والنساء، الذين يبيعونها للفنادق التي تقدمها كهدايا للنزلاء، ولتزيين منازل وحدائق فيلات الأثرياء، ولا يخلو من منتجاتها أي منزل ريفي بسيط. وصناعة “الخوص”، من أقدم الحرف اليدوية في مصر، حيث استخدمها المصري القديم في صناعة الأواني والأطباق، ثم توارثتها الأجيال حتى يومنا هذا، لكنها لم تعد مشهورة إلا في الفيوم، وأسوان، والعريش، وسيوة والفرافرة، ورشيد.

وفي حديثها للأناضول، قالت ليلى إنّ “الخوص” هو تجميع أوراق سعف النخيل وتضفيرها باليد وربطها بقش الأرز، حتى يتم الانتهاء من إعداد الشكل المطلوب، ثم تترك في الشمس لتجف وتأخذ اللون الأبيض، كما يمكن تلوينها بألوان كثيرة تُكسبها شكلًا جماليًا.

وأشارت إلى أنّ صناعة الخوص في القرية، بدأت قبل قرن من الزمان حيث تعلّم أحد أهالي القرية تصنيع السعف من أقاربه في أسوان، وبدأ تعليمها لأهالي القرية، وانتشرت بينهم، واشتهرت القرية بها، وأصبحت تصدر منتجاتها إلى عدة دول منها الإمارات، والسعودية، وبلجيكا، وقبرص. ووفقًا للسيدة الأربعينية، فإن “الخوص” أفضل الأواني والأطباق صحيًا، وأنظف من البلاستيك، لأنه يؤخذ من سعف النخيل والبردي وقش الأرز، ويتم تنظيفه جيدًا ولا يدخل في صناعته أي مواد صناعية أو كيماوية.

وأضافت: “نحرص دائمًا على ابتكار أشكال جديدة من سعف النخيل، سواء بتغيير شكل تصميمها، أو إدخال ألوان فيها، كي تواكب العصر وتجذب المواطنين، حتى أصبحت الفنادق الكبرى تطلب منا عمل حقائب وهدايا لتُقدمها لنزلائها، بالإضافة إلى ديكور المنازل”. وأوضحت أنّها تشتري جريد النخيل من التجار ثم تُقشر سعف النخيل، وتنقعه في الماء، ثم يُلف في قماش أبيض، وتتركه طوال الليل، ثم تبدأ العمل به في اليوم التالي، أمّا المنتجات الملونة، فتعدها بنقع السعف في مياه ملونة.

وفي المرحلة الثانية، يتم تضفير السعف لتكوين الشكل المرغوب، وعقب الانتهاء منه يتم تركه في الشمس يومًا كاملًا حتى يجف، ثم يتم عرضه للبيع سواء داخل القرية، أو لتصديره، أو بيعه في الميادين الكبرى بمحافظتي الفيوم والقاهرة. ونوهت إلى أنّ السعف يقسم إلى ثلاث درجات، الدرجة الأولى لتصنيع الأواني الغذائية وتكون من قلب النخيل الذي يتميز بلونه الأبيض وحجمه الصغير؛ فضلًا عن سهولة التشكيل، والثانية والثالثة لتصنيع أواني الزينة، وأواني الغسيل، والحصير، والمقاعد، والمناضد، والحقائب اليدوية، والأقفاص التي تستخدم لحفظ الخضروات والفاكهة.

وأفادت أنّ صناعة سعف النخيل تزدهر لديهم بدايةً من شهر فبراير/شباط، وحتى نهاية شهر إبريل/نيسان، لأنّه موسم تلقيح النخل بواسطة حبوب اللقاح، حتى يُنتج النخيل أطيب ثمر، ويكون السعف كثيرًا، ولينًا فيكون أسهل في التشكيل والتصنيع. وأكدت أن صناعة “الخوص” لا تُعيقها عن أداء واجباتها تجاه منزلها وأسرتها، فهي تقوم بالعمل في “الخوص” بعدما تنتهي من أداء واجباتها المنزلية، وعقب ذهاب أبنائها إلى المدارس، وتنتهي من تصنيعه قبل عودتهم تمهيدًا لإعداد الغداء لهم.

وعن الأسعار التي تُباع بها منتجات الخوص، ذكرت أنها تبدأ من 12 جنيهًا (أقل من دولار)، وحتى 2000 جنيه (115 دولارًا) حسب الحجم والمنتج والخامات المستخدمة. ولفتت إلى أنه بعد توقف السياحة عقب ثورة يناير/كانون الثاني (أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك)، عاد الكثير من العاملين بها إلى القرية إلا أنهم لم يجلسوا في البيوت وعادوا إلى مهنتهم. وتابعت: هذه المهنة حوّلت قريتنا إلى خلية نحل تعمل ليل نهار، وأصبحت مصدر الرزق لأكثر من 300 أسرة في القرية، ونسبة البطالة أصبحت 0%، حيث إنّ الطلاب والطالبات يبدؤون تصنيع الخوص من المرحلة الابتدائية.

وبينت أنّ الأثرياء يُقبلون على شراء الأطباق والأواني والمقاعد، ويزينون بها منازلهم، حتى تضفي عليها جمالًا تقليديًا يُعيدهم إلى تاريخهم القديم، كما يشتري أصحاب المقاهي منهم المناضد والمقاعد وأدوات تزيين جدران وأراضي المقاهي. ويعتمد الشباب والبنات في القرية على بناء حياتهم من تصنيع منتجات “الخوص”، حيث يقوم كل منهم بشراء مستلزمات الزواج، أمّا من يرغب في مواصلة تعليمه فيعمل بدوام جزئي ويدرس بقية اليوم، لكنه لا يتخلى عن الحرفة تمامًا.

جدير بالذكر أنّ محافظة الفيوم، خصصت منافذ لصانعي “الخوص” بمنطقة السواقي (وسط المدينة)، التي تشهد رواجًا سياحيًا، ليتمكنوا من عرض منتجاتهم وبيعها للمواطنين، بجوار باعة منتجات الفخار.

كما تعمل المحافظة على تدشين منطقة الحرفيين على مساحة 41 فدانًا، لتكون منطقة للصناعات الحرفية لتشجيع الاستثمار في تلك الحرف، ومن المخطط أنّ تستوعب 180 مصنعًا وورشة بمساحات مختلفة، وتم الانتهاء من توصيل البنية التحتية لتلك المنطقة من رصف وتوصيل كهرباء ومياه وصرف صحي. وتضم المنطقة ورشًا لصانعي “الخوص” والفخار، لتشجيعهم على العمل، وتشجيع الصناعات والحرف اليدوية والمشغولات، وسيتم تسليم تلك الأراضي للشباب قريبًا.

ووفق إحصاء حكومي صدر في مطلع إبريل/نيسان الجاري، فإن نسبة البطالة في مصر وصلت 11.8% في 2017


مواضيع:


الأخبار الأخيرة