أثر النساء على ماركيز
كان غابرييل في الثالثة والعشرين يوم جاءت أمه ليسافر معها، وتبدو تلك السفرة الطويلة وكأنها رمز لرحلة الحياة. كان يتطلع بأمل كبير لأن يصبح صحفيا، وقد تخلى عن دراسته الجامعية ليعمل في صحيفة متواضعة بأجر زهيد. وهو من صغره يحلم في أن يصبح كاتبا، ويقول إنه كان في الخامسة يوم شاهد مع جده عرضا للسيرك، ولم يستطع الجد أن يميز في اللغة بين الجمل بسنام واحد والجمل بسنامين، إلا بعد الاستعانة بالمعجم. من ذلك اليوم تعلق بالمعجم الضخم وصوره، وخاصة أنه كان يحب الرسم، وكان «يخربش» كثيرا على الجدران، وكاد يتعرض لعقاب نساء البيت لو لم يكن في حماية جده. وكان واسع الخيال منذ طفولته، حيث اعتاد أن يروي ما يسمعه بطريقته حتى كانوا يتهمونه بالكذب، لكن طبيب العائلة قال لهم: «أكاذيب الأطفال هي علامة موهبة كبيرة». ويوضح تلك الموهبة بقوله إنها «ولّدت في البيت سمعة بأن لديَّ ذكريات من داخل الرحم، وأحلاما تسبق الأحداث».
هذا الجزء الأول من المذكرات يكشف أهمية وجود الجد والجدة في الأسرة وإشرافهما على تربية الأحفاد، كما يثني على أهمية دور المرأة في التربية، يقول: «أظن أني مدين، بجوهر طريقتي في الحياة والتفكير، لنساء الأسرة ونساء الخدمة الكثيرات اللواتي رعين طفولتي»، كما نرى أنه استفاد من كل تجاربه في المدرسة والحياة وإدمانه القراءة، إضافة إلى فنون المسرح والخطابة والرقص والغناء.
إن كتاب «عشت لأروي» غني جدا، وفي كل صفحة معلومة تستحق التنويه، ويقع في 318 صفحة من القياس المتوسط، وهو من ترجمة صالح علماني، ومنشورات «دار البلد»- دمشق 2003.