وفي فبراير 2018م، وخلال معرض مسقط الدولي للكتاب، صدر عن مؤسسة رؤى الفكرية طبعة جديدة ومزيدة من “مقالات مجد عمان”، وجاء في غلافه الأخير، “هذا الكتاب بستان يجمع بين الجمال والجلال والثمار اليانعة.. رحلة رائقة شائقة بين التاريخ والفكر والثقافة والذكريات والروح، لا أستطيع أن أشبهه إلا بمجلس كاتبه، ذلك المجلس الذي عهدته بيتا ثقافيا من طراز رفيع يحتضن المثقفين والمفكرين والمبدعين، فتدور فيه كؤوس الثقافة والعلم والفكر والدين والشعر والأدب وهو بينهم مبتسم المحيا، يسعد بالرأي الجديد المفيد ويحتضن الفكر التراثي الأصيل في لوحة ثقافية بهيجة وحالة فريدة من حالات التماهي بين التراث والمعاصرة بين قضية وطنية وأخرى ثقافية وثالثة سياسية ورابعة تاريخية وخامسة نقدية، مع ذلك يثير حراكا اجتماعيا وبهجة ثقافية”.
ومع انتشار هذا الكتاب، برز السؤال الأهم، عمن يكون مجد عمان، وأين مجلسه المشار إليه، وما المميزات التي يتمتع بها مجد عمان، حتى يغوص في عناوين شتى، ويكتب في مواضيع مختلفة، بفكر واع، ورؤية متقدة، ووجدان أصيل.
ولأن السؤال مُلح، والكثير يتوق إلى معرفة شخصية هذا الكاتب، فقد كان من الأهمية الإشارة في البدء أن “مجد عمان” لم يكن مجرد اسم عابر، يوقع به مقالاته المواكبة لحال المجتمع، والمتلمسة قضاياه وهمومه، والمعبرة عن رؤاه وهواجسه، والمتعرضة لأحداث تموج بها المنطقة، والمحفزة للتمسك بالدين القويم، والارتباط بالنهج الحميد، واعلان الولاء والانتماء للوطن، والفخر بقائده وسياسته الحكيمة.. ذلك أن اسم “مجد عُمان” ظل في طيات مقالاته، مرتبطا بالحكمة والحصافة والكياسة والتروي وبعد النظر.
وهو إن كان البعض يدرك كينونة “مجد عُمان” ومن يكون هذا الغيور على وطنه، ودينه، وأمته، يقارع التزييف بالدليل، ويدحض الشبهة بالحجة، ويهدم الظن باليقين، ويقاوم التدليس بمنطق أقوى، ويسترشد بآيات الذكر الحكيم، في كل مقال له، ليحق الحق ويبطل الباطل، ويؤكد أن الشيطان يقف خلف كل شر، وأنه وراء بني آدم إلى أن تقوم الساعة، لأنه اتخذ بذلك عهدا من الله تعالى على أن يؤخره إلى يوم الدين، وأن يضلهم أجمعين، إلا عباد الله المخلصين.
كان “مجد عُمان” يقارع بقلمه وحجته وفكره كل محاولات التزييف وطمس الحقائق، وتغييب القيم والأخلاق، ويقدم الرؤى والأفكار المعينة على الطريق القويم، والمضي في الصراط المستقيم، وفي كل كلمة من مقالاته تلتمس الحكمة والفهم والكياسة، ويجد المتتبع لمقالاته “بعد النظر وعمق التفكير النابع من ثقافته الدينية والمعرفية البعيدة عن التعصب واتباع الهوى والنزعات الطائفية والمذهبية، فهو بلا شك لديه المنهجية البحثية المتزنة والنزعة الإيمانية المشبَّعة بالصلة بالله عز وجل”، “يطرح رأيه وفكره للباحث والمطلع والمثقف والكاتب على اختلاف طوائفهم وأجناسهم ومذاهبهم”.
والمطلع على مقالات مجد عمان، يتلمس أيضا الغيرة التي تعتمر صدره لربِه أن تُنتهك محارمه وتضيع حدوده، وغيرته على وطنه ومجتمعه، وولاءه لجلالة السلطان، بحيث نجد أن جل المقالات تبدأ بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، والتسمية والحمدلله رب العالمين، قبل الدخول إلى موضوع المقال ومحوره، ومن ثم يطرح فكرته مدعما أياها بـآيات الذكر الحكيم، خاصة الآيات الكريمة التي تحذر من الاغترار بغوايات الشيطان وهمزاته، لأنه عدو للمؤمنين مبين، يسعى جاهدا لإخراجهم عن طريق الله تعالى، محذرا من اتباع خطواته الضالة المضلة، وهو ما يدفع البعض للسؤال عمن يكون “مجد عُمان”، سيما وأنه ذو فكر حاذق، وثقافة عالية، واطلاع واسع، وكيف السبيل إلى معرفته، والوصول إليه؟.
ولأن السؤال كان يتردد كثيرا، فإن اجابته لم تغب يوما عن “مجد عمان”، كانت الإجابة حاضرة في كل مرة يطرح هذا السؤال، فـ “مجد عُمان” ليس مجرد اسم مستعار، قرر صاحبه يوما أن يكتب تحت عنوانه، ليكون اسما عابرا، كمثل الأسماء الكثيرة العابرة، بل هو اتصال وثيق، وعلاقة قويمة أزلية بين شطري الاسم، “المجد” و”عُمان”، ولطالما كانت عُمان مرتبطة في صفحات الحاضر والماضي بالمجد والبطولات.
“مجد عُمان” هو انسان محب لوطنه، ومعتز بسلطانه، ومتمسك بدينه، ومرتبط بقيمه وأصالته، لم يكن وهو يخط المقال تلو الآخر مهتما بكتابة اسمه، قدر اهتمامه بايصال فكرته، ونشر رسالته، وتدوين أفكاره، كان يهدف إلى نشر الفكرة قبل نشر الاسم، وإلى ايجاد صلة تربط بين اسم “مجد عُمان” وبين المقالات التي ينشرها، هذه الصلة نجدها حاضرة في كل مقال، نلمسها في الانتصار دائما لـ “عُمان” الوطن، والدفاع عنها، والذّود عن حياضها، ومجابهة الأفكار “الهدامة”، والعادات الدخيلة، وكشف المؤامرات والدسائس، وتشويه صورة الإسلام وإنكار قيمه النبيلة وتعاليمه السامية.
ولأن الهدف الأسمى والغاية النبيلة من مقالات “مجد عُمان” قد تحققت بعيدا عن اسم صاحبها، وبمنأى عن ارتباط القراء بشخص كاتبها، ولأن اسم “مجد عُمان” أصبح علامة معروفة، تطرز بين الحين والآخر مقالا يواكب الأحداث، ويغطي تطورات سياسية واجتماعية وفكرية واقتصادية وثقافية، ويناقش مقالات كتاب آخرين، متفقا مع أفكار هذا الكاتب تارة، أو مختلفا معه تارة أخرى، مع تبيان وتوضيح ما التبس على العموم معرفته، وما جهل البعض خفاياه، وكيف أن “الشيطان” يقف متربصا بالإنسان، ويَجْرِي منه مَجْرَىَ الدم، مؤكدا أنه العدو الأوحد لآدم وبنيه، وأنه ينبغي علينا أن نتخذه عدوا كما أكد الحق تبارك وتعالى في محكم الذكر الحكيم }إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{، فقد قرر “مجد عمان” من أنه حان الوقت أن يكشف عن شخصيته استجابة لرغبة بعض الأصدقاء، وكذلك لإيقاف نقد المنتقدين، وإشباع رغبة محبي معرفة ما خفي، ويعلن عن اسمه الصريح، ، ويتحدث بلسان شخصه المعروف بين الناس، وتكون مقالات “مجد عمان” التالية، معروفة المصدر، ويكون الجميع على بينة من صاحبها، ودراية بفكره وثقافته العالية التي تنتج مثل هذا الفكر، وتقدم مثل هذه الرؤى، وتصوغ مثل هذه العبارات، وتسبك مثل هذه المعاني.
مجد عمان.. هو ذاته السيد قحطان بن ناصر بن خلفان البوسعيدي، وهو شخص ليس بغريب على المشهد العماني، والقاصي والداني يعرف من يكون هذا الرجل، والمواقف التي شهدها خدمة لوطنه وسلطانه، وما قام به على مدى سنوات النهضة العمانية الحديثة، والإخلاص والتفاني في عمله وواجبه الوطني في كل مكان تواجد فيه، وكل وظيفة شغلها، وهو إضافة إلى ذلك مطلع على الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، وقارئ نهم يواظب على القراءة، خاصة الكتب الفكرية، والعلوم السياسية والعسكرية، والسير الذاتية، وكل ما يتعلق بالأدب المترجم من الإصدارات التي تتناول علاقة الشرق بالغرب، وتستقرئ الأحداث وتلقي الضوء على التحولات في النظام العالمي وانعكاساتها على المنطقة.
السيد قحطان بن ناصر بن خلفان البوسعيدي، حق له أن يتسمى بـ “مجد عمان”، ومجلسه العامر “مجلس السبت” جامع لأهل الفكر والأدب، يؤمه الشعراء والأدباء والمهتمون بالفكر والأدب يشهد على خصاله الحسنة، وسماته الكريمة، وصفاته المبجلة من كل زائر لهذا المجلس الثقافي والشعري والفكري، الذي يمثل “علامة مضيئة بما حواه، وما جمعه، وما قدمه”، ولذلك حين يكون صاحب المجلس ومؤسسه والحريص على انتظامه اسبوعيا في منزله العامر في منطقة صاد في ولاية بوشر، بفكر وكرم السيد قحطان بن ناصر بن خلفان البوسعيدي، فلا شك أن هذا الرجل هو “مجد عمان” اسما وصفة.
مواضيع: