وبدأ ارتفاع أسعار السلع الرئيسية بقيادة النفط الخام في تغذية التضخم الرئيسي مع تأثيراته السلبية اللاحقة على السندات، التي تعتبر في العادة أكبر مكونات المحفظة المتنوعة.
ووصل مؤشر بلومبرج للسلع الرئيسية الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياته منذ عام 2015، ويشهد في الوقت الراهن ارتفاعاً بنسبة 4% تقريباً على أساس سنوي. وهذا يعني وجود بعض المسافة وراء مؤشر ستاندرد آند بورز للسلع في “جولدمان ساكس” الحساس للطاقة، والذي سجل عائدات بنسبة وصلت إلى 12% حتى الآن. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام ونصف العام نتيجة للمخاوف المتعلقة بالإمدادات ذات الصلة بفنزويلا وإيران.
وخلال الأسبوع الماضي، لم يكن النفط الخام والمنتجات المصدر الرئيسي للمكاسب. وبدلاً من ذلك، وجد قطاع الحبوب والغاز الطبيعي الدعم من الطقس الحار الذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية. ويأتي ذلك مع دور زيادة الطلب على الغاز الطبيعي من محطات توليد الطاقة لتلبية الطلب المتزايد على التبريد في الظروف المناخية الجافة التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية وحول العالم، في تغذية المخاوف بشأن انخفاض إنتاج المحاصيل هذا العام.
وانتعشت أسعار المعادن الثمينة بعد أسابيع قليلة من الرياح المعاكسة الناجمة عن ارتفاع العائدات وأسعار الدولار. ووفر التركيز الجيوسياسي دعما متجددا بعد إقدام الرئيس ترامب على إلغاء اجتماعه المرتقب مع رئيس كوريا الشمالية كيم جون أون. وحصلت أسعار الذهب على الدعم نتيجة عمليات البيع المكثفة في عملات الأسواق الناشئة، ليس أقلها تركيا، إلى جانب التطورات السياسية في إيطاليا وإسبانيا.
وفي الآونة الأخيرة، وضعت المعادن الثمينة بقيادة الذهب في مرمى نيران الأسعار المتصاعدة للدولار وارتفاع عائدات السندات الأميركية المستحقة بعد 10 سنوات عبر المستوى النفسي 3%. وبعد انخفاضها إلى أقل من 1300 دولار للأونصة في 15 مايو، نجحت أسعار الذهب منذ ذلك الحين في العثور على الدعم عند 1386 دولارا للأونصة، والذي يعد بدوره مستوى دعم فني رئيسي. وحظيت العودة إلى الأمان النسبي فوق 1300 دولار للأونصة بالدعم عبر التركيز المتجدد على التطورات الجيوسياسية. وبالرغم من احتمال ارتفاع معدلات التضخم، تؤكد لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية أنها ليست في عجلة من أمرها لرفع معدلات الفائدة بقوة أكبر.
وفي مواجهة التوقعات بتدهور الأسعار على المدى القصير، خفضت صناديق التحوط، والتي تتسم عادة بحساسية أكبر للتغييرات السلبية في الأسعار قياساً بالمستثمرين على المدى الطويل، من رهانات العقود الآجلة المضاربة على الارتفاع إلى أدنى مستوياتها منذ عشرة أشهر عند 31,000 لوت، وهو أقل بكثير من متوسط السنوات الخمس الذي يبلغ 105,000 لوت. وفي هذه الأثناء، أظهر المستثمرون على المدى الطويل، ممن يستخدمون الأموال المتداولة في البورصة، قدراً كبيراً من المرونة.
وطوال فترة الضعف الأخيرة، حافظ هؤلاء المستثمرون على مستوى إجمالي يقترب من أعلى مستوياته خلال خمس سنوات. ويؤكد ذلك على وجهة نظرنا في ضرورة أن تتفاعل الصناديق مع التطورات التي تشهدها الأسعار على المدى القصير، فيما يمكن اعتبار الانكشاف المحدود الذي نشهده الآن بمثابة المحرك الذي يقود أسعار الذهب نحو الارتفاع بمجرد تحسن النظرة الفنية بما يكفي لضمان حصول المشترين على العائدات.
ونجح الذهب في الاستقرار والارتفاع بعد عثوره على الدعم عند مستوى شديد الأهمية 1286 دولارا للأونصة. ومن المرجح أن تسهم العودة إلى فوق 1300 دولار للأونصة، والإغلاق الأسبوعي فوق 1307 دولارات للأونصة، في تمهيد الطريق لمتوسط حسابي متحرك على مدى 200 يوم نحو تحقيق مكاسب إضافية.
بدأ ارتفاع أسعار النفط الخام، والناجم عن قرار ترامب الشهر الماضي بالانسحاب من طرف واحد من الاتفاقية النووية مع إيران، بفقدان زخمه. ويأتي ذلك بعد أن وصلت أسعار النفط الخام إلى 80 دولارا للبرميل لتجد الدعم عندها، وهو مستوى لم نشهده منذ أواخر عام 2014. وفي مواجهة ازدياد قلق المستهلكين بشأن الارتفاع السريع في الأشهر الأخيرة، بدأت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا بالحديث عن التراجع عن بعض تخفيضات الإنتاج التي نجحت خلال العام الماضي في دعم إعادة التوازن إلى سوق النفط العالمية.
وأصبحت الحاجة لتوفير براميل إضافية للحفاظ على استقرار السوق أكثر وضوحاً مع الانخفاض المستمر في إنتاج فنزويلا، والأثر المستقبلي المبهم حتى الآن للعقوبات الأمريكية على قدرة إيران على التصدير.
وتتسارع وتيرة انخفاض إنتاج النفط في فنزويلا؛ وفي أعقاب الانتخابات الصورية التي جرت الأسبوع الماضي ونجح مادور عبرها من استعادة قوته، تبدو النظرة المستقبلية للبلاد سيئة للغاية. وستؤدي إضافة مزيد من العقوبات الأميركية إلى مخاطر من انخفاض مستوى الإنتاج إلى مليون برميل يومياً، قياسا بـ 1.5 مليون حالياً.
وتراجعت الصادرات النفطية الإيرانية بواقع أكثر من 1 مليون برميل عندما تعرضت للعقوبات في عام 2012. وبدون دعم أوروبا وروسيا والصين، ثمة صعوبة في تحديد تأثير العقوبات الجديدة التي فرضها ترامب وستدخل حيز التنفيذ قبل نهاية العام الحالي. وفي ضوء أن “أصدقاء” أميركا من أوروبا إلى اليابان وكوريا الجنوبية يشترون حالياً حوالي ثلث الصادرات الإيرانية، تبدو بعض التأثيرات على العرض العالمي أمراً لا مفرّ منه.
وعلى هذا الأساس، يرجح أن تتدخل أوبك وروسيا اللتان حافظتا على معدل إنتاج يومي يبلغ 1.7 مليون برميل بعيداً عن السوق منذ مطلع عام 2017، وفي وقت أقرب مما هو متوقع لتحقيق استقرار السوق ومنع الأسعار من الارتفاع إلى مستويات يبدأ فيها الطلب العالمي بالتأثر سلبا. وفي البداية، يمكن أن يكون القرار الأقل إثارة للجدل هو قيام المجموعة برفع الإنتاج بنحو يتراوح بين 300 ـ 500 ألف برميل يومياً لمواجهة العجز من فنزويلا، وبالتالي إعادة الامتثال إلى 100% من +150% التي شهدناها خلال الأشهر القليلة الماضية.
وسيتجه التركيز على المدى القصير نحو اجتماع أوبك في فيينا المقرر بتاريخ 22 يونيو المقبل. وستجتمع المنظمة في اليوم التالي مع مجموعة الدول غير الأعضاء في أوبك، وخاصة روسيا، والتي دعمت وضع سقف للإنتاج.
وتعتبر الأفعال أكثر أهمية من التصريحات، وهو السلوك الذي انتهجته صناديق التحوط خلال الأسابيع الأربعة الماضية. ومنذ إعلان ترامب الخاص بالاتفاق النووي مع إيران، نشطت صناديق التحوط ومديرو المال في البيع بوتيرة متصاعدة مما أدى إلى انقطاع ما كان قبل عدة أشهر مضت سجلاً قياسياً طويلاً في أسعار خامي برنت وغرب تكساس الوسيط. وفي الأسبوع المنتهي بتاريخ 15 مايو، انخفض صافي الربح الإجمالي إلى أدنى مستوياته منذ خمسة أشهر عند أقل من مليون لوت.
وعزز سلوك الأسعار في الأسبوع الماضي من الاعتقاد بأن زخم ارتفاع أسعار النفط الخام بدأ بالنفاد، حتى الآن على الأقل، وهو بحاجة لمزيد من التعزيز. ومنيت محاولتان متتاليتان لدفع أسعار خام برنت فوق عتبة 80 دولار للبرميل، بفشل مثير للدهشة مع ظهور البائعين. وساهمت الأخبار بشأن اقتراح المملكة العربية السعودية وروسيا تخفيف تخفيضات الإنتاج في إضافة مزيد من الشعور بتحول التركيز في الوقت الحالي نحو نقطة توحيد.
ومن وجهة نظر فنية، يبدو خام برنت حالياً في وضع متماسك أكثر من تصحيحه. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي التراجع إلى ما دون 75.40 دولار للبرميل إلى تغيير هذا التصور، والمساعدة في استقطاب مزيد من التصفية على المدى الطويل.
أولي هانسن
رئيس استراتيجية السلع في “ساكسو بنك”
مواضيع: