تحيز مسكوت عنه ضد المرأة في مجال الرعاية الصحية

  31 ماي 2018    قرأ 1272
تحيز مسكوت عنه ضد المرأة في مجال الرعاية الصحية

النساء في أقسام الطوارئ لا يحظين بنفس القدر من الاهتمام الذي يحظى به الرجال، وهذا يتجلى في طول فترات انتظارهن، وانخفاض احتمالات حصولهن على مسكنات آلام فعالة مقارنة بنظرائهن من الرجال. "بي بي سي فيوتشر" تجري هذا التحقيق في إطار سلسلة من التقارير عن أوجه التفاوت في تقديم الرعاية الصحية.

 

في عام 2009، قال لي الطبيب أنني أبالغ، كشأن "الكثيرات من النساء" في وصفي للأعراض، وإنني لا أعاني من أي شيء، ونصحني بتجاهلها وأخذ قسط من الراحة.

لكن قرار الطبيب بدا متعارضا مع حالتي المرضية كما يكشف عنها سجلي الطبي. فمنذ أسابيع قليلة، داهمتني آلام في الصدر، ووصل معدل نبضات قلبي إلى 220 دقة في الدقيقة، وانتهى بي المطاف في قسم الطوارئ بالمستشفى. وقال لي الأطباء في القسم إنني أعاني من نوبة فزع، ووصفوا لي "زاناكس" ونصحوني بأن أحاول أن أنام.

إلا أنني أصبت من قبل بنوبات الفزع وأعرف أعراضها، وأدرك أن هذه النوبة تختلف عن نوبات الفزع. ولهذا توجهت إلى طبيبي المعالج، الذي وضعني على جهاز لتسجيل نبضات القلب طوال الليل، وتكررت النوبة، وهذه المرة سجلها الجهاز. ورغم ذلك، غادرت العيادة وأنا أعتقد أنها ربما كانت أعراض جانبية للقلق، وأخذت بنصيحته وحاولت أن أتجاهل الألم.

إلا أن هذه النوبة أخذت تتكرر. في البداية كانت تحدث كل شهر، ثم أصبحت تعاودني مرة كل أسبوع. وعلى مدار السنوات التسع اللاحقة، كنت كلما أشتكي منها للأطباء، يقولون لي إنها مجرد نوبات فزع أو إنني أعاني من القلق، أو إن النساء لا يشعرن بألم القلب على هذا النحو، أو إنني ربما اختلط علي الأمر.

لكن الكثير من النساء غيري عانين من نفس التجربة، مثل آبي نورمان، مؤلفة كتاب "اسألني عن مشاكل رحمي"، التي طالت رحلة بحثها عن علاج لآلامها، إلى أن اكتشفت في النهاية أنها مصابة بمرض "الانتباذ البطاني الرحمي" أو بطانة الرحم المهاجرة، الذي يسبب أعراضا مؤلمة كنتيجة لنمو نسيج بطانة الرحم على أعضاء أخرى من الجسم خارج الرحم.

وشخّص الكثير من الأطباء حالتها بأنها التهاب المسالك البولية، لكن الأمر اختلف عندما ذهب معها صديقها إلى الطبيب وحكى عن آلامها. وكتبت نورمان أنها عانت أيضا عندما شخص أحد الأطباء آلامها بأنها التهاب الزائدة الدودية، وقال لها آخر إن هذه الأعراض ناتجة عن تعرضها لانتهاك جنسي في سنوات الطفولة، على الرغم من أنها أكدت أن هذا لم يحدث قط.

وتدل جميع الشواهد المستقاة من البحث الأكاديمي ومن اللقاءات مع المرضى على أن الأطباء قد دأبوا على الاستخفاف بآلام النساء، إلا أنه لم يكن من السهل تحديد ما إن كان هذا الاتجاه المقلق في الساحة الطبية سببه التحيز ضد المرأة أم نقص الأبحاث الطبية عن مشاكل المرأة، أم الاختلاف في الطريقة التي يصف بها الرجال والنساء آلامهم.

وكل ما نعرفه هو أن الأطباء لا يتعاملون مع آلام المرأة بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع آلام الرجل. وقد أشارت إحدى الدراسات على سبيل المثال، إلى أن فرص النساء اللائي يعانين من آلام مبرحة في الحصول على مسكنات آلام أفيونية (تحتوي على مشتقات الأفيون) في أقسام الطوارئ أقل من فرص نظرائهن من الرجال. وإذا صرفها الأطباء، تنتظر النساء لوقت أطول حتى تحصل عليها.

اقرأ أيضا: هل يتعامل المجتمع مع مشكلة البدانة بشكل خاطئ؟
وأشارت دراسة أخرى إلى أن الأطباء في أقسام الطوارئ لا يهتمون بشكاوى وأوجاع المرأة قدر اهتمامهم بشكاوى الرجال. وخلصت دراسة أخرى أجريت في السويد في عام 2014، إلى أن المريضات في قسم الطوارئ والحوادث ينتظرن لفترات أطول، ونادرا ما تصنف حالاتهن في قسم الطوارئ كحالات حرجة.

وقد يؤدي ذلك إلى عواقب مميتة، ففي مايو/أيار من العام الحالي، اتصلت مريضة في بداية العشرينيات بخدمات الطوارئ، وقالت إن الألم يعتصر بطنها إلى درجة أنها تشعر أنها "ستموت"، ورد عليها موظف الطوارئ قائلا: "بالتأكيد ستموتين يوما ما كما سيموت الجميع".

وعندما نُقلت إلى المستشفى، أصيبت بسكتة قلبية بعد خمس ساعات من الانتظار، وماتت إثر فشل عدد من أعضاء الجسم في وظائفها.

تقول إيثر تشين، طبيبة الطوارئ بمستشفى زوكربيرغ سان فرانسيسكو العام، إن التفرقة في المعاملة بين الرجال والنساء في أقسام الطوارئ أصبحت ظاهرة متفشية وراسخة.

وتضيف تشين: "لكن من الصعب معرفة ما إن كان مرد هذه التفرقة التحيز الخفي، الذي قد نعاني منه جميعا، أم الطريقة التي نحكم بها على النساء بناء على اختلاف طبيعة الأمراض التي تصيبهن".

وركزت دارسة تشين، على سبيل المثال، على المغص، ورأت أن الأطباء في قسم الطوارئ يفترضون في الغالب أن آلام البطن الحادة التي تصيب النساء سببها أمراض نسائية، والتي يرى الكثير من الأطباء أنها لا تستدعي وصف مسكنات أفيونية على عكس الأمراض الأخرى التي تتطلب تدخلا جراحيا.

غير أن الأطباء ينزعون إلى صرف أدوية مضادة للقلق للنساء عندما يشتكين من الأوجاع في المستشفى، أكثر مما يصرفونها للرجال. وفي كثير من الأحيان، لا يكترث مقدمو الرعاية الصحية لشكاوى النساء، ويشخصون أوجاعهن على أنها نفسية المنشأ.

تقول كريستين فيسلي، واحدة من مؤسسي جمعية أبحاث الآلام المزمنة: "في الوقت الذي يخضع فيه الرجال للفحوصات والتحاليل لاستبعاد الأسباب العضوية، فإن الأطباء كثيرا ما يحيلون النساء إلى أطباء نفسانيين".

اقرأ أيضا: هل تؤثر البدانة على العقل مثل الجسم؟
واطلعت فيسلي بنفسها على مجموعة من النصائح الطبية الصادمة، من خلال توليها منصب مديرة تنفيذية لـ "الجمعية الوطنية لمرض فولفودينيا" (أي آلام المهبل المزمنة).

وتقول فيسلي: "حكت لي بعض النساء عن نصائح أطباء مؤسفة، إذ قال أحد الأطباء لمريضة تشتكي من آلام مبرحة إنها ربما تعاني من مشاكل زوجية، وربما لو شربت كأسا من الخمر قبل الجماع، ستتحسن حالتها. والقائمة تطول".

وربما يكون هذا الاستخفاف مرجعه الافتراض الشائع أن النساء أقل تحملا للمشاكل الصحية من الرجال، إذ انتهت دراسة في المملكة المتحدة إلى أن معدل زيارة الرجال للأطباء أقل بنسبة 32 في المئة مقارنة بالنساء.

لكن ثمة أدلة أخرى تتعارض مع هذا الافتراض، إذ خلص تحليل لعدة دراسات أجريت على آلام الظهر والرأس، إلى أن الرجال والنساء يراجعون الأطباء بنفس المعدل، وكتب الباحثون أن الأدلة التي تشير إلى أن النساء أسرع في اللجوء إلى الطبيب مقارنة بالرجال "ضعيفة ومتضاربة".

لكن كارين سيبرت، رئيسة مجتمع أطباء التخدير بكاليفورنيا، تقول إن باحثين وأطباء يشيرون إلى أن الدراسات التي أُجريت منذ عام 1972 وحتى 2003، تثبت أن المرأة أقل تحملا للآلام من الرجل، وربما يرجع ذلك إلى التأثر بالقوالب النمطية للجنسين في المجتمع، وهذا ما يشجع الرجل على تحمل الألم أكثر من المرأة.

وخلصت دراسات إلى أن النساء لديهن سمات فطرية تشبه أعراض القلق، وأنهن أكثر عرضة لإدمان الأفيون.

وتقول سيبرت إن هذه العوامل هي التي ربما تحمل الأطباء على إعطاء النساء مضادات القلق قبل المضي في صرف المسكنات. وتضيف: "تقل قدرة المرء على تحمل الألم عندما يعتريه القلق. لذا، قد يكون من الأفضل تهدئة روعه أولا، ثم النظر في مدى احتياجه للمسكنات".

وتقول نيكول وويتويتش، مديرة التوعية بالعلوم والتربية بمعهد صحة المرأة، إن هرمون الإستروجين لدى المرأة يؤثر أيضا على إحساسها بالألم واستجابتها للمسكنات.

وتضيف أن هذه الاختلافات بين الجنسين في الشعور بالألم تحتم على الأطباء اتباع طرق مختلفة في التعامل مع الرجال والنساء لتطوير أساليب علاج تناسب كل مريض على حدة.

هيمنة الرجال على الدراسات
قبل إنشاء مكتب أبحاث صحة المرأة التابع للمعهد الوطني للصحة في عام 1990، كانت التجارب والفحوصات في الولايات المتحدة تركز على الرجال، وكان يشرف في الغالب على هذه التجارب رجال أيضا. وفي أوروبا، كما في كندا والمملكة المتحدة، كان نصيب المرأة في الدراسات الإهمال.

وترتب على ذلك وجود عدد هائل من الأدلة الطبية، بما فيها دراسات معملية عن الآلام، وكلها معروضة من منظور ذكوري بالدرجة الأولى.

وتقول نورمان: "إذا كان أغلب من يكتبون تاريخ المرض رجالا ويصفون حالات الرجال، ستصبح تجارب الرجال مع المرض هي المعيار الذي يحتكم إليه عند ظهور المرض مستقبلا".

اقرأ أيضا: دراسة: البدانة تهدد قلبك وإن كنت لائقا صحيا
وفي عام 2015، وضع المعهد الوطني للصحة سياسة جديدة تشترط على الباحثين في المجال الطبي وضع المتغيرات البيولوجية للجنسين في الاعتبار. وقد أصبح الحصول على منحة من المعهد مرهونا بإجراء البحوث على الذكور والإناث.

وفي عام 2017، أعلن المعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة (نايس) في بريطانيا في توجيهاته الجديدة أنه يتعين على هيئة الرعاية الصحية "الإنصات للمرأة"، وإن كان الغرض منها تعجيل تشخيص مرض بطانة الرحم المهاجرة.

وفي مطلع الألفية الثالثة، وضعت كندا وأوروبا سياسات مشابهة. لكن كل هذه التوجيهات والنصائح لا ترقى إلى مستوى القوانين أو الاشتراطات الملزمة للباحثين. فضلا عن أنها لن تقضي على التحيزات المتأصلة لدى العاملين في مجال الرعاية الطبية ضد آلام المرأة.

أما عن التأخير في علاج نوبات القلب التي تداهمني من آن لآخر، فتقول لويز بايلوت من المركز الصحي بجامعة ماكغيل بمقاطعة كيبيك، إن ثمة أدلة تشير إلى أن الأمراض القلبية أقل شيوعا لدى النساء منها لدى الرجال، وتظهر لدى النساء في مراحل متقدمة من العمر. ولهذا، كثيرا ما يركز أطباء القلب على الأعراض الأخرى التي تشتكي منها المرأة غير آلام الصدر.

لذا، عندما شكوت للطبيب من ضيق التنفس والدوخة والدوار، بسبب ألم الصدر والخفقان، افترض على الفور أنني أعاني من القلق.

وفي يناير/كانون الثاني زرت طبيبة قلب، واستمعت لشكاتي، ولم تشخص ألامي بأنها أحد الأثار الجانبية للقلق. وعدت مرة أخرى إلى جهاز مراقبة نبضات القلب، وفي مارس/آذار خضعت لعملية جراحية.

ربما أكون قد انتظرت لنحو عشر سنوات للحصول على العلاج الصحيح لأن أمراض القلب أقل شيوعا لدى النساء، أو لأن الأعراض التي كنت أصفها للطبيب تتطابق مع أعراض القلق كما وردت في كتب الطب، أو ربما بسبب الافتراض السائد بأن النساء أقل تحملا للألم ويكثرن الشكاية في الغالب دون وجود أسباب عضوية.

على الرغم من أنني لا يمكنني الجزم بأن علاجي قد تأخر لأسباب وثيقة الصلة بالتحيزات والافتراضات المسبقة عن المرأة، لكن كل الأدلة تؤكد لي أن الطريق أمامنا طويل لفهم المرأة وأوجاعها فهما شاملا.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة