اتفاق بروكسل هل ينهي مشكلة "قوارب الموت"؟ (مقال تحليلي)

  02 يوليو 2018    قرأ 1796
اتفاق بروكسل هل ينهي مشكلة "قوارب الموت"؟ (مقال تحليلي)

تحليل حول اتفاق بروكسل بشأن قضية الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، وهل سينجح في وقف تدفق موجات جماعية جديدة من المهاجرين، والتصدي لشبكات التهريب انطلاقًا من ليبيا وأي مكان آخر

يغرق العشرات والمئات بحثًا عن حياة أفضل، وهربًا من حياة البؤس التي تعيشها البلدان الفقيرة في قارتي آسيا، وإفريقيا. 

لم تثنهم مخاطر الموت غرقًا، والاحتجاز القسري في معسكرات الإيواء عن المحاولة لبلوغ هدفهم في الوصول إلى الدول الأوروبية؛ انطلاقًا من ممرات الهجرة عبر السواحل الليبية. 

وتفضل شبكات التهريب السواحل الليبية غرب البلاد، لقربها نسبيًا من الجزر الإيطالية، المحطة التالية للمهاجرين إلى الدول الأوروبية؛ إذ يحاول المئات منهم العبور إلى الضفة الأخرى في تحدٍ لخفر السواحل الإيطاليين، وللسلطات الليبية المشغولة بالصراعات الداخلية. 

زاد الاهتمام الدولي بظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية بعد تفشيها في أعقاب إسقاط النظام الليبي عام 2011، واستمرار الحرب الأهلية دون حل سياسي يتفق عليه الفرقاء حتى اليوم. 

بعد مفاوضات طويلة وشاقة في بروكسل، توصل قادة الاتحاد الأوروبي فجر 29 يونيو/حزيران الماضي لاتفاق حول قضية الهجرة، يقضي بإمكانية إقامة مراكز استقبال للمهاجرين على أراضي دول أعضاء بشكل طوعي، مع التشديد على التصدي للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. 

وينص الاتفاق على إمكانية أن تقيم أي من الدول الأعضاء في الاتحاد، وبشكل طوعي على أراضيها مراكز استقبال للمهاجرين الذين يجري إنقاذهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وعدم السماح مجددًا بتدفق موجات جماعية جديدة على غرار ما حدث عام 2015، مع التأكيد على تكثيف عمليات التصدي لشبكات التهريب انطلاقًا من ليبيا، وأي مكان آخر. 

كما يشمل التنفيذ الكامل للاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وصرف الدفعة الثانية من تمويل بقيمة ثلاثة مليارات يورو للاجئين السوريين في تركيا. 

وحاولت حكومة "الوفاق الوطني" الليبية، المعترف بها من الأمم المتحدة، بذل ما يكفي من الجهود، لوقف موجات الهجرة غير الشرعية بمساعدة من الدول الأوروبية التي يهمها الحد منها، لقطع الطريق أمام تيارات اليمين "المتطرف" الذي يحاول استغلالها لحسابات انتخابية. 

وبعد زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق"، فايز السراج، إلى النيجر في الثالث من يناير/كانون الثاني 2018، لبحث ملف الهجرة غير الشرعية، استقبل وزير الخارجية الليبي في العاصمة الليبية طرابلس مسؤولين من دولتي النيجر والكونغو، أعلن بعدها عن مباحثات "على مستوى عالٍ حول سبل إعادة المهاجرين غير الشرعيين الموجودين في مراكز الإيواء الليبية إلى بلدانهم الأصلية"، في إشارة على ما يبدو إلى مباحثات السراج في النيجر. 

وسبق أن وقعت حكومة السراج مع الحكومة الإيطالية إطارًا لمذكرة تفاهم في فبراير/شباط 2017، لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا عبر السواحل الليبية من خلال تعزيز القدرات التقنية والمادية لحرس السواحل الليبية، لاعتراض المهاجرين المغادرين من ليبيا، وإعادتهم إلى معسكرات الإيواء في الداخل الليبي. 

وازدادت الأوضاع المعيشية للمهاجرين في معسكرات الإيواء بالداخل الليبي سوءًا بعد الاتفاق الثنائي بين الحكومة الليبية والاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز 2017، الذي بموجبه تتعهد الحكومة الليبية بمنع مغادرة قوارب الهجرة غير الشرعية باتجاه إيطاليا. 

وبحسب متطوعين في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يعملون في معسكرات الإيواء الليبية، فإن المهاجرين، وفقًا لوسائل إعلام، يعيشون ظروفًا إنسانية بالغة السوء منذ الاتفاق الليبي مع الاتحاد الأوروبي، كما يتعرّضون إلى التعذيب النفسي والجسدي أيضًا على يد "جماعات مسلحة تحاول الحصول على المزيد من الأموال من المهاجرين وتحتجزهم لفترات أطول". 

على مدار السنوات السبع، التي أعقبت سقوط نظام (الزعيم الليبي الراحل معمر) القذافي، باتت مكافحة الهجرة غير الشرعية من أولويات السياسات الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي الذي أنفقت دوله الأعضاء عشرات المليارات، لتحقق انخفاضًا إجماليًا بنسبة بلغت، وفقًا لإحصائيات رسمية لوزارة الداخلية الإيطالية، 34.27% بنهاية عام 2017 قياسًا إلى الفترة نفسها من عام 2016. 

ويفِدُ إلى إيطاليا وحدها ما لا يقل عن عشرة آلاف من المهاجرين غير الشرعيين؛ انطلاقًا من السواحل الليبية، وفقًا لتقديرات منظمات دولية معنية بالهجرة. 

تُشير تقديرات منشورة، إلى أن ما لا يقل عن 700 من المهاجرين لا يزالون على الأراضي الليبية خلال هذا العام. 

وتقدر إحصائيات أعلنتها الشرطة الجنائية الدولية منتصف عام 2016، أن نحو 800 ألف شخص ينتظرون دورهم على السواحل الليبية للفوز بفرصة الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر قوارب مطاطية بات يطلق عليها "قوارب الموت". 

ووفقًا لتقرير وكالة "رويترز" في 27 فبراير/شباط 2017، فإن شبكات التهريب نجحت في إرسال أكثر من 160 ألف مهاجر إلى إيطاليا فقط في عام 2016؛ غرق منهم أكثر من 4500 شخص في البحر الأبيض المتوسط. 

وهناك أكثر من 33 مركزًا في طرابلس، ومصراتة بقدرات استيعابية متنوعة لاحتجاز وإيواء المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى 24 مركزًا لاحتجاز اللاجئين تحت إدارة هيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية. 

وبحسب موقع "مهاجر نيوز"، فإن أعداد القادمين إلى إيطاليا، ومعظمهم من ليبيا، عن طريق البحر انخفضت بنسبة 74% في الربع الأول من العام الحالي 2018؛ مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017. 

ووصل، وفقًا للداخلية الإيطالية، 13 ألف و430 مهاجرًا إلى الشواطئ الإيطالية خلال الفترة بين الأول من يناير/كانون الثاني، والأول من يونيو/حزيران 2018، ويمثل هذا الرقم انخفاضًا بنسبة تصل إلى 77.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي التي بلغت فيها أعدادهم نحو 60 ألف و222 مهاجرًا وصلوا فعلًا إلى الشواطئ الإيطالية. 

وتشير إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا إلى أنه ما بين الأول من يناير/كانون الثاني، ونهاية أيار/مايو من هذا العام، تم إنقاذ ما يزيد على 6 آلاف و835 مهاجرًا في حوادث بحرية متفرقة، وإعادتهم إلى السواحل الليبية مستندة في ذلك إلى حرس السواحل وأمن الساحل، والهلال الأحمر الليبي، ومنظمات محلية أخرى؛ واعتبارًا من 13 يونيو/حزيران حتى نهاية الشهر تم إنقاذ 7 آلاف و114 من المهاجرين. 

وذكرت المنظمة في إحصاء سابق أن أكثر من 3 آلاف مهاجر اختفوا في عرض البحر الأبيض المتوسط منذ بداية عام 2017، بينما نجح في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية نحو 171 ألف مهاجر، النسبة الأكبر منهم وصلوا إلى إيطاليا بأعداد تصل إلى 119 ألفًا. 

وتقول المنظمة التابعة للأمم المتحدة في آخر إحصائيات منشورة، إن أكثر من 850 مهاجرًا لقوا مصرعهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط منذ بداية عام 2018؛ في مقابل 2100 خلال نفس الفترة من العام الماضي؛ وتقدر الوكالة أن أكثر من 40 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا منذ بداية عام 2018 مقارنة مع أكثر من 80 ألفًا خلال نفس الفترة من عام 2017. 

من بين حلول تشير إليها منظمات، ومراكز أبحاث معنية بأزمة الهجرة غير الشرعية، تأتي مسالة إنشاء منظمة دولية متخصصة بهذا الشأن، ووضع خطط بعيدة المدى لتحسين الأوضاع المعيشية في البلدان التي تتدفق منها النسبة الأكبر من المهاجرين إلى جانب العمل ضمن المجتمع الدولي للحد من الحروب الأهلية، والصراعات المسلحة والضغط على الحكومات القمعية لتخفيف إجراءاتها ضد السكان.ويبقى السؤال: هل ينهي اتفاق بروكسل أزمة المهاجرين غير الشرعيين؟


مواضيع:


الأخبار الأخيرة