العرس الأذري --حقائق اجتماعية

  17 أغسطس 2017    قرأ 6343
العرس الأذري --حقائق اجتماعية
يعتبر شعب أذربيجان من الناحية الإثنية جزءا من الشعوب التركية التي استوطنت سواحل بحر الخزر(قزوين) منذ آلاف السنين، وقد جاءت تسمية أذربيجان من اسم بحر الخزر حيث تم تحريف خفيف في الكلمة فتحولت من "خزر" إلى "أذر" مع مرور الزمن.وبما أن شعب أذربيجان ينتمي إلى الشعوب التركية، فإن العادات والتقاليد عنده تكاد تكون في منظوره الاجتماعي من الأمور المقدسة. صحيح أن شعب أذربيجان قد تأثر سلباً في بعض تقاليده وعاداته إبان فترة الحكم الشيوعي السوفيتي، ومع ذلك فسرعان ما عاد إلى تقاليده المتوارثة من الأجداد، في أعقاب حصوله على استقلاله في عام 1991م.


واليوم تمثل عادات الزواج عند شعب أذربيجان نوعاً من الأفراح التي تستمر فترة طويلة، دون أن تشكل أي ضغوط وأعباء مادية على أحد كما هو الحال في الشرق الإسلامي، فلا العريس يتعرض لمشكلة أو ضائقة مادية، ولا أهل العروس يقعون تحت طائلة من الضغوط المالية. ذلك أن الأهل من الطرفين يقدمون هدايا نقدية وعيّنية لمساعدة العروسين، فضلا عن أن أهل العروس عادة لا يشترطون الكثير على العريس، ويكتفون بالرضا والحب بين الطرفين، مبتغين من وراء ذلك بناء عائلة سليمة.عندما تهب رياح الغرب!غير أن رهطاً كبيراً من الناس هنا بدءوا في التخوّف من الانفتاح الجديد على العالم، وسياسة السوق المفتوح التي بدأت في عام 1992، حيث من المتوقع ظهور تأثيرات سلبية، وارتباطا بالماديات بشكل لم يكن معروفا عندهم من ذي قبل، مما يعني تعثر مشاريع الزواج أمام المطالب المادية التي بدأت الفتيات بالحديث عنها مؤخراً، وهنا لا يخفى الدور الخطير الذي تلعبه في هذا المجال برامج محطات التلفزيون التركي، وعددها 4 محطات تبث برامجها عبر الإرسال التلفزيوني العادي(UHF) بالإضافة لأكثر من 15 محطة تبث برامجها على مدار الساعة يومياً عن طريق الأقمار الاصطناعية.الزواج في المدينةلا ريب أن العيش في المدن له طابع يختلف إلى حد ما عن شكل الحياة في الريف أو المراكز السكنية الصغيرة. صحيح أن وسائل الاتصالات الحديثة والمتطورة قد قرّبت المسافات بين أركان المعمورة وليس البلد الواحد فحسب، وبالتالي أضحى هناك نوع من التقارب بين العادات في الريف والمدينة إلى حد ما، ومع ذلك تبقى عادات الزواج في المدن مختلفة بشكل أو بأخر عنها في الأرياف.وعند تناول عادات و طقوس الزواج في المدينة الآذرية، يجب علينا أن نتحدث عن عادات الزواج عند الأهالي الذين يعيشون في العاصمة "باكو"، باعتبارها المدينة الأهم في جمهورية أذربيجان. ففي "باكو" يتفق الشاب مع الفتاة (في المعهد أو الجامعة أو المصنع..الخ) على تبادل مشاعر الحب، وبعد التأكد من وجود روابط مشتركة، يفاتح الشاب أهله في رغبته بالزواج، فتقوم والدة الشاب أو شقيقته الكبرى بالذهاب إلى منزل الفتاة بعد الإخبار المسبق عبر الهاتف أو وسيط شخصي، وفي بعض الأحيان يتم إرسال خالة أو عمة الشاب.الخطف هو الحل !تلتقي السفيرة أو الوسيطة المرسلة من قبل الشاب مع والدة العروس وشقيقاتها،حيث يجلسن لتجاذب أطراف الحديث أثناء احتساء الشاي وتناول السّكريات، وفى الجلسة يتم عرض أمر أو رغبة الزواج، وتنفض الجلسة على وعد بإعطاء الرد هاتفياً، بعد عرض الأمر على والد (ولي أمر الفتاة). وفى حالة مرور أكثر من أسبوع على اللقاء بدون تلقي أي اتصال هاتفي من أهل الفتاة، فذلك يعني أن الطلب قد رفض، أمّا إذا حدث الاتصال الهاتفي خلال أسبوع يكون أمر الزواج قد بدأ يأخذ منحاه الطبيعي نحو التنفيذ.وهنا نذكر أن الرفض في المرة الأولى لا يعني أن يستسلم أهل الشاب للأمر الواقع، بلّ يحاولون أكثر من مرة استدرار موافقة أهل العروس، لعلهم يقتنعون أو يعبرون عن أسباب رفضهم، لكي يتم تلافيها ما أمكن من قبل أهل العريس، وفى كثير من الأحيان،كما تقول السيدة "تيرانا ميرزا أوغلوا" (ربة منزل) إذا كانت وشائج الحب قد امتدت بين الفتى والفتاة، فإن ذوي الشاب يشجعون فتاهم على خطف الفتاة للزواج منها رغم أنف أهلها.بيّنما ترى السيدة نزاجات إبراهيموفا أنه: "بعد تدهور الأحوال الاقتصادية وانتشار البطالة في السنوات الأخيرة، لم يعد أهل الفتاة يهتمون كثيرا بمسألة خطف ابنتهم إذا وقعت، لأنهم يرون في ذلك فرصة ذهبية للتخلّص من مصاريف وتجهيز العروس على رغم قلتها.وإذا تم خطف الفتاة، وهذا أمر يتم بالاتفاق معها وليس رغماً عنها، تذهب إلى منزل أهل العريس وتبقى هناك لفترة زمنية،فإذا تراجع أهلها وقبلوا معالجة الأمر بالتي هي أحسن تم الزواج، ولكن في استمرارهم في تعنتهم فإن ذلك يعني أنهم قد تخلّوا عن ابنتهم وليس لديهم أي رغبة في معالجة أمر خطفها". عندئذ يقوم أهل العريس بعقد مراسم الزواج ويرسلون لأهل العروس الدعاوى وبعض الوسطاء، فإذا حضروا العرس كان ذلك أمراً مبشراً بالصلح والسلام، وإذا أبوا الحضور أكملت مراسم الزواج. وفى العادة كما تقول السيدة روزا خليلوفا (من أهالي باكو) يوافق أهل العروس ولا يلجؤون إلى الشرطة بأي حال من الأحوال خوفاً على سمعتهم ودرءاً للفضيحة، ويدخلون في مفاوضات الصلح ، لأن العادة عندنا (تضيف السيدة روزا) هي عدم قبول الزواج من فتاة سبق وخطفت من قبل أحد الشباب، حيث يكثر القيل والقال، ولا أحد ينظر أو يلتفت لسلامة موقف الفتاة بأي حال من الأحوال. وعلى العموم فإن عادة خطف الفتاة للزواج منها لا تقتصر على أذربيجان فهي منتشرة في دول آسيا الوسطى والقوقاز، وتعد جزءاً هاماً في موروثهم الثقافي وتكوينهم الاجتماعي. شاي السكر الناعم!أمّا قبول أهل العروس بالفتى، فيعنى السماح لأهل العريس (والده وعمه أو خاله)بالحضور لشرب الشاي (المشروب الأساسي عند الضيافة) والحديث في أمر الزواج، وبعد الفراغ من جلسة شرب الشاي والتعارف المبدئي، يعرض ولي أمر الفتى(والده أو خاله أو عمه أو شقيقه الأكبر) طلب الزواج من الابنة ويسميها أي يحدد اسمهما منعاً للخلط بين شقيقاتها، ومع انتهاء الجلسة يطلب والد العروس مهلة لا تتجاوز شهراً، يقوم خلالها بتقصي أوضاع وأحوال عائلة العريس(أصلها وحسبها ونسبها). فإذا أطمئن والد العروس لوضع العريس وأهله، تم أخبارهم هاتفياً بالقبول والدعوة مجددا للجلوس وتناول الشاي وتحديد موعداً للخطوبة.وبعد ردح يسير من الزمن يذهب أهل العريس مرة أخرى لمنزل العروس، فيقدم لهم مشروب الشاي المحلى بالسكر الناعم، حيث أن من العادات عند أتراك القوقاز تقديم مشروب الشاي مصحوباً بقطع السٌكر، لكي يأخذ المرء ما يناسبه من قطع، غير أن تقديم السكر الناعم مع الشاي في هذه الجلسة يكون مبشراً بالقبول والرضا، ويسمى عند شعوب الآذر أو شعوب منطقة بحر قزوين بـ "شرين شاي" ويتناولون السكريات مع تجاذب أطراف الحديث، وفى ختام الجلسة يتم تحديد يوم الخطوبة، ومن عادات أهالي مدينة باكو أن يجعلوا يوم الخطبة في عيد النيروز (العيد الشعبي والقومي الأول عند شعوب القوقاز وآسيا الوسطى وإيران وشمال العراق وشرق تركيا) أو يتخذوا من يوم مولد العروس موعدا للخطبة.ولكي تجرى حفلة الخطوبة، يقوم العريس باستئجار صالة من صالات العرس والأفراح التي تسمى هنا بـ "شادليق سراي"ويتحمل العريس وأهله مصروفات ليلة الخطوبة، ويحضر العريس خاتم الزواج من الذهب(12 جراما)، وشَالاً من القماش الحرير(إيشارب)ومِرآة صغيرة بغية تقديمهم عربون محبة للعروس،أمّا خاتم العريس فهو على حسابه أيضا ومن الذهب (قليل جدا من الرجال الذين يقبلون خاتماً أو دبلة من الفضة)، حيث يتم ربط خواتم الزواج بشريط قماشي أحمر اللون ومن الحرير. فتقوم شقيقة العريس أو والده أو عمه بفك الشريط أو قصه بالمقص ويوضع الخاتم في بنصر العروس الأيسر ودبلة الزواج(حوالي 3 جرام من الذهب ) أو الخطوبة في اليد اليمنى للعريس، ويربط العريس "الإيشارب" الحرير على رأس عروسه ويقبلها في جبينها. وفيما يتعلق بالهدايا المصنوعة من الذهب (الشبكة كما يسميها المصريون) التي تقدم للعروس، فهي ليست من عادات الناس هنا، وهذه المسألة تترك لظروف العريس المادية وقدرته على الشراء، ولكن من الهدايا التي يجب على العريس أن يشتريها لعروسه هي ثوب أحمر ترتديه يوم الخطوبة، وبعد ارتداء خواتم الخطوبة يقدم كأس من الشمبانيا! ( يعتقد بأن هذه العادة المحرمة جاءت بتأثير فترة الحكم الروسي في أذربيجان) لكي يشرب منه العريس والعروس، وبعد إتمام مراسم الخطوبة يحق للعريس أن يتردد على منزل العروس وأن يخرج معها، ولكن فترة الخطوبة لا تستغرق وقتا طويلا في المجتمع الأذربيجاني، فعقد القران والزفاف يتم خلال في فترة وجيزة لا تتعدى شهراً أو شهرين على أكثر تقدير.زواج رسمي وشرعي!في البداية يذهب والد العريس لـ "سعادت سراي" (قصر السعادة) في العاصمة باكو، لكي يقوم بتسجيل بيانات العروسين في سجل الراغبين في الزواج ويحصل على موعد ليوم عقد القران، ولكن قبل الذهاب لعقد القران المدني(عبارة عن زواج يتم طبقا للقانون المدني،وبحضور الزوجين وشاهدين، ويجوز وتقبل شهادة المرأة) يذهب العروسان إلى أحد الجوامع مع بعض الأهل لعقد القران الشرعي، والذي يسميه الأهالي هنا بلغتهم "ديني نِكاح" باعتباره من العادات التي تعوّد عليها الأهالي خلال فترة الحكم الشيوعي السوفيتي، وكانت تتم سراً ويعقده شيخ من شيوخ الجوامع ويقدم وثيقة(غير رسمية) تفيد الزواج الشرعي والديني، والذي يتم الآن علنا وبدون خوف من الحكومة التي سمحت بهذا ولو ضمناً.حفل عقد القران يتم في نفس اليوم الذي عقد فيه الزواج الرسمي، وبعد أن يتم عقد النكاح الديني أيضاً، ومن العادات في باكو أن يجري حفل عقد القران في أحد صالات الأفراح، ويتم في وضح النهار لاسيما فترة العصر،وتكون تكاليفه على حساب أهل العروس، وتطبع بطاقات دعوة ورقية ترسل للأهل والأقارب للمشاركة في الحفل، حيث تقدم المشروبات والسكريات(الملبسات والشكولاته) وطعام الأرز المطبوخ،وهو طعام أساسي عند الاحتفالات. أمّا حفل الزفاف فيأتي بعد حفل عقد القران بفترة زمنية قصيرة قد لا تتعدى الأسبوع، وتكاليفه تكون على حساب العريس.سيارة بيضاء! وفى اليوم المحدد لحفل الزفاف تذهب العروس إلى صالون التجميل عند الصباح مع بعض الأقارب مع ملاحظة أن المصروفات الخاصة بالتجميل والزينة على حساب العريس، ثم تعود للمنزل برفقة والد العريس أو أقاربه، وهناك ترتدى الفستان الأبيض، ويأتي العريس ليأخذها في سيارة مزيّنة بالورود، والسيارة غالباً ما تكون باللون الأبيض حيث يذهب بها الى صالة الأفراح بعد أن يتجولا في شوارع المدينة (مع شيوع عادة استخدام أبواق السيارات بصوت مرتفع) وحتى العودة لمكان حفل العرس.وحفلات الزفاف تتم عادة في المساء، وفي أيام الجمع والسبت والأحد، وفي صالون الأفراح يقوم الأهل بتقديم هدايا نقدية للعريس، ويقف أحد المقربين منه لكي يسجل الأسماء وقيمة النقود المدفوعة، وفي ذلك تقول السيدة "روزا خليلوفا": لا يعنى تسجيل النقود وقيمتها أن يقوم العريس وأهله برد نفس القيمة النقدية للشخص في يوم عٌرسه أو عٌرس أقاربه،ولكن تسجيل الأسماء هنا يهدف إلى معرفة من حضر ومن لم يحضر للعرس.وفي ختام حفل الزفاف يأخذ العريس عروسه في سيارة ويذهب معهما أحد أقارب العريس وأحد أقارب العروس، حيث ينامون معهما في منزل الزوجية يوم الدخلة حتى صباح اليوم التالي. وتؤكد السيدة"شَرف علييفا" ( من سكان مدينة باكو ) أن الهدف من وجود أشخاص مع العروسين في ليلة الزفاف هو التدخل الفوري عند وقوع أي شيء غير طبيعي بين العروسين أو لتقديم المساعدة والنصح لهما عند الضرورة. الأشخاص المذكورون أنفسهم يقدمون تقريرا للأهل في صباح اليوم التالي حول الموقف ومدى انسجام الطرفين وتقاربهما من بعضهما البعض، وجرت العادة هنا أن يأتي الأهل في الصباح الباكر للمباركة والتهنئة، وغالبا ما يستخدمون كلمة "ابللغة" الآذرية التركية والتي تعني "بارك الله" للتعبير عن التهاني القلبية للعروسين، ويأكلون الأطعمة والحلويات التي جلبوها معهم، وبعد مرور 3 أيام تقام وليمة طعام في منزل الزوجية على حساب أهل العروس، وبعد مرور أسبوع من الزفاف يبدأ العروسان في تقبل دعوات الأهل لزيارتهم وتناول الأطعمة وأيضا قضاء يوم أو يومين، وتستمر الدعوات من أهل العروسين لضيافة الأزواج الجدد طوال شهر تقريباً.الزواج في الأريافلا تختلف عادات الزواج في الريف الأذربيجاني عن المدينة كثيراً، إلاّ من جهة مستوى الماديات والقدرة على المصروفات، لاسيما وأن أهالي الريف الآذري يعانون في هذه الأيام من مشاكل وصعوبات جمة بسبب انتشار البطالة، وهي مشكلة موجودة في المدن غير أن فرص كسب العيش أقل حدة فيها من الريف الفقير، وعدم توّفر فرص للعمل حتى الزراعي يرجع بسبب رئيسي إلى الانهيار المفاجئ لأجهزة الدولة في أعقاب انهيار دولة الاتحاد السوفيتي. وعن ذلك تحدثنا السيدةروزا خليلوفا(مدرسة في كلية اللغات الأجنبية بباكو) فتقول: "لقد هجر الرجال قريتي في إقليم"توغوز"بشمال غرب أذربيجان، وتركوا عائلاتهم وزوجاتهم وذهبوا لروسيا بهدف البحث عن فرصة عمل تكفل الإنفاق على العائلة"، وهذا الوضع الجديد الذي يعيشه أهل الريف أثر بالطبع على أحوال الزواج من ناحية أعمار الفتيات وارتفاعها لحد عمر الثلاثين (في المدينة تظهر أيضا نفس المشكلة،وإن لم يؤثر على شكل وأعراف الزواج)، ومن عادات الزواج في الريف أن يقوم الأهل بذبح الحيوانات أمام منزل الزوجية عند قدوم العروسين إليه كقربان أو صدقة، وقبل دخول العروس المنزل يضعون طبقاً أو إناءً من الخزف في وضع مقلوب، بحيث تقوم العروس بكسره بقدمها قبل أن تخطو أول خطوة داخل المنزل الجديد، والغاية من هذا التقليد كما تقول السيدة "خليلوفا" إظهار العروس لقدرتها وعزيمتها على الاستمرار والنجاح في الحياة الزوجية.

صور


مواضيع:


الأخبار الأخيرة