وبحسب المصدر، فإن تدهور العملة سيؤثر بشكل كبير على الشركات التركية التي تتلقى عائداتها بالليرة أو تملك أصولا بالعملة نفسها، إذ ارتفعت ديونها بشكل لافت على اعتبار أنها ستسدد ما بذمتها بكل من الدولار واليورو.
وفي المقابل، لن تتأثر شركات تركية محدودة بفضل اعتمادها على استثمارات في الخارج، فعلى سبيل المثال، لن تربك هذه الأزمة المستثمر التركي هارون ميسيت التي يعمل في إقامة المنشآت الرياضية وبيع التجهيزات خارج البلاد لأنه لن يجد صعوبة في دفع الديون الأجنبية.
وفقدت العملة التركية ما يقارب الثلث من قيمتها في غضون شهر، وتراجعت بصورة لافتة بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على أنقرة ولوحت بإجراءات عقابية جديدة في حال لم تفرج أنقرة عن القس الأميركي أندرو برانسون.
وأثرت الأزمة على البنوك التركية وسط مخاوف أن تؤدي إلى موجة إفلاس، ولم تقف الآثار عند هذا الحد، إذ أرخى هبوط الليرة بظلاله على أسواق مالية صاعدة، كما أثر على قيمة أسهم في كل من نيويورك ولندن.
ويتوافق التنبيه الذي قدمته "فورين بوليسي" مع تحذير سابق من المعارضة التركية، إذ قال زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليجدار أوغلو، مؤخرا، إن الرئيس رجب طيب أردوغان، يستخدم قضية القس لأجل تحقيق مآربه وإخفاء فشله الاقتصادي.
ويرى كيليجدار أن أزمة الليرة ليست ناجمة عن أزمة واشنطن وأنقرة أخيرة، ويوضح المعارض البارز أن عددا من الاقتصاديين حذروا قبل أشهر من الكارثة، لكن الرئيس التركي لم يستجب وفضل عدم الإنصات.
جذور الأزمة
وترى المجلة أن جذور أزمة الليرة التركية تعود بالأساس إلى السياسات التي انتهجها أردوغان لأجل استمالة الناخبين وكسب الانتخابات التي خاضها 9 مرات على مدى أعوام طويلة، واستطاعت أنشطة بناء واسعة قامت بها شركات قريبة من الحكومة أن تقود إلى نسبة نمو بلغ متوسطها 6.8 بالمئة خلال هذا العقد، أما حجم الاقتصاد التركي فوصل إلى 880 مليار دولار.
ويقول المستثمر هارون ميسيت "كان من الواضح أن انهيارا سيحصل، لقد طلبت مرارا من أصدقائي طيلة سنوات أن يتوقفوا عن منافسة بعضهم البعض في مجال البناء"، لكنهم لم يفعلوا والنتيجة أن هناك ما يقارب 800 ألف بيت لم يجر بيعه بعدما تعرضت سوق العقار لإغراق كبير.
وتقول "فورين بوليسي" إن تركيا تحولت إلى ما يشبه ورش بناء، ولذلك صارت صناعة البناء تشكل قرابة عشرة بالمئة من الإنتاج في البلاد، ومنذ سنة 2001، تجاوزت واردات تركيا من مواد البناء ومنتجات أخرى صادرات البلاد.
وبسبب العوامل المذكورة، ارتفع عجز الحساب الجاري لتركيا إلى 50.2 مليار دولار، بينما لجأت الحكومة التركية وشركات وبنوك ومصانع ومطاعم أخرى في البلاد إلى تلقي قروض خارجية بنسب فائدة مشجعة، وتبعا لذلك، ارتفعت الديون إلى 460 مليار دولار أي ما يزيد عن نصف ناتج تركيا المحلي.
وغم تفاقم الأزمة، لم تتخذ تركيا إجراءات كفيلة ببث الطمأنينة في نفوس المستثمرين والمؤسسات الدولية، وقبل أيام قليلة، أعلنت مؤسسة "ستانرد آند بورز" خفض تصنيف تركيا الائتماني وتوقعت أن تؤدي أزمة الليرة إلى انكماش في الاقتصاد خلال العام المقبل، بينما يقول أردوغان إن بلاده ستفوز فيما يسميها بـ"حرب اقتصادية" على بلاده.
وتورد "فورين بوليسي" أن السوق التركية لم تقتنع بالخطوات التي تم إعلانها لأجل دعم الليرة مثل تعهد قطر باستثمار 15 مليار دولار، وتأكيد كل من فرنسا وألمانيا دعمها لأنقرة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تجتازه في الفترة الأخيرة، ويحاول أردوغان ربط الأزمة بالولايات المتحدة حتى يكسب تأييدا شعبيا وسط الإحباط والقلق.
وشكل تعيين صهر أردوغان وزيرا للمالية التركية ضربة أخرى لثقة المستثمرين، إذ بدا واضحا أن رقابة الرئيس على الاقتصاد ستتعزز بشكل أكبر ومن المعروف أن أردوغان من بين الرافضين الكبار لرفع نسب الفائدة، رغم ارتفاع معدل التضخم ودعوة خبراء المال إلى اتخاذ هذه الخطوة.
ومما يزيد الطين بلة في تركيا، حسب مراقبين، أن الوضع الحقوقي بات يثير خشية منظمات أجنبية، ويؤثر على الاستقرار، بعد اعتقال نشطاء وتسريح آلاف الموظفين بسبب صلات مفترضة مع رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، الذي تقول أنقرة إنه متورط في محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا في يوليو 2016.
مواضيع: