ومع اعتماد قسم كبير من هذا التوجه على حركة الدولار ومعدلات الفائدة الأميركية، يزداد التركيز هذا الأسبوع على الاجتماع السنوي المرتقب للبنوك المركزية من شتى أنحاء العالم في جاكسون هول بوايومينج. وعقد جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أول ندواته يوم الجمعة لمناقشة الاقتصاد والسياسة النقدية. وتم خلال الأسبوع الإعلان عن محاضر اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في الأول من أغسطس، والتي أشارت إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيمضي قدماً في أجندة التشديد الخاصة به ما لم يُظهر الاقتصاد الأميركي ميلاً نحو التباطؤ، أو تسهم الأسواق في إجبار بنك الاحتياطي الفدرالي على إعادة التفكير بسياساته. وبناء عليه، يتوقع أن يتجه بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام نحو رفع معدلات الفائدة مرتين إضافيتين تتزامن أقربهما مع الاجتماع التالي المزمع عقده في 26 سبتمبر القادم.
وبعد تعرضها لهجوم الرئيس ترامب جراء رفع معدلات الفائدة (والذي ساهم في دعم أسعار الدولار)، ونظراً للاضطرابات الأخيرة التي شهدتها الأسواق الناشئة والحرب التجارية المستمرة، بحثت الأسواق عن أي علامات تشير إلى تراجع حدّة موقف باول، مما من شأنه التأثير على أسعار الدولار والعديد من السلع التي تستمد زخمها من قوته. ومع ذلك، لم يتخذ باول أي خطوة تحيد عن توقعات السوق الحالية لرفع أسعار الفائدة في المستقبل، وشهدت تداولات الدولار ضعفاً واضحاً ساهم في دعم أسعار السلع.
ومن وجهة نظر النمو والطلب في الأسواق الناشئة، ستبقى الأسواق العالمية هشّة إلى أن يتخلى بنك الاحتياطي الفيدرالي عن دعم نظام التضييق الكمي ومعدل الزيادة في أسعار فائدته، مع خطر حدوث أزمة حقيقية مرتبطة بالإفراط في الاقتراض بالدولار الأميركي منذ الأزمة المالية العالمية.
ولم تكن جميع السلع مستفيدة من ضعف أسعار الدولار؛ ففي قطاع الحبوب الذي يغطي المحاصيل الرئيسية للقمح والذرة وفول الصويا، حوّلت السوق اهتمامها إلى موسم الحصاد في الولايات المتحدة الأميركية في أعقاب الموسم الزراعي المضطرب الذي شهدته أوروبا ورابطة الدول المستقلة وأستراليا، حيث يتوقع أن تحقق الولايات المتحدة الأميركية إمدادات كافية لتعويض خسائرها في أماكن أخرى. وعلاوة على ذلك، أدى النزاع التجاري المستمر مع الصين إلى انخفاض حاد في الطلب من أبرز وجهات فول الصويا الذي يتم إنتاجه في الولايات المتحدة الأميركية.
وبشكل إجمالي، شهد مؤشر بلومبرج للسلع الرئيسية، والذي يغطي 25 سلعة رئيسية، تداولات مرتفعة للمرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع، حيث تم تعويض الخسائر المذكورة أعلاه بمكاسب في النفط الخام والمنتجات، فضلاً عن المعادن الصناعية. وبعد بضعة أسابيع من البيع المكثف، تفاعلت المعادن الصناعية (بقيادة الزنك والألمنيوم) بإيجابية مع مؤشرات الطلب من الصين. وشهدت المعادن الثمينة تداولات مرتفعة دون اختراق لأي مستويات مهمة قد تدفع المتداولين في البورصة نحو إعادة التفكير، وهم يملكون حالياً صفقات بيع قياسية تتجاوز الرقم القياسي المسجل في ديسمبر 2015 بثلاث مرات.
انتعاش أسعار النفط الخام
وانتعشت أسعار النفط الخام بأكثر من نصف عمليات البيع بين يوليو إلى أغسطس. وجاء ذلك في وقت حوّلت الأسواق اهتمامها من التأثير المحتمل على المدى الطويل لنمو الأسواق الناشئة إلى التأثير قصير المدى للعقوبات الأميركية على إيران.
وتظهر بيانات تتبع الناقلات من “بلاتس” انخفاض الصادرات الإيرانية من النفط الخام بشكل حاد خلال النصف الأول من أغسطس. وخلال تلك الفترة، تم تصدير 1.68 مليون برميل يومياً، وهو أدنى بـ 640 ألف برميل يومياً قياساً بالمعدل المتوسط في يوليو. وسيسهم ذلك بالتأكيد في زيادة الضغوطات على أعضاء “أوبك” الآخرين، ويثير مسألة قدرتهم على مواجهة العجز المحتمل ـ ليس من إيران وحدها، وإنما من فنزويلا التي ما زالت تشهد أوضاعاً متدهورة.
وواصلت صناديق التحوّط تخفيض رهانات النفط التصاعدية خلال الأسابيع الأخيرة، ومنذ تسجيل رقم قياسي تخطى 1 مليون لوت (1 مليار برميل) في 30 مارس الماضي، لتشهد صفقات شراء خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت الآن انخفاضاً بنسبة 37%. وبوصفه معياراً عالمياً، شهد خام برنت أكبر تراجع له إلى 336 ألف لوت، بانخفاض 47% منذ مارس.
وخلال مبيعات الفترة بين يوليو إلى أغسطس، تجدر الإشارة إلى التراجع المفاجئ لعمليات البيع على المكشوف والشراء. ويبقى صافي صفقات البيع في خام غرب تكساس الوسيط وبرنت قريباً من أدنى مستوياته منذ خمس سنوات، مما يسلط الضوء على شهية البيع المحدودة قبل الانخفاض المتوقع للإمدادات الإيرانية.
وما زلنا عند وجهة نظرنا بشأن احتمال بقاء أسعار خام برنت ضمن نطاق مقيّد بين 70 ـ 80 دولار للبرميل. ومع تحوّل التركيز على المدى القصير نحو الإمدادات، نرى بعض الاحتمالات الإضافية لارتفاع الأسعار نحو 80 دولار للبرميل.
تداولات الذهب
وارتفعت تداولات الذهب لأول أسبوع منذ سبعة أسابيع مضت نتيجة لضعف الدولار وتصريحات الرئيس ترامب بأنه “غير راضٍ” عن استمرار بنك الاحتياطي الفدرالي في رفع أسعار الفائدة.
وفي ظل رئاسة جيروم باول، الذي عيّنه ترامب، تم رفع أسعار فائدة بنك الاحتياطي الفدرالي ثلاث مرات تضاف إلى اثنتين خلال الجزء السابق من رئاسة ترامب.
واستجابت السوق بدفع أسعار الدولار نحو الانخفاض قياسا باليورو الذي عاد ليتخطى 1.15 يورو، مما حافظ على الأسعار في نطاق محتمل بين 1.15 ـ 1.17 يورو. وساهم ذلك في إزالة بعض الضعف عن كاهل اليورو، الأمر الذي ظهر في الأسبوع الماضي استجابة لمخاطر الموازنة الإيطالية وانكشاف بنوك الاتحاد الاوروبي لديون الأسواق الناشئة، لا سيّما الديون التركية.
ولا ترتبط أسعار الدولار ومعدلات الفائدة على المدى القصير بتصريحات الرئيس ترامب، وإنما بالإجراءات التي يتخذها بنك الاحتياطي الفدرالي. وفيما قد يظهر الذهب مؤشرات استقرار مستمرة، يعتمد ارتفاع أسعاره بشكل كبير على إمكانية توجه الصناديق التي تمتلك عقود شراء قياسية نحو البحث عن غطاء. ولتحقيق ذلك، يحتاج الذهب إلى تجاوز نطاق مقاومة يتراوح في حدّه الأدنى بين 1200 ـ 1210 دولار للأونصة.
تراجع أسعار القهوة العربية والسكر
ولعب الجمع بين العروض الكافية، وهجمات المضاربة، والتدهور المستمر لأسعار الريال البرازيلي عند نقطة معينة دوراً في تراجع أسعار القهوة العربية إلى أقل من 1 دولار للرطل للمرة الأولى منذ 12 عاماً. وللأسباب ذاتها، انخفضت أسعار السكر إلى أقل من 10 سنت لكل رطل للمرة الأولى منذ 10 سنوات. واعتماداً على مؤشر بلومبرج للقهوة بين السلع الرئيسية، والذي يتضمن عائد الإنتاج، نجد انخفاض أسعار القهوة العربية بنسبة 24% منذ عام وحتى الآن، وأنها خسرت نحو 70% من قيمتها منذ أن بلغت ذروتها في عام 2014.
وتضررت الأسعار بشكل كبير جراء الإمدادات الكافية من البرازيل، التي تعتبر أكبر منتج في العالم لحبوب البن عالية الجودة، فضلاً عن التراجع الكبير بنسبة 10% في قيمة الريال البرازيلي في الانتخابات، وحالة التوتر العامة التي تسود الأسواق الناشئة. وعلاوة على ذلك، نشهد عمليات بيع مضاربة من صناديق التحوّط، مما فرض ضغوطات إضافية على الأسعار. وتمتلك الصناديق حالياً صفقات بيع قياسية على المكشوف بحجم 1.7 مليون طن أو 28% من الإنتاج العالمي المتوقع للفترة 2018 ـ 2019. وطالما لا تشهد التوقعات الفنية الأساسية أي تحسّن، من غير المرجح أن تقوم بإعادة شراء صفقاتها للبيع مما سيؤدي إلى دعم الأسعار.
ومع ذلك، قد يبدأ الدعم الرئيسي بالظهور من التقارير التي بدأت بتسليط الضوء على بعض مخاطر الجفاف المحدقة بالمحصول التالي في البرازيل. وأثار الازدهار المبكر وغير الاعتيادي لأشجار البن في البرازيل بعض المخاوف من الحاجة للماء في هذه المرحلة للتطور إلى ثمرة البن الكرزية. ويمتد موسم الجفاف عادة حتى النصف الثاني من سبتمبر، مما يبرز أهمية الأسابيع القليلة المقبلة.
مواضيع: