ويعد عيد النصر أحد أهم الأعياد الوطنية في تركيا، يحتفل فيه الشعب بالانتصار على جيوش الحلفاء وخاصة الجيش اليوناني الذي شن حملة على أراضي الدولة العثمانية بتشجيع من بريطانيا وفرنسا ودول أخرى عام 1919، وسعى إلى اقتطاع أجزاء منها، لكنه انسحب وتقهقر بعد نحو ثلاث سنوات عقب خسارته في معركة “دملوبينار” التي دارت رحاها لمدة أربعة أيام بين القوات اليونانية وقوات الأتراك الثوريين التابعين “للحركة الوطنية التركية” بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، فبدأت في الـ26 من أغسطس عام 1922 ووضعت أوزارها في الـ30 من أغسطس، وهو ما صار يعرف بعد ذلك بـ”عيد النصر”.
على الأرض انتهت المعارك في حينه، وحافظت تركيا على تماسكها ووحدتها بينما انسحبت اليونان، وخسرت ما كان قد احتلته من أراض تركية قبيل معركة “دملوبينار”، لكن ذلك لم يساهم في طي صفحات التاريخ، حيث فتحت صفحة جديدة لعبت فيها الدبلوماسية هذه المرة دورًا كبيرًا، وانتهت بتوقيع اتفاقية “لوزان” في 24 يوليو/تموز عام 1923.
أدى الانتصار في الحروب في حينه، وتوقيع اتفاقية لوزان، إلى حفاظ تركيا على وحدتها وأرضها واستعادتها لمدن كبيرة كان يطمح الجيش اليوناني الذي يدعمه الجيشان الفرنسي والبريطاني إلى احتلالها وفرض السيطرة عليها، وفي الوقت ذاته، كان توقيع الاتفاقية بمثابة إعلان فشل لجميع الحملات التي قامت لتقسم أراض الدولة العثمانية، فيما دفعت الاتفاقية دول الحلفاء إلى الاعتراف بسيادة الجمهورية التركية.
ويعد “يوم النصر” بشكل رسمي، اليوم الذي بدأت فيه تتشكل معالم الجمهورية التركية الحديثة، حيث أسس إلى الاعتراف بالجمهورية من قبل دول العالم المختلفة، ووضع لبنة أساس لتشكيل الكيان السياسي الرسمي لما صار يعرف بـ”تركيا” عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية التي فرضت سيطرتها لمئات السنين على مناطق واسعة من العالم، وكانت بمثابة امتداد للدول الإسلامية التي حكمت الشرق الأوسط وغيره من المناطق.
وعلى الرغم من أن معاهدة ” لوزان” التي وُقّعت عقب إحراز النصر على دول الحلفاء والجيش اليوناني، حفظت لتركيا كيانها وكانت بداية الاعتراف بها كجمهورية، إلا أن الأتراك وعلى مدى عشرات السنوات استمروا في فتح ملفات المعاهدة، وأعادوا التحقيق في بنودها، جنبًا إلى جنب مع إعادة تقييم البداية التي نشأت فيه جمهوريتهم، والمرحلة المقبلة عليها، ولعل ذلك يبدو جليا واضحا في رؤية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، المتعلقة بما بات يشتهر بـ” رؤية تركيا 2023″ والتي ستأتي في ظل احتفاء الأتراك بمناسبة مرور 100 عام على “يوم النصر”.
“يوم النصر” لم يكن مجرد بداية تأسيس لجمهورية تركية في عشرينيات القرن الماضي فحسب، لما ما زال يومًا يبعث الأمل في قلوب الأتراك، ويرسم معالم الطريق للجمهورية التركية الثانية، وفق تصريحات الرئيس التركي، وقيادات حزب العدالة الحاكم .
وكان الرئيس التركي أردوغان فاجأ العالم مرارًا وتكرارًا خلال الأعوام الماضية بمطالبته بإعادة النظر ببعض بنود اتفاقية ” لوزان”، وهو ما يشير إلى أنّ تركيا تعيد حساباتها من جديد، وتسعى إلى تأكيد النصر التام في معارك وضعت أوزارها قبل 95 عامًا، وذلك بعد أن باتت تركيا جديدة، أو لعلها صارت “تركيا القوية” كما يحب أردوغان تسميتها.
ووضع حزب العدالة والتنمية رؤية قال إنها ستحقق عام 2023، وتهدف إلى جعل تركيا دولة حديثة ومتطورة، ووضعت رؤية سياسة واقتصادية لإيصال الناتج القومي إلى 2 تريليون دولار في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية .
وبينما تسعى تركيا إلى الاحتفاء بالعيد الـ100 للنصر في عام 2023، ترى القيادة السياسية التي تدير الجمهورية أنه قد آن الأوان لمراجعة تداعيات الانتصار عام 1922، وما نتج عنه، وخاصة اتفاقية “لوزان”، وهو ما يعني أن تداعيات الحملات على تركيا ما زالت مستمرة لم تُطو صفحاتها حتى الآن، وأن الدولة تدرس فتح الملفات من جديد، ما يشير إلى أنّ “يوم النصر” لم يكتمل بعد، بالصورة التي تريدها “تركيا القوية”، تركيا العصر الحديث.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إنّ ” معاهدة لوزان تنص على تفاصيل دقيقة ما تزال غير مفهومة حتى الوقت الراهن، مشيرا إلى ضرورة تحديثها”.
وأضاف خلال زيارة قام بها إلى العاصمة اليونانية أثينا العام الماضي، والتي عُدت في حينه زيارة تاريخية لم يجرها رئيس تركي منذ 65 عامًا، أن “هناك قوانين تشترط وجوب تحديث الاتفاقات، ونحن قادرون على تحديث ما أبرم بيننا من اتفاقات، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك”.
وقال أردوغان إن “خصوم تركيا أجبروها على توقيع معاهدة سيفر عـام 1920، وتـوقيـع معاهدة لوزان عـام 1923، وبسبب ذلـك تـخلت تـركيا لليـونان عـن جزر في بحر إيجه، على الرغم من أن الصرخة من هناك تسمع على الشواطئ التركية”، في إشارة إلى قرب الجزر التي تسيطر عليها اليونان من السواحل التركية وإيمان شريحة واسعة من الشعب التركي بأنها تعود إليهم.
ومع حلول عيد النصر الـ95 الذي يحل وقد باتت تركيا دولة تقوم على أسس النظام الرئاسي، بعد أن نجح أردوغان وحزب العدالة والتنمية في رفع المستوى المعيشي في البلاد، وتطويرها اقتصاديا وسياسيا والإرتقاء بها، جدد الرئيس التركي تأكيده على أن عيد النصر وتداعياته لم تتوقف عند اتفاقية لوزان وانتصارات عام 1922، إنما “نحن على أعتاب تحقيق انتصارات ونجاحات جديدة”.
الرئيس التركي، ومع اقتراب حلول مئة عام على إعلان الجمهورية التركية، ما زال يؤكد على رؤيته المستقبلية للعام 2023، حيث أشار في بيان تلاه على الناس على أن “وصول بلاده إلى أهدافها المحددة لعام 2023 من شأنه أن يوجه تركيا والمنطقة بأسرها نحو المستقبل”.
ولفت إلى أن النصر الذي تحقق في 30 آغسطس 1922 الذي يعد آخر حلقات سلسلة الانتصارات، دخل التاريخ رمزاً لعزم الشعب التركي في حماية استقلاله ومستقبله، وأن هذا التاريخ أظهر وجود طريق مفتوح دائما من أجل الوصول إلى النجاح مهما كانت الظروف صعبة، مضيفًا أن “الإنجازات التي تحققت في البلاد على مدار الـ 16 عاما الماضية أظهرت لنا أن هذا ممكن”.
trtarabic
مواضيع: