موسم الحج 1439.. نجاح ينسجم مع رؤية السعودية 2030 (مقال تحليلي)

  01 سبتمبر 2018    قرأ 1322
موسم الحج 1439.. نجاح ينسجم مع رؤية السعودية 2030 (مقال تحليلي)

مع انتهاء موسم الحج للعام الهجري 1439، بدأت عودة قرابة ثلاثة ملايين حاج من الأراضي المقدسة إلى بلادهم.

هؤلاء يعودون إلى أوطانهم وقلوبهم ممزوجة بفرحة أداء مناسك الحج بسلام، وبحزن عميق لمغادرة المشاعر المقدسة في مكة والمدينة المنورة.

مع أداء الحجاج أكثر فريضة في الإسلام مشقة، بدأ نقاش حول جهود السعودية في تذليل العقبات أمام حجاج بيت الله الحرام.

يمكننا القول إن السعودية اجتازت الاختبار هذا الموسم بنجاح لا مثيل له ينسجم مع رؤية المملكة لعام 2030.

وفق وزارة الإعلام السعودية، تابع أكثر من 800 صحفي وإعلامي أجنبي تحضيرات مناسك الحج.

في وكالة الأناضول تابعنا هذه التحضيرات عن كثب، واطلعنا على تفاصيلها من المسؤولين السعوديين.

وفي مقدمة هؤلاء المسؤولين: وزير الإعلام، عواد بن صالح العواد، ووزير الحج والعمرة، محمد صالح بن طاهر بنتن.

ونشرنا المعلومات التي استوفيناها من المسؤولين السعوديين على شكل أخبار.

لذا كان لزاما علينا أن نكتب عن انطباع عام يحمل تقييمنا عن موسم الحج وجهود المملكة لتوفير الراحة لضيوف الرحمن.

** مشاريع ضمن رؤية 2030

بداية، يمكن تقييم تحضيرات ومشاريع الحج في المملكة كجزءٍ من سلسلة خطط إصلاحية، مثل زيادة الاستثمارات والموارد غير النفطية، وذلك ضمن رؤية 2030.

يمكنكم مشاهدة لوحات إعلانية عن تلك الرؤية في جميع أنحاء المملكة، من مطارات وطرق عامة وغيرها، منذ اللحظة التي تطأ فيها أقدامكم أراضي المملكة.

ومن ضمن أهداف هذه الرؤية السعودية، إنجاز مشاريع تستهدف الحج والعمرة، وزيادة عدد الحجاج والمعتمرين إلى ثلاثين مليون سنويا، بينهم خمسة ملايين حاج.

من ضمن هذه المشاريع أيضا: مبادرة "طريق مكة"، وتوسعة المسجد الحرام، و"قطار الحرمين" السريع الرامي إلى تقليل المسافة بين مكة والمدينة من أربع ساعات إلى ساعة واحدة.

هذا العام، وللمرة الأولى، طبقت المملكة مبادرة "طريق مكة" على حجاج كل من ماليزيا وإندونيسيا.

ومن المتوقع أن يشمل التطبيق، العام المقبل، الحجاج الوافدين من باكستان وتركيا ودول إسلامية أخرى، حسب مسؤولين سعوديين.

وأكد هؤلاء المسؤولون أن تحضيرات الدول المعنية تشكّل أهمية كبيرة لشمل مواطنيهم في مبادرة "طريق مكة".

هذا المشروع يسمح للحجاج باستكمال إجراءات وثائق سفرهم في مطارات بلادهم قبل وصولهم السعودية، ما يوفر وقتهم وجهدهم، وعبور نقاط التأشيرات في مطارات المملكة دون عناء.

** بنى تحتيى ضخمة

بجانب هذه المشاريع، تتواصل تنفيذ أعمال إنشاء بنى تحتية ضخمة لتوظفيها لخدمة الحجاج حول الحرم في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

كما لا بد من الإشادة بمساعي تخفيف حركة الازدحام في الأماكن المقدسة من عرفات إلى مزدلفة وأماكن رمي الجمرات في منى.

وضعت السعودية هذا العام شعارا لموسم الحج هو "العالم في قلب المملكة"، ووظفت حملة إعلامية كبيرة له.

أسست وزارة الإعلام مراكز لاستقبال الصحفيين والإعلاميين المحليين والأجانب في مكة، منى، عرفات ومزدلفة، لنقل شعائر أداء مناسك الحج عبر بث حي إلى شتى أصقاع العالم.

خلال استقباله وفدا إعلاميا من الدول الإسلامية، في يوليو/ تموز الماضي، قال وزير الحج والعمرة إن المملكة تسعى إلى جعل الحج والعمرة رحلة "خالية من القلق والإزعاج بقدر الإمكان".

الوزير أضاف أن لدى المملكة مشروعا خاصا لبناء قرية إسلامية عالمية على بعد حوالي 40 كلم من مكة المكرمة، وستكون مشروعا مذهلا يعكس ثقافة كل بلد مسلم.

وأوضح أن الدول الإسلامية ستقيم في القرية مواقعها الثقافية وتبيع منتجاتها الخاصة، وستكون بازارا (سوقا) لجميع الدول الاسلامية.

وأضاف أنه سيكون هناك مشروع مترو يربط القرية بمدن أخرى، على أن يكتمل المشروع خلال العامين المقبلين.


ولدى توجيهنا له سؤالا عن الحجاج الأتراك، أجاب الوزير السعودي بإشادة لافتة: "يبقى مناخ الحج غير مكتمل إن لم نشاهد الحجاج الأتراك".

وتُعد التحضيرات الخاصة بالحج والمشروعات الجديدة، إضافة إلى الجهود المبذولة لتطوير الخدمات القائمة، في غاية الأهمية.

حظينا بزيارة مثمرة لمكتب أمين العاصمة المقدسة (مكة)، محمد بن عبدالله القويحص.

قدم لنا القويحص معلومات تفصيلية عن البيئة وأعمال الطرق المنفذة لتسهيل نقل الحجاج في مكة والحيلولة دون إهدار الوقت، وكذلك عن الخدمات في مجال النظافة والبيئة وتنظيم السير.

لا شك أن الجانب الأمني وإدارة الحشود الضخمة كانا من أهم ركائز تحضيرات موسم الحج لهذا العام.

مدير الحج والعمرة السعودي، اللواء محمد بن فصل الأحمدي، شدد على الاستعداد لمواجهة جميع الحالات الطارئة المحتملة، عبر فرق مختص مدرب دوما في حالة استعداد.

وأوضح أنهم نشروا هذه الفرق حول الكعبة وبقية الأماكن المقدسة ومختلف الأماكن، إضافة إلى مراقبة هذه الأماكن بأحدث أنواع الكاميرات.

بطبيعة الحال، أوّل ما يتبادر إلى الأذهان حين تُذكر عبارة "الأمن" هو أي هجوم إرهابي محتمل، لا سيما وأن عدم الاستقرار يهمين على دول المنطقة، وعلى رأسها اليمن وسوريا.

سجلت السعودية نجاحا في الجانب الأمني، وهو أمر مهم للغاية، لاسيما وإن حدوث أي اختراق أمني خلال اجتماع قرابة ثلاثة ملايين حاج ستكون له عواقب وخيمة.

** متطلبات الأداء الأفضل

إن تنظيم موسم حج يتسم بالأمان والسكينة يجلب الاستقرار للسعودية أيضا.

نعم يمكن أن تكون هناك ملاحظات على السياسات الخارجية للسعودية، لكن لا يمكن القبول أبدا بتسييس فريضة الحج.

أكد المسؤولون السعوديون الذين التقيناهم، وفي مقدتهم وزيرا الاعلام والحج، النأي بالحج عن السياسة، وعدم التسامح حيال النقاشات السياسية.

حتى أشد المنتقدين للسياسيات السعودية يقر بنجاح المملكة في تنظيم موسم الحج.

بشكل عام اجتازت حكومة المملكة امتحان موسم الحج لهذا العام بنجاح، إذ قدمت أداءً يكاد يكون "دون أخطاء".

لكننا نرى أن الحديث عما ينبغي فعله للارتقاء أكثر بتنظيم الحج، وما يتوجب الالتفات إليه في مواسم الحج المقبلة، هو دين في رقبتنا.

أولا: بينما نرى أن المملكة، وبكافة مؤسساتها، نذرت نفسها لاستضافة موسم الحج وضيوف الرحمن على أكمل وجه، فإننا لا نلمس الوعي نفسه لدى بعض السعوديين.

يتوجب على الدولة حل مسألة الأسعار الفلكية التي يطلبها سائقو سيارات الأجرة والحافلات الصغير.

هذه الأسعار يحددها السائقون ومشغلو شركات النقل بشكل تعسفي مقابل مسافات قصيرة لا تتعدى 2 أو 3 كم بمحيط الكعبة.

فمثلا: وافق سائق حافلة صغيرة على نقلنا، بعد مساومة قصيرة، لكن عدل عن ذلك، وأرغامنا على النزول من الحافلة.

معظم الحجاج فقراء يوفرون نفقات الرحلة إلى الديار المقدسة بالعمل الدؤوب لأعوام طويلة.

ومثل هذه التصرفات التعسفية لا يمكنها التعتيم على النجاح الذي نتحدث عنه، لكنها تقلل من قيمته أو تؤدي إلى انطباعات خاطئة.

كما أن المنتجات التي تُباع في مراكز التسوق حول الكعبة، ذات أسعار باهظة جدا، وينبغي على الحكومة السعودية معالجة هذا الموضوع بأسرع وقت ممكن.

النقطة المهمة الأخرى، هي النظافة.

بما أننا في الصيف، فإن درجات الحرارة في أعلى مستوياتها، والفضلات الملقاة على الأرض قد تؤدي إلى انتشار أمراض معدية.

لذا يتم الاهتمام بنظافة المسجد الحرام والمدينة المنورة على أحسن وجه.

رغم عدم التزام بعض الحجاج بقواعد النظافة، فإن عمال النظافة ينبهونهم ويجمعون الفضلات الملقاة على الأرض.

لكن لا يمكننا الحديث بالصورة نفسها عن نظافة النقاط التي تتم فيها استضافة الإعلاميين الأجانب في عرفات ومنى.

لا يتم جمع بقايا الطعام المتروكة في العراء، وكذلك الفضلات، إضافة إلى إهمال تنظيف الحمامات والمراحيض.

هذا الوضع أزعج الصحفيين، ونأمل أن يجد المعنيون حلا في موسم الحج المقبل.

إن مكة والمدينة مهمة بالنسبة لنا كأتراك بقدر ما نولي أهمية لإسطنبول، وأثق أن الحجاج الآخرين لديهم الشعور نفسه.

لذا من حق ضيوف هاتين المدينتين أن يبقوا بمنأى عن جشع الرأسمالية، فضلا عن أداء حجهم في أجواء آمنة وفي طمأنينة.

في الختام آمل أن يؤدي المسلمون فريضة الحج، خلال الأعوام المقبلة، والعالم الاسلامي مجتمع على قلب رجل واحد في أجواء خالية من الحروب والإرهاب.

وأتقدم بالشكر لإدارة المملكة العربية السعودية وشعبها، على حسن الضيافة والخدمات المقدمة للحجاج.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة