مطار بيروت الدولي... من "حلم" إلى "كابوس"

  07 سبتمبر 2018    قرأ 1137
مطار بيروت الدولي... من "حلم" إلى "كابوس"

يوم شرع رئيس الوزراء اللبناني الراحل، رفيق الحريري، في عملية الإصلاح والتوسيع الشاملة لمطار بيروت عام 1994، جرى تسويق هذا المشروع ضمن أهداف طموحة للغاية، في بلد صغير، كان قد خرج للتو من حرب أهلية، تركت بصماتها على منفذه الجوي الدولي الوحيد.

 

 في ذلك الوقت، كان رفيق الحريري، الذي بات مطار بيروت يحمل اسمه، معجباً بالتجربة التركية في مجال البنية التحتية، خصوصا أن علاقة قوية كانت تربطه برئيسة وزراء تركيا في ذلك الوقت تانسو تشيلر، فكان مطار إسطنبول، بما يمثله من صلة ربط بين شركات الطيران في العالم، النموذج الذي طمح إليه رئيس الوزراء الأسبق، الذي اغتيل بتفجير هزّ بيروت في الرابع عشر من شباط/فبراير عام 2005.

بعد عقدين من الزمن، تحوّل "حلم" مطار بيروت إلى "كابوس" بات يقض مضاجع المسافرين من لبنان، والواصلين إليه، حيث بات الازدحام خارج المطار وداخله، ظاهرة سنوية، لا سيما في الفترة الفاصلة بين فصلي الشتاء والصيف.

الوصول إلى مرآب المطار الدولي، المحاذي لشاطئ الضاحية الجنوبية لبيروت (9 كيلومترات عن وسط العاصمة)، والذي يجاوره مكبّ للنفايات، ليس سهلا. مدخل المطار نفسه، يتقاطع مع مفترق طرق يؤدي إلى واحدة من أكثر الضواحي اكتظاظا بالسكان في لبنان. ولكنّ الازدحام المروري بات يتجاوز اليوم مفترق الطرق هذا، والمعروف باسم "تحويطة الغدير"، ليمتد على طول الطريق القصيرة التي تفصل بين أوّل حاجز عسكري عند مدخل المطار، ومرآب ركن السيارات، الذي تديره شركة خاصة.

في قاعة الوصول الوحيدة في المطار زحمة بشرية قد تكون ضمن الحدود المقبولة، حيث يحتشد الناس لاستقبال أقربائهم أو أصدقائهم الوافدين إلى البلاد، إما زيارة قصيرة أو عودة من رحلة مؤقتة.

لا تبدو الشكاوى في قاعة الوصول "كارثية"، فهي تتراوح بين جانبين: الأول هو "فوضى" المستقبلين، والتي يحاول عناصر الأمن ضبطها، من خلال توجيهات لا يبدو أنها تلقى آذانا صاغية، الذين يحتشد معظمهم عند الحاجز المعدني، الذي يفصلهم عن بوابة خروج المسافرين، على نحو يؤدي في كثير من الأحيان إلى سد المنفذين الأساسيين للخروج، والثانية، هي الفترة الطويلة التي يقضيها المستقبلون وهم ينتظرون الوافدين.

يجهد عناصر الأمن إلى إبعاد المحتشدين قدر الإمكان عن هذين المنفذين، بطريقة حادة ومهذّبة في آنٍ واحد، ولكن جهودهم تبدو مؤقتة، حيث يعود الناس مجددا إلى الاحتشاد. يحاول العنصر الأمني احتواء غضبه إزاء هذه التصرّفات الشاذة، ويجهد في تجنّب أي احتكاك مع الناس، قبل أن يقرّ ضمناً بالعجز، متمتما بعبارات ساخرة من قبيل "اللبناني لا يحب الصف (الطابور) أو "الفوضى في دمهم".

لكنّ "ضبط النفس" الذي يتحلى به عناصر الأمن في المطار، لم يمنع من حدوث إشكالات كثيرة، انتشرت وقائع إحداها قبل أيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حين وحصل تلاسن بين عنصرين أمنيين، أثناء انتظار الأهالي أقاربهم القادمين من السعودية بعد تأدية مناسك الحج وسط ازدحام خانق في قاعة الوصول، فعمد بعض الأشخاص إلى اختراق الحاجز الحديدي العازل الذي يفصل بين المنتظرين والقادمين بشكل أعاق خروج الحجاج من الداخل، ما دفع احد عناصر قوى الأمن الداخلي (الدرك) إلى الطلب منهم الرجوع إلى الخلف والانتظار مع باقي الناس وفق الحدود والقانون، لكنّ أحدهم رفض قائلا "معك معلومات" (في إشارة إلى أنه ينتمي إلى جهاز فرع المعلومات)، فأتي الضابط المسؤول وسحب العنصرين إلى الداخل.

وفي وقت لاحق، أعلنت قوى الأمن الداخلي، في تغريدة عبر موقع "تويتر" إنه "تم اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق العنصر الذي تدخل في عمل العنصر المكلف تطبيق القانون داخل المطار"، مؤكدة أنّ "لا صحة لما يتم تداوله عن توقيف عنصر في المطار جراء تأديته لواجبه".

يختزل أحد موظفي المطار، سبب هذا الازدحام بكلمة "موسم" في إشارة إلى هذه الفترة من العام التي تشهد توافداً متزايداً على المطار بسبب تزامن توافد الحجاج من جهة، مع عودة عدد كبير من إجازاتهم الصيفية في بلدان عدّة، مشيراً إلى أن المطار بدأ يشهد هذه الظاهرة بمستويات متباينة منذ العام 2014، وأن هذا الأمر كان متوقعاً منذ مطلع شهر أب/أغسطس الماضي.

لكنّ هذه التبريرات لا تبدو مقنعة عند كثيرين. أحد المنتظرين يتدخل في الحديث مع موظف المطار، معلّقاً "البلد فوضى". يشكو الرجل الخمسيني الذي يقول إنه في انتظار وصول ابنته منذ ساعتين الحال قائلاً: "حال المطار لا يختلف عن حال البلد، فكل شيء يدار بعشوائية وفوضى وفساد"، مبدياً استيائه بالقول "يتحدثون عن السياحة… وهذه هي واجهة لبنان!".

الشكوى تبدو أكبر حين يتعلق الأمر بغير اللبنانيين، الذين ينتظرون فترة طويلة لإتمام إجراءات التأشيرات التي يسمح لبنان للوافدين بالحصول عليها من المطار. يقول محمّد، الذي يحمل الجنسية المصرية، والوافد إلى لبنان بغرض السياحة إن فترة انتظاره استغرقت أكثر من ساعة، بسبب الازدحام الكبير عند منافذ الأمن العام المخصصة لغير اللبنانيين.

إذا كان الضغط الذي تشهده صالة الوصول في مطار بيروت الدولي مقبولاً أو مبرّراً بعض الشيء، خصوصاً أن فرحة استقبال الوافدين تخفف من وطأته، فإنّ الوضع في صالة المغادرة يبدو كارثياً في صالة المغادرة، التي امتلأت بحشود المسافرين وحقائبهم، وسط حالة من الهرج والمرج، والتساؤلات المتعددة حول أسباب جلبة الفوضى هذه، وقلق مشترك بشأن مصير الرحلة في حال طال الانتظار.

تعليقات المسافرين تتخذ طابعاً اكثر حدّة، وتذهب في شتى الاتجاهات في تحميل المسؤوليات، وصولاً إلى إطلاق الشتائم بحق المسؤولين عن هذه "الفضيحة"، كما يسمّيها كثيرون.

يرفض أيّ من الموظفين في المطار الإجابة على التساؤلات بشأن ما يجري، فبعضهم لا يملك تفسيراً واضحاً، أو أنه غير مخوّل الحديث إلى الإعلام، فيما يبدي البعض الآخر انزعاجاً من وجود الصحافيين في المطار. أمّا خدمة الاتصال بمكتب الاستعلامات فلا تبدو أفضل حالاً، يتم وضع المتصل في حالة انتظار لأكثر من دقيقتين قبل أن يُقفَل الخط.

هذه الفوضى التي يصفها الكثير من المسافرين بـ"الجحيم"، تزايدت مساء أمس، حين توقف نظام المعلوماتية في المطار، عند الساعة الحادية عشرة من مساء أمس، بشكل مفاجئ حتى فجر اليوم، واضطر بسببه المسافرون إلى الانتظار لأكثر من ثلاث ساعات، وسط حالة من الاستياء الشديد، فيما أفادت مصادر من داخل المطار عن اضطرار العاملين إلى انجاز إجراءات الدخول إلى الطائرات يدوياً، فيما تمّ الإبلاغ عن تأخير بعض الرحلات لفترات تتراوح بين ساعتين وسبع ساعات، في حين أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط — الخطوط الجوية اللبنانية عن عن تأخير مواعيد إقلاع جميع رحلاتها اليوم "لأسباب خارجة عن إرادتنا".

كان قد صدر عن المديرية العامة للطيران المدني في مطار رفيق الحريري الدولي منتصف الليل بيان أشار إلى انه "عند الحادية عشرة من مساء الخميس الماضي الواقع في السادس من شهر أيلول/سبتمبر الحالي طرأ عطل على شبكة الاتصالات التابعة لشركة (سيتا) المشغلة لنظام الحقائب والركاب المغادرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي، ما أدى إلى توقف كلي لعملية التسجيل وازدحام في قاعات المغادرة وتقوم الوحدات المعنية بإصلاح الأعطال بالسرعة القصوى".

وأضاف البيان أن "إدارة المطار تتقدم من جميع المسافرين بالاعتذار عن هذا التأخير على أن يصدر لاحقا بيان عن المديرية العامة بآخر المستجدات".

وحمّلت المديرية العامة للطيران المدني شركة "سيتا" المسؤولية الكاملة للعطل الذي طرأ في أنظمة تسجيل حقائب الركاب المغادرين مؤكدة الاحتفاظ بحقها باتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركة.

لم يكن هذا الاعتذار الأول من جانب إدارة مطار بيروت للمسافرين، فوزير النقل نفسه سبق أن تقدّم باعتذار مماثل قبل أيام.

يقول موظف في إدارة المطار، تحدث لوكالة "سبوتنيك"، متحفظاً على ذكر اسمه لأسباب وظيفية، إن "ما يحدث في مطار بيروت كارثة بكل المقاييس"، عازياً ما يجري إلى مجموعة أسباب تتراوح بين "تهالك البنية التحتية" لهذا المرفق، و"فساد المسؤولين".

ويوضح الموظف إن "المسؤولين عن هذه الفضيحة يردّدون كلاماً كثيراً، يحمل الكثير من التبريرات الكاذبة".

ويشير الموظف إلى أن أسباب هذه "الفضيحة" تتوزع بين فئتين، الأولى تتعلق بسوء التنظيم من قبل إدارة المطار نفسها، والسبب الثاني يرتبط بالبنية التحتية وأعمال الصيانة والتطوير، التي تعثر إنجازها لأسباب مرتبطة بـ"المحاصصة السياسية" و"الفساد".

ويقول الموظف إن "القدرة الاستيعابية للمطار ليست بسيطة، فبحسب التصميمات التي تمّ اعتمادها في أعمال التوسيع في مطلع التسعينات، خلال عهد الرئيس رفيق الحريري، كان الحديث عن إمكانية استقبال 50 ألف مسافر يومياً، أي بمعدّل يقارب الألفي راكب يومياً، ولكنّ التكدّس يحدث اليوم حتى لو قارب عدد الوافدين 20 أو 30 ألفاً يومياً".

وبحسب الأرقام الرسمية، فإنّ حركة مطار بيروت سجلت ارتفاعا ملحوظا في أعداد الركاب خلال شهر تموز/يوليو الماضي، إذ بلغت 1022467 مسافراً، أي بمعدل 34 ألف مسافر يومياً، وهو عدد لا يتجاوز القدرة الاستيعابية للمطار المحددة بخمسين ألف راكب في اليوم.

ويشدد الموظف على أن "الفوضى تنظيمية في الأساس، ويرتبط بشكل خاص في عدم جدولة الرحلات بشكل يؤدي إلى توزيع ضغط المسافرين على مدار اليوم، والدليل على ذلك أن الحركة تكون سلسة في بعض الأوقات، ومزدحمة إلى درجة كبيرة خلال أوقات أخرى".

ويضيف الموظف أسباباً "لا يحتاج المرء إلى جهد كبير لرصدها"، وأبرزها عدم تشغيل كل ماكينات المسح الضوئي المتوافرة بسبب النقص في عدد الموظفين، وهو أمر يعزوه إلى "المحاصصة الطائفية والسياسية التي تعطّل غالباً مسألة التوظيف، أو أنها تأتي بموظفين لا يتمتعون بالكفاءة، ويتم تعيينهم بالمحسوبيات".

وعلاوة على ذلك، يشير الموظف إلى تهالك البنية التحتية، بما يشمل الكثير من مرافق المطار، وهي تحتاج إلى نفقات تقدر بنحو 88 مليون دولار، لا يزال صرفها معطّلاً بسبب "المناكفات السياسية" و"الفساد المعروف" على حد قوله


مواضيع:


الأخبار الأخيرة