صحيح أن التحالف الأميركي التركي في خطر، لكنه لم يمت بعد.. صحيفة أميركية تكشف «خارطة الطريق» لإنقاذه مرة أخرى

  15 سبتمبر 2018    قرأ 1289
صحيح أن التحالف الأميركي التركي في خطر، لكنه لم يمت بعد.. صحيفة أميركية تكشف «خارطة الطريق» لإنقاذه مرة أخرى

رأى الكاتب الأميركي ماثيو ريسينير أنَّ التحالف بين الولايات المتحدة و تركيا في خطرٍ بسبب الاختلاف حول القضية السورية، وقرار تركيا شراء نظام الدفاع الصاروخي المضاد للطائرات S-400 من روسيا -رغم إعراب الولايات المتحدة عن اعتراضها على تلك الخطوة.

الكاتب الأميركي قال في مقالة نشرها بصحيفة The National Interestالأميركية،  إنه في الشهر الماضي (أغسطس/آب 2018)، أقرَّت إدارة ترمب رسوماً جمركية كُبرى على الصلب والألمونيوم القادم من تركيا، بعد أيامٍ فقط من فرضهاعقوباتٍ اقتصادية على تركيا كذلك، رداً على استمرار حبسها القس الأميركي أندرو برانسون على خلفية تهمٍ مُلفَّقة بالتجسُّس. وفي الأسبوع الماضي فحسب، جادلدوغ باندو الزميل الأقدم بمعهد كاتو الأميركي للأبحاث، في مقالٍ بمجلة The National Interest الأميركية، بأنَّ الوقت قد حان لدَفن جُثة التحالف الأميركي-التركي للأبد.

العلاقات الأميركية التركية لم يفت أوان إنقاذها بعد
الكاتب الأميركي قال إن الفوز الانتخابي الأخير الذي حقَّقه أردوغان، والحالة الضعيفة التي عليها الاقتصاد التركي، والاحتياج المتناقص للتدخُّل الأميركي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كل ذلك يخلق فرصةً حقيقية لكلا الطرفين كي يُصلِحا تحالفهما بشكلٍ مُجدٍ قبل أن يتدهور الوضع بدرجةٍ أسوأ.

وبينما يحمل كلا الجانبين التركي والأميركي ضغائن مشروعة أحدهما تجاه الآخر، يظل التحالف الأميركي-التركي يستحق محاولة الإبقاء عليه.

تُظهِر العلاقة الطويلة والمُنتِجة بين تركيا والولايات المتحدة أنَّ بإمكانها التعافي من تصدُّعاتٍ كانت أخطر من تلك التي تواجهها علاقة الدولتين الآن.

انضمَّت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952 إثر مخاوف من تعدٍّ سوفييتي، واضطلعت مذاك الحين بدور الحليف الجيوسياسي المهم لصالح كتلة الغرب. ومع ذلك، اختُبرِت هذه الشراكة على نحوٍ عصيب في عام 1975، عندما فرضت الولايات المتحدة حصار أسلحةٍ على تركيا رداً على غزو الأخيرة جزيرة قبرص؛ ما دفع تركيا لأن تمنع أميركا من الوصول لقرابة جميع قواعدها العسكرية في البلاد.

وبعد 3 أعوامٍ من التوتُّر المتصاعد، تصرَّفت إدارة كارتر بأن رفعت الحصار عن تركيا، مدركةً أن منافع التحالف الأميركي مع تركيا كانت مهمةً بما فيه الكفاية إلى درجةٍ تبرِّر أن تقوم الدولتان بمحاولةٍ صادقة لإصلاح العلاقة الدبلوماسية المتصدعة بينهما.

لكن يجب الاعتراف بحقيقة الملفات الشائكة بين البلدين وعلى رأسها سوريا ووحدات حماية الشعب الكردية المدعومة أميركياً
يمكن القول إنَّ سوريا هي نقطة الخلاف الأهم بين الحليفين. في القتال ضدّ «داعش»، سلَّحت ودعمت أميركا وحدات حماية الشعب، وهي ميليشيات كردية تشكِّل الكتلة الغالبة من قوات سوريا الديمقراطية.

كانت وحدات حماية الشعب قوةً لا غنى عنه على أرض المعركة في قتال «داعش»، لكنَّ دعمها المزعوم لحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة انفصالية في حربٍ مع تركيا منذ أربعين عاماً، أثار مخاوف تركية من صعود قوةٍ عسكرية قومية كردية قد تهدِّد حدود تركيا الجنوبية.

ترى تركيا الدعم الأميركي للأكراد بمثابة مساندةٍ لقيام منطقةٍ كردية مستقلة في سوريا قد تهدِّد بدورها وحدة الأراضي التركية وسيطرتها على سكَّانها الأكراد، في حين ترى أميركا الهجمات التركية على وحدات حماية الشعب باعتبارها سلوكاً قد يأتي بنتائج عكسية في المعركة الأشمل ضد «داعش».

المؤكَّد أنَّ تركيا أصبحت مصدر إزعاجٍ للسياسة الخارجية الأميركية، لكنَّها تظل حليفةً عسكرية شديدة الأهمية لها.

تمتلك تركيا ثاني أكبر جيش بين جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي، وهي مركزٌ للمقر الدائم لقوَّات الناتو البرية، بالإضافة لاحتوائها على مكوِّناتٍ حساسة من نظام رادار الدفاع الصاروخي للتحذير المبكر.

كذلك يوجد للولايات المتحدة حضورٌ قائم في قاعدة إنجرليك الجوية (المُستخدَمة بشكلٍ مُتكرِّر في الحرب ضد داعش) التي يوجد بها أسلحة نووية أميركية تكتيكية سمحت للولايات المتحدة بممارسة سلطةٍ عسكرية في الشرق الأوسط، في حين تقدِّم الحماية كذلك لحلفائها الإقليميين.

ومع ذلك فموقع تركيا الجغرافي وقوتها العسكرية يعتبران كنزاً يجب على أميركا استغلاله
إنَّ قوة تركيا العسكرية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي بصفتها جسراً بين أوروبا وآسيا يجعلانها ذات قيمة لا غنى عنها بالنسبة لأميركا ولـ»الناتو» على حدٍّ سواء، والأكيد أنَّ الإبقاء على هذا الكنز الثمين لهو أمرٌ في مصلحة أميركا القومية.

بالإضافة لذلك، فإنَّ الطلاق الدبلوماسي الأميركي من تركيا يُحتَمَل أن يُرسِّخ من وطائِد العلاقة النامية بين تركيا وروسيا. إنَّ الرغبة التركية في تجنُّب شراء نظام دفاعٍ صاروخي مُدمَج في أنظمة «الناتو»، مفضّلةً نظام S-400 الروسي، تثير مخاوف بأن يكون بمقدور روسيا أن تتحصَّل على بياناتٍ تقارن مؤهلات الطائرة الشبح F-35 أميركية الصنع في مواجهة النظام الروسي.

كذلك يدعو هذا للقلق حيال ما إن كان الالتزام التركي بحلف شمال الأطلسي يخبو. وفي نهاية الأمر، فإنَّ روسيا تسعى لتقويض قوة ونفوذ حلف شمال الأطلسي بشرق أوروبا، في حين تحمِي بدورها الوجود والنفوذ الروسي بالشرق الأوسط.

تعرف موسكو جيّداً أنَّ الحلول محلّ الولايات المتحدة بصفتها الضامن الرئيسي للأمن التركي خطوةٌ من شأنها أن تُقارِب تحقيق هذه الأهداف بشكلٍ جم.

ومع ذلك، فإنَّ من مصلحة تركيا هي الأخرى أن تصلِح علاقتها من الولايات التحدة. وفي حين تمثِّل دول الغرب نحو ثُلثي حجم تجارتها، مع تركيا، فإنَّه سيكون توقيتاً فادح السوء أن تتعرَّض لخسائرٍ أكثر في علاقاتها مع شركائها بحلف شمال الأطلسي.

وهذه خارطة الطريق لإصلاح العلاقات بين البلدين مرة أخرى
الخطوة البسيطة الأولى تجاه دَفع أردوغان لسَلك طريق التقارب مع واشنطن، هي تعيين سفيرٍ لتركيا، وهو منصبٌ ظلَّ شاغراً منذ عام 2017، خاصة أنَّ غياب سفيرٍ أميركي لتركيا يُصعِّب خلق إطارٍ مُجدٍ لتسوية الخلافات القائمة بين الدولتين، وواقع أنَّ أميركا لم تشغَل هذا المنصب منذ نحو العام يُعلِم تركيا أنَّ إصلاح التحالف بين البلدين لا يتصدَّر قائمة أولويات أميركا.

إنَّ المخاوف الأميركية المتعلِّقة بنظام S-400، وتوقيف مواطنين أميركيين في تركيا، كلها قضايا مهمة يجدر التطرُّق لها، وسيكون لدى أميركا احتمالٌ أكبر بالتوصُّل لتسوياتٍ مناسبةٍ بكلٍ من هذه القضايا إذا بدت ملتزمة كلياً بالعملية الدبلوماسية أكثر ممَّا سيكون بفرضها رسومٍ جمركية عِقابية تأتي بنتائج عكسية.

على الولايات المتحدة كذلك أن تتطرَّق إلى الأسئلة السورية والكردية التي امتدَّت منها جذور علاقتها السيئة مع تركيا. خلق تدمير خلافة «داعش» في سوريا فرصةً لتركيا وأميركا بإعادة التفاوض في شروط علاقتيهما مع وحدات حماية الشعب.

وفي حين يتحتَّم على الولايات المتحدة الاستمرار في دعم الحوار والتعاون مع الجماعات السورية الكردية، إلَّا أنَّه يجب عليها كذلك الإسراع بعملية استعادة الأسلحة الأميركية التي أمدَّت وحدات حماية الشعب بها.

وعلاوة على ذلك، على أميركا أن تفرض شرطاً مُسبَّقاً على أيِّ دعمٍ مستقبلي لوحدات حماية الشعب بأن تقطع صلتها بحزب العمال الكردستاني.

بالإضافة لذلك، قد تعرض واشنطن أن تعمِّق التعاون القائم بمشاركة الجهود الاستخباراتية مع تركيا لتُساعدها في وَقف تدفُّق المال والأسلحة إلى حزب العمال الكردستاني عبر حدود سوريا كثيرة الثغرات.

ولأنَّه لم يعُد بمقدور «داعش» الاستيلاء أو إبقاء السيطرة على أيٍّ من الأراضي السورية، لم تعد الولايات المتحدة بحاجةٍ لأن تعامل وحدات حماية الشعب بصفتها قوةً وكيلة تُحرِّر المناطق المحتلَّة.

يعني هذا أنَّه يجب على واشنطن أن تبيِّن لتركيا أن الدعم الأميركي لحماية الأكراد السوريين لا يمتد لدعمٍ لقيام دولة كردستان مستقلة أو تحالفٍ بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني.

يمكن للولايات المتحدة أن تُظهِر المزيد من الالتزام تجاه تركيا بأن تمهِّد لإعادة فتح محادثات السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، تلك التي تداعت في عام 2015 إثر تدخُّل تركيا في سوريا. ستكون محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني مطوَّلة، وصعبة، ولن تقدم أي ضمانٍ بنجاحها، لكن إظهار أن أميركا مستعدة للوقوف في صفِّ تركيا خلال فترة هذه العملية سيحسِّن بالتأكيد احتمال إحراز تقدُّمٍ ما.

تعهَّدت الولايات المتحدة بإصلاح علاقتها مع تركيا في عام 1978، والآن يتوجَّب عليها أن تكون على استعدادٍ لتقديم تعهُّدٍ مماثل في عام 2018.

إنَّ عملية الحفاظ على التحالف الأميركي-التركي ستكون عمليةً معقَّدة تتطلَّب دبلوماسيةً حذرةً وحاذقة. في نهاية الأمر، قد لا يلتئم الضرر الذي تمَّ بالفعل بين الدولتين كلياً، خاصةً إن تبدَّت عدم رغبة أردوغان في التنازل حتى في وجه النشاط الدبلوماسي الأميركي بشكله الجديد. ومع ذلك، فإنَّ التحالف الأميركي مع تركيا أنفع من أن تدفنه الولايات المتحدة دون أن تبذل كلَّ جهدٍ ممكن لإنعاشه أولاً.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة