يُذكَر أن السعودية سحبت سفيرها لدى ألمانيا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي 2017 بعد أن انتقد وزير الخارجية الألمانيُّ آنذاك زيغمار غابرييل السياسة السعودية الخارجية، في لبنان أثناء زيارته بيروت. وأشارت وكالة Reuters إلى أن القيود التي فرضتها السعودية على العلاقات التجارية مع ألمانيا بداعي النزاع قد تسبَّبت في هبوط الصادرات الألمانية إلى السعودية بنسبة 5% في النصف الأول من العام الجاري 2018.
وعلَّق على الأمر سيباستيان سونز، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والزميل المشارك في المجلس الألمانيِّ للعلاقات الخارجية، في تصريحٍ إلى قناة DW الألمانية قائلاً: «كان ذلك الاجتماع هو ثمرة سلسلةٍ من المباحثات بين كلا وزيرَي الخارجية، ولذلك فهو نتاج جهودٍ متواصلةٍ لأجل حلِّ الأزمة».
هذا وقد أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على مدار الأشهر الماضية، عدَّة اتصالاتٍ بوليِّ العهد السعوديِّ محمد بن سلمان لأجل توطيد العلاقات بين برلين والرياض.
ألمانيا «بحاجة» إلى تعاون السعودية
وتابع سونز تصريحاته قائلاً: «ألمانيا بحاجةٍ إلى تعزيز تعاونها مع المملكة لأجل العمل على الصراعات الإقليمية مثل سوريا والعراق واليمن، ولكن أيضاً للعمل على مجهودات مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار».
وتتمتَّع الدولتان بعلاقةٍ اقتصاديةٍ ديناميكية. إذ أشار سونز إلى أن السعودية تُعتَبَر جهةً «مغريةً» للشركات الألمانية، وتعمل بها قرابة 800 شركةٍ في الوقت الحاليِّ، فضلاً عن أن السعودية تسعى أيضاً إلى تنويع اقتصادها والحدِّ من الاعتماد على البترول تحت حكم وليِّ العهد محمد بن سلمان، الأمر الذي يشجِّع الألمانيين على إمكانية الاستثمار في الاقتصاد السعوديِّ.
ولكن ما زالت هناك عقباتٌ أمام العلاقة؛ إذ صرَّح حمدان الشهري -الأكاديميُّ السعوديُّ المتخصص في العلاقات الدولية والمحلل السياسي- لقناة DW بأنه متخوِّفٌ من العلاقات التجارية المستمرة بين ألمانيا وإيران، التي تُعَد الخصم الإقليميّ للرياض. وأضاف أن الدول التي تُعَزِّزُ روابطها مع إيران يمكن في مقابل ذلك أن «تفقد قدرتها على توطيد العلاقات مع السعودية».
بيع أسلحةٍ إلى السعودية «فعل شائن»
في الأسبوع الماضي، أتَمَّت ألمانيا بيع أربعة أنظمةٍ لتحديد المواقع المدفعية إلى السعودية. وجاءت هذه الصفقة على الرغم من الحظر الذي فرضته ألمانيا على بيع الأسلحة إلى دول الخليج المُشارِكة في حرب يخوضها الحوثيون ومن خلفهم إيران ضد الحكومة الشرعية ومن خلفها السعودية والإمارات. وأردف سونز: «لا يخدم بيع الأسلحة إلى السعودية المصالح السياسية لألمانيا». واقترح بدلاً من ذلك أن تجد ألمانيا والسعودية مجالاتٍ أخرى للتعاون، مثل زيادة حجم الاستثمار الألمانيِّ في الطاقة المتجدِّدة السعودية أو الشركات الناشئة.
أمَّا من جانبه، كان مدير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي أشدَّ قسوةً بكثيرٍ في انتقاده. إذ وَرَدَ في حديثه إلى DW قوله: «إن إرضاء الحكومة السعودية ببيع أسلحةٍ لهم تساعد على ارتكاب جرائم ضد الشعوب في الدول المجاورة لهو فعلٌ شائنٌ».
ومن ناحيته يؤمن سونز بأنَّ على المسؤولين الألمانيين مواجهة السعودية بشأن سجلها في حقوق الإنسان، ولكن بدبلوماسيةٍ حذرة فقط؛ إذ قال: «يجب على ألمانيا تناول القضايا الحسَّاسة إذا كانت مستعدةً للسير على نهج سياسةٍ خارجيةٍ تهدف إلى ترسيخ القيم. لكنَّ هذه المناقشات الحَرِجَة يجب أن تُجرى وراء الأبواب المغلقة عوضاً عن الجَهرِ بانتقاد السعودية على الملأ أمام الجمهور الألماني بغية الظَّفرِ بالدعم المحلي».
السفير يعود بعد أزمة استمرت 10 أشهر
وكانت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة أعلنت الثلاثاء 25 سبتمبر/أيلول 2018، أن السعودية ستُعيد سفيرها إلى ألمانيا، لتنهي بذلك أزمة دبلوماسية استمرت 10 أشهر بين البلدين ونجمت عن انتقاد وجّهه وزير ألماني لسياسة المملكة في لبنان.
وكانت الرياض استدعت سفيرها في برلين في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 احتجاجاً على تصريح أدلى به وزير الخارجية الألماني في حينه سيغمار غابرييل ولمّح فيه إلى أنّ المملكة احتجزت رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وأرغمته على تقديم استقالته.
وعقد وزير الخارجية الألماني الجديد هايكو ماس، الثلاثاء، اجتماعاً مع نظيره السعودي عادل الجبير، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، قال في أعقابه إنّ «علاقاتنا شهدت خلال الأشهر الماضية (خلافات ناجمة عن) سوء فهم تتناقض بشدّة مع العلاقات القوية والاستراتيجية التي تربط بيننا، ونحن نأسف حقاً لذلك».
وأضاف ماس: «كان علينا أن نكون أكثر وضوحاً في تواصلنا (…) السعودية تلعب دوراً مهماً في سبيل السلام والاستقرار في المنطقة والعالم».
من جهته، لفت الجبير إلى «الدور القيادي للبلدين في الأمن والاقتصاد الدوليين»، ودعا نظيره الألماني إلى زيارة المملكة «في أسرع وقت ممكن» لإعطاء دفعة جديدة للتعاون الثنائي بين البلدين.
وتشهد علاقات السعودية بعدد من الدول تعقيدات مردّها خصوصاً إلى انتقادات توجّهها هذه الدول إلى أوضاع حقوق الإنسان في المملكة.
مواضيع: