مصر بشَّرت مواطنيها بتحقيق الاكتفاء من الغاز.. لكن تقلب أسعار النفط سيدفع الحكومة إلى خيارات صعبة

  03 اكتوبر 2018    قرأ 1202
مصر بشَّرت مواطنيها بتحقيق الاكتفاء من الغاز.. لكن تقلب أسعار النفط سيدفع الحكومة إلى خيارات صعبة

حالما حقَّقت مصر طفرةً بارزةً في استعادة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي واجهت مأزقاً آخر في سوق الطاقة، يُهدِّد بتوجيه ضربةٍ جديدة إلى مواردها المالية الحكومية الهشَّة

إذ تعني زيادة الإنتاج بستة أضعاف في حقل ظهر البحري العملاق، أنَّ مصر صارت قادرةً الآن على تلبية احتياجاتها المحلية. ويمكن أن تُوفِّر الحكومة الآن نحو ملياري دولار سنوياً، بعدما تسلَّمت الشحنة الأخيرة من الغاز الطبيعي المسال باهظ الثمن، في الأسبوع الماضي، على حد قولها. لكنَّ هذه الانفراجة قد لا تدوم كثيراً حسبما قال تقرير وكالة Bloomberg الأميركية.

إذ تفترض ميزانية مصر المُخصَّصة للسنة المالية 2018-2019، أنَّ سعر النفط يساوي 67 دولاراً للبرميل، لكنَّ سعر برميل النفط الخام تجاوز 80 دولاراً بالفعل، مما يُهدِّد الخطط الرامية إلى خفض العجز في إطار برنامج إصلاح اقتصادي مدعومٍ بقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.

الحكومة أمام خيارين كلاهما صعب، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط عالمياً
يُشكِّل ذلك أيضاً معضلةً للحكومة، التي تسعى للتخلُّص التدريجي من دعم الوقود، حتى رفعه تماماً بحلول منتصف العام المقبل 2019، ويضعها أمام خيارين أحلاهما مُرُّ: إمَّا إثقال كاهل السكان برفع الأسعار بوتيرةٍ أعلى وأسرع مما كان متوقعاً، أو التخلي تماماً عن هدف خفض العجز.

وقالت سلمى حسين، الباحثة في منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي يقع مقرها في العاصمة المصرية القاهرة: «الأمر يتلخَّص في خيارٍ سياسي أمام الحكومة: إما أن ترفع الأسعار بحدة وتواجه استياءً اجتماعياً، أو تجد مصادر تمويل أخرى مثل زيادة الضرائب على الأغنياء. ومن المرجح أن تختار الحكومة ما فعلته في العامين الماضيين: زيادة الاقتراض، بالإضافة إلى خفض الدعم والأجور».

 

وقد شهد الشعب المصري، الذي يبلغ نحو 100 مليون نسمة، انهياراً حاداً في قيمة الدخول منذ تعويم الجنيه في عام 2016، مما رفع معدل التضخم إلى أكثر من 30% في الكثير من فترات العام الماضي 2017. وشهدت البلاد ثلاث مراحل من تخفيض دعم الوقود منذ ذلك الحين، ومن المؤكَّد أن رفع الدعم بالكامل سيُشعِر الأسر المصرية بمزيدٍ من الألم.

ويبدو أن القاهرة ستلجأ في النهاية إلى دوامة الاقتراض من جديد
تواجه مصر بالفعل صراعاً شاقاً لبلوغ هدفها المتمثل في تقليص عجز الميزانية إلى 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية أو منتصف العام المقبل، إذ يتهرَّب المستثمرون الأجانب من سندات الخزانة التي تصدرها الحكومة بالجنيه المصري، وارتفعت تكلفة الاقتراض الحكومي منذ بداية السنة المالية، في شهر يوليو/تموز الماضي.

جديرٌ بالذكر أنَّ كلَّ دولار إضافي فوق سعر النفط المُحدَّد في الميزانية يُترجَم إلى 4 مليارات جنيه (222 مليون دولار) في النفقات الإضافية سنوياً. وتعتزم الحكومة إنفاق 89 مليار جنيه على دعم الوقود في العام الحالي 2018، وقد يتضاعف هذا الرقم إذا استمرَّ النفط في الارتفاع. وبموجب بعض التقديرات الرسمية، سيصل العجز المالي إلى 439 مليار جنيه في العام الجاري.

وسيعاني كذلك الميزان التجاري المصري في ظلِّ احتمالية تبديد المكاسب الناتجة عن إنهاء واردات الغاز الطبيعي المسال. وستتراوح الزيادة في عجز الحساب الجاري المصري بين مليار دولار و1.2 مليار دولار عن كل 10 دولارات إضافية في سعر النفط، وفقاً لتقديرات محمد أبو باشا، رئيس قسم التحليل الكلي في بنك المجموعة المالية هيرميس الاستثماري.

وأضاف أبو باشا أنَّه على الرغم من أنَّ زيادة الإيرادات من صادرات مصر النفطية ينبغي أن تُخفِّف بعضاً من حدة التأثير الواقع على الميزانية وميزان المدفوعات بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام، فإنَّ التأثير الإجمالي سيكون سلبياً على الأرجح.

 

وذكرت المجموعة المالية هيرميس، أنَّ أسعار النفط إذا استقرت فوق 80 دولاراً، فإنَّ الارتفاع المُخطَّط له في أسعار الوقود في منتصف العام المقبل سيكون «أكثر تكلفةً وفقاً لمنظور التضخُّم». وأضافت أنَّ ذلك يعني بدوره أنَّ أسعار الفائدة -التي كان من المُقرَّر أن تنخفض في السنة المالية الحالية- ستظل مرتفعةً لفترةٍ زمنية أطول على الأرجح.    

بينما لا تُبشِّر التوقُّعات النفطية بالخير لمصر، فإنَّ البلاد بدأت تبرز بسرعة بصفتها مركزاً إقليمياً لإعادة تصدير الغاز إلى جيرانها، إذ مهَّدت صفقتان أبرمتهما مصر مؤخراً الطريق أمامها للحصول على الغاز من إسرائيل وقبرص، من أجل إسالته وشحنه إلى أوروبا على الأرجح.

وقال هاني فرحات، الخبير الاقتصادي البارز في شركة سي آي كابيتال القابضة بالقاهرة، إنَّ تحقيق الاكتفاء الذاتي لا يسمح فقط لمصر بتقليل الواردات بنحو 2 مليار دولار سنوياً «بل سيزيد أيضاً الاستثمار المباشر في الصناعات المرتبطة بالطاقة».


مواضيع:


الأخبار الأخيرة