وانسحبت الإدارة الأميركية من اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في مايو/أيار وستعيد بشكل منفرد فرض عقوبات على مستهلكي النفط الخام الإيراني في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني. وتهدف هذه العقوبات لإجبار طهران على وقف تدخلها في سوريا والعراق وإنهاء برنامجها للصواريخ الباليستية.
وتقول إيران إنها التزمت بالاتفاق النووي الذي أبرمته عام 2015 مع خمس دول كبرى بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه، إن الإدارة «في خضم عملية داخلية» لدراسة منح إعفاءات للتخفيضات الكبيرة. وكانت تلك أول مرة يقول فيها مسؤول أميركي إن الإدارة بصدد دراسة منح إعفاءات. وقال وزير الخارجية مايك بومبيو في الهند الشهر الماضي، إن الإدارة ستدرس منح إعفاءات وإن بعض مشتري النفط الإيراني سيستغرقون «بعض الوقت» لوقف تعاملهم مع إيران.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، يوم الخميس، إن هدف الإدارة هو عدم منح إعفاءات «وتراجع صادرات النفط والغاز والمكثفات الإيرانية إلى صفر». وأضاف أن الإدارة لن تحقق ذلك بالضرورة. وقال المسؤول إن الإدارة «مستعدة للعمل مع الدول التي تخفض وارداتها على أساس كل حالة على حدة».
الاتحاد الأوروبي وضع خطة
وكان الاتحاد الأوروبي أعلن خططاً لإنشاء قناة مدفوعات خاصة للنفط الخام المستورد من إيران، لكنَّ المسؤولين التنفيذيين ومحامي شركات النفط قالوا إنَّ الخطوة رمزيةٌ إلى حدٍ كبير؛ نظراً إلى عدم وجود ضمانات بأنَّ الآلية ستحمي كبرى الشركات متعددة الجنسيات من العقوبات الأميركية. فقال باتريك بويانيه، الرئيس التنفيذي لشركة Total، الأسبوع الجاري، إنَّ شركة النفط الفرنسية لن تنضم إلى جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى تجاوز العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
وقال في مؤتمر عُقِد بروسيا: «لا نستطيع المخاطرة بمنعنا من استخدام النظام المالي الأميركي».
الحكومات تريد بقاء الاتفاق، والشركات تخشى المصير
ويؤكد رفض الشركات هذه الجهود الصعوبات التي تواجهها الحكومات الأوروبية، التي تحاول إبقاء الاتفاق النووي الإيراني المهم مستمراً في مواجهة العقوبات الأميركية المنتظرة إعادة فرضها على صادرات النفط الإيرانية والبنك المركزي الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وتشمل قائمة كبرى الشركات الأوروبية المستوردة للنفط الإيراني كلاً من Total الفرنسية، وEni وSaras الإيطاليتين، وCEPSA وRepsol الإسبانيتين، و Hellenic Petroleum اليونانية. بيد أنَّ الولايات المتحدة تعهَّدت بمعاقبة أي شركة ترفض الإذعان للعقوبات المفروضة على إيران.
وانسحبت عدة شركات كبرى من إيران رغم أنَّ حكوماتها تسعى للحفاظ على العلاقات التجارية، التي لعبت دوراً حيوياً في إقناع طهران بكبح نشاط برنامجها النووي بموجب الاتفاق النووي المبرم في 2015، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقال المتحدث باسم شركة Eni: «لم يعد لدينا أي وجود في إيران، وعقودنا ستنتهي في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بشكلٍ طبيعي. سنلتزم تماماً بالعقوبات والقواعد كافةً التي يُقرِّرها المجتمع الدولي».
مخاطر العقوبات الأميركية
قالت شركة تكرير النفط الإسبانية «CEPSA»، إنَّ النفط الإيراني شكَّل نحو 13% من حجم مشترياتها في 2017 والنصف الأول من 2018، وحذرت في نشرة إصدار لها، الأسبوع الجاري، من المخاطر التي تفرضها هذه العقوبات على أنشطتها. ومن المقرر أن تستقبل مصفاة تكرير تابعة لشركة CEPSA في إسبانيا مليون برميل نفط من ناقلة نفط إيرانية تحمل اسم Monte Udal، منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأكَّد المتحدث باسم الشركة أنَّ هذه الشحنة ستكون الأخيرة من إيران.
وقال مديرٌ تنفيذي في صناعة النفط: «ستفكر جميع الشركات في مصلحة مساهميها أولاً، بغض النظر عما يفعله الاتحاد الأوروبي. لن يخاطر أحدٌ بمخالفة العقوبات الأميركية».
وتُظهِر بيانات شركة Kpler، وهي شركة تتبع حركة ناقلات النفط، تراجُع شحنات النفط الإيراني إلى أوروبا؛ إذ هبطت إلى 422 ألف برميل في سبتمبر/أيلول 2018، مقارنة بـ843 ألف برميل في العام السابق له (2017)، وهو أدنى مستوى منذ مطلع 2016.
وكشفت بقية الدول المُوقِّعة على الاتفاق النووي، الأسبوع الماضي، النقاب رسمياً عن خطة تقودها أوروبا تهدف إلى إنشاء آلية ذات غرضٍ خاص، ترمي إلى الحفاظ على العلاقات التجارية مع إيران، وضمن ذلك صادرات النفط. يُذكر أنَّ الدول التي وقَّعت الاتفاق النووي تضم كلاً من الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى إيران والولايات المتحدة.
وقالت فيديريكا موغيريني، منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إنَّ قناة المدفوعات الجديدة من شأنها «تسهيل المعاملات المالية المشروعة مع إيران»، للسماح للشركات في أوروبا، وربما خارجها، بمواصلة أنشطتها التجارية في إيران.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، للصحافيين، الأسبوع الماضي، إنَّه يأمل التوصل إلى اتفاقٍ يسمح لطهران بـ»بيع نفطنا والحصول على الإيرادات».
إيران تواصل بيع النفط
وتُصِرُّ طهران على أنَّ صادراتها النفطية لن تُوقَف، وتأمل أن تظل قادرة على بيع النفط الخام للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في أوروبا، التي لا تملك إلا روابط تجارية محدودة مع الولايات المتحدة.
لكنَّ جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، سخِر من الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، واصفاً إياه بـ»القويّ قولاً والضعيف فعلاً»، مشيراً إلى أنَّ الآلية المقترحة ذات الغرض الخاص غير موجودة، ولا يوجد أي موعد رسمي محدد لإنشائها. وأضاف: «لا ننوي السماح لأوروبا أو أي كيانٍ آخر بالتملّص من عقوباتنا».
ولم يكشف مسح أجرته صحيفة The Financial Times البريطانية، وشمل 10 مديرين تنفيذيين لشركات نفطية، عن نية أي منهم مواصلة شراء النفط الإيراني والمخاطرة بردِّ فعلٍ انتقامي من جانب واشنطن.
وأسهم التهديد بالعقوبات في رفع أسعار النفط، فوصل سعر خام برنت إلى 86 دولاراً للبرميل الأسبوع الجاري، وهو أعلى مستوى له منذ 4 سنوات.
وقال روجر ماتيوس، محامٍ ومتخصص بملف العقوبات لدى شركة المحاماة الدولية Dechert: «تهتم الشركات التي تُعَد من اللاعبين الدوليين بحضورها في الولايات المتحدة، وفي الغالب تهتم بذلك أكثر بكثير من أنشطتها المحدودة في إيران. بالنسبة للاعبين الأكبر، تصعب رؤية الكيفية التي ستُحدِث بها قناة المدفوعات هذه فارقاً كبيراً».
الشركات قلقة للغاية
وقال بيرت هيليز، خبير في شؤون الشراكة والعقوبات لدى شركة المحاماة الدولية Reed Smith، إنَّ «حجم القلق غير العادي» بين الشركات الكبيرة من «الوقوع في الشَّرك الإيراني» بسبب العقوبات، صعَّب مشاركة أي منها في نظام الدفع المالي مقابل النفط المقترح.
واعترف بعض الدبلوماسيين الأوروبيين سراً طيلة شهور، بأنَّ خططهم تُمثِّل محاولةً رمزية جزئية لإيصال إشارة إلى إيران، مفادها أنَّهم يواصلون التزامهم بالاتفاق النووي. وقال وزير بإحدى حكومات الاتحاد الأوروبي، مُتحدِّثاً عن الإجراءات الأوروبية المضادة للعقوبات الأميركية: «تتخذ الشركات قراراتها الخاصة بها. لكن عملياً، من المستبعد أن ترغب الشركات الكبرى في الإقدام على أية مخاطرة، لكن الخيار يعود لها».
مواضيع: