تيريزا ماي تتحسس جبينها.. وحكومتها المتهالكة!

  15 نفومبر 2018    قرأ 592
تيريزا ماي تتحسس جبينها.. وحكومتها المتهالكة!

لم يخطر على بال أحد أنه بعد 29 شهراً من استفتاء بريكست، سيصبح الحدث ليس انسحاب بريطانيا من أوروبا، بل خروج المملكة من جلدها وتهديد هذه الخطوة لوحدتها ولحكومة تيريزا ماي المتهالكة.

 

وبينما ترتفع أصوات متهمة حكومة ماي "بالخضوع" و"العبودية" و"التفريط" بسيادة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، تتواصل عمليات قفز الوزراء المحافظين من مركب الحكومة الغارق، ويتوالى  تقديمهم لاستقالاتهم،فبعد إعلان وزير شؤون بريكست، دومينيك راب، اليوم الخميس، استقالته من حكومة ماي وذلك احتجاجا على مشروع اتفاق "بريكست"، استقال اليوم أيضا الوزير المكلف بشؤون أيرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية شايليش فارا.

فعندما صوت البريطانيون على الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016، كان النقاش يتركز في معظمه على ما قد تربحه أو تخسره بريطانيا اقتصادياً ومالياً وسياسياً، من القرار، لكن ما حدث هو زيادة الانقسامات الداخلية حول "بريكست" الذي دخل مرحلة أشد حدة مع الإعلان يوم الثلاثاء، عن التوصل إلى مسودة اتفاقية بين المفاوضين البريطانيين والأوروبيين بشأن ترتيبات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

رئيسة الوزراء البريطانية تبدو في ظل هذا الوضع كمن أسقط في يدها، فعدا الانقسامات العنيفة والاستقالات المتلاحقة التي ترمى في وجهها، تشعر أن حكومتها المنقسمة، كما منصبها الذي وصلت إليه بفضل بريكسيت، مهددين من الخصوم المحيطين بها من كل جانب.

فالسيدة ماي حتى لو نجحت في الحصول على تأييد الحكومة القسري لمسودة الاتفاقية، على قاعدة مجبر أخاك لا بطل، تعرف أنها ستواجه معركة أشرس للحصول على تأييد البرلمان الذي يغلي بالجدل والانقسامات، ولا تبدو الغالبية فيه مستعدة لتأييدها. حزب العمال المعارض تحت قيادة جيريمي كوربين، لا يمكن أن يمنح ماي طوق نجاة وهو يرى فرصة لإسقاطها ودفع حزبها نحو المزيد من الاقتتال الداخلي. فالعمال يأملون في أن تؤدي أزمة الحكومة إلى انتخابات جديدة مبكرة يعتبرونها فرصة للقفز إلى السلطة، ومساعدة ماي للخروج من الورطة ليست واردة لأنها لا تخدم حساباتهم ومصلحتهم.
كما أن الجناح اليميني المؤيد لـ"بريكست" داخل حزب المحافظين لا يمكن أن يؤيد صفقة يعتبرها "خيانة" لقرار استفتاء 2016 بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ويرى في مشروع الاتفاق الذي توصلت إليه ماي مع مفاوضي الاتحاد الأوروبي "خضوعاً تاماً" من الحكومة لبروكسل، وإبقاءً لبريطانيا تحت هيمنة القرارات الأوروبية لأجل غير مسمى في ظل الاتفاق على البقاء في الاتحاد الجمركي لتجاوز عقبة اتفاق "الجمعة الحزينة" والحدود الآيرلندية.

تيريزا ماي تنتظر شبه وحيدة على قارعة بريكسيت ومنظرها يدعو للشفقة عندما تتحسس جبينها ولا تعرف ما العمل مع حلفاء هرولوا بعيدا على يمينها من بينهم بوريس جونسون وزير الخارجية السابق، ووصفوا صفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي التي تروج لها بـ"الخيانة" و"التفريط في السيادة" و"الخضوع للاتحاد الأوروبي"، ويطالبوا بعدم السماح بتمريرها، داعين أنصار "بريكست" في الحكومة إلى الاستقالة بهدف توجيه ضربة إلى ماي.

والطامة الكبرى أن الحزب الديمقراطي الوحدوي الآيرلندي الذي وقع اتفاقا مع ماي بعد انتخابات العام الماضي للتصويت لها في البرلمان مقابل عدد من الالتزامات والوعود، من بينها ما هو متعلق بـ"بريكست"، يبدو اليوم مستعداً للتصويت ضد الحكومة معلناً رفضه للصفقة التي توصلت إليها ماي مع الاتحاد الأوروبي، على أساس أنها تهدد وضع آيرلندا الشمالية ووحدة بريطانيا. فهذا الحزب الآيرلندي يرى أن إبقاء إقليم آيرلندا ضمن الاتحاد الجمركي الأوروبي يعني "استقلاله" نسبيا عن بقية بريطانيا ووضعه تحت القوانين الأوروبية. وحسب المتحدث باسم الحزب فإن تيريزا ماي وافقت على خطة قد تؤدي في النهاية إلى "نهاية السوق البريطانية الموحدة من أجل إرضاء السوق الأوروبية الموحدة"، مشيراً إلى أن مشروع الاتفاقية الذي وافقت عليه ماي يهدد وحدة بريطانيا.

وفي المقابل، اندفع الحزب القومي الاسكتلندي لمطالبة ماي بإعطائه صيغة تحفظ لاسكتلندا أيضاً البقاء ضمن السوق الأوروبية، خصوصاً أن غالبية الاسكتلنديين صوتوا ضد "بريكست"، مهددا بإحياء الدعوة لإجراء استفتاء جديد على استقلال اسكتلندا عن بريطانيا.

معركة خروج بريطانيا من أورويا دخلت الآن فصولاً أصعب وربما أخطر. وقد تكون حكومة ماي أولى ضحاياها، ومن المشكوك فيه أن تستطيع هذه السيدة الحفاظ على منصبها الذي تقاتل من أجله حتى النفس الأخير.

رهان ماي على المناورة وعلى الوقت لتذليل العقبات أمامها قد ينقلب عليها في ظل التشرذم داخل حزبها، وفقدانها ثقة حلفائها الآيرلنديين، وتربص حزب العمال بها لإسقاطها وإجبارها على الدعوة إلى انتخابات مبكرة تخرجها من داوننغ ستريت قبل أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة