لماذا ينبغي ألا نكذب على أطفالنا بشأن "بابا نويل"؟

  22 ديسمبر 2018    قرأ 1080
لماذا ينبغي ألا نكذب على أطفالنا بشأن "بابا نويل"؟

إنه شهر ديسمبر/كانون الأول من جديد، ذاك الشهر الذي تظهر فيه أشجار أعياد الميلاد وزينات هذه الأعياد على نحوٍ مفاجئٍ في واجهات المحال، وتحتدم أجواء التحضير للاحتفالات، وتلوح عطلة المدارس في الأفق. ومن شأن تلك الفترة أن تصبح مفعمةً بالإثارة والحماسة من جهة، أو مُحزنةً ومثيرةً للكآبة من جهة أخرى، بحسب طبيعة علاقاتك مع أسرتك.

بطبيعة الحال، لا يحتفل الجميع بأعياد الميلاد أو الكريسماس. لكن من يفعلون ذلك ربما يجدون أنفسهم يكذبون على أطفالهم خلال فترة العطلات بشأن هذه الشخصية الخيالية المتمثلة في ذلك القديس العجوز الظريف نيقولاس أو سانتا كلوز الذي يعرفه الكثيرون باسم "بابا نويل" الذي يقدم الهدايا للأطفال المطيعيين.

لكن هل هناك من ضررٍ حقيقيٍ ينجم عن كذبك على أطفالك بهدف تعزيز وجود أسطورةٍ تحظى بالشعبية كتلك المتصلة بهذه الشخصية؟ وفي المقابل، ألا تستحق أنت أن يدين لك الأطفال بالفضل والشكر والعرفان لكل الهدايا التي ابتعتها بأموالك وزعمت أن بابا نويل هو الذي جلبها لهم؟

نعلم الآن كراشدين أن "بابا نويل" ليس شخصيةً حقيقيةً على الإطلاق، ولكن كثيرين منّا لا يزالون يتذكرون هذا اليوم المخيب للآمال الذي اكتشفنا فيه هذا الأمر. لذا سألنا خمسة خبراء يعملون في مجالاتٍ بحثيةٍ متنوعةٍ، عما إذا كان من الصواب أن يكذب المرء على أطفاله في هذا الصدد أم لا. وقد رفض أربعةٌ منهم ذلك تماماً.

فلنبدأ بالخبير الوحيد الذي تبنى موقفاً مؤيداً لهذه الكذبة على الأطفال:

"كيلي ألين"، المُحاضرة في علم النفس التربوي والتنموي في جامعة ملبورن:
من ينخرطون في طقوسٍ متعلقة بأعياد الميلاد و"بابا نويل" يشاركون حرفياً مع صغارهم في عملية لخلق الذكريات، في ضوء أنهم يستحدثون سماتٍ مُمَيِزَةٍ لمناسباتٍ ذات طبيعةٍ خاصةٍ يحتفلون بها في وقتهم الحاضر، لكي يتم تذكرها في المستقبل، بشكلٍ يعزز تقاليد الأسرة وخبراتها الاجتماعية المشتركة، التي تنتقل جميعها من جيلٍ لآخر.

وتشير ألين إلى أن الطقوس الخاصة بـ "الكريسماس" توفر فرصةً للشعور بالانتماء الاجتماعي، الذي يُكوِّن شبكات الدعم الاجتماعي الخاصة بنا، بل وقد يقلل شعورنا بالوحدة.

فضلاً عن ذلك، ربما تكون الأسطورة المتعلقة بـ"بابا نويل" مهمةً بالنسبة للأطفال على صعيد تعزيز ما يُعرف بـ "الوظائف التنفيذية" أو "التحكم المعرفي"، وهو ما يشمل مهارات الانتباه لديهم، ما يقدم أدلةً لا يُستهان بها تفيد بأنه لا يجدر بالآباء والأمهات أن يترددوا في تحفيز خيال أطفالهم.

ويتعين على الوالدين أن يضعوا في حسابهم طوال الوقت المرحلة العمرية التي يمر بها صغارهم، حينما يتخذون قراراتهم الخاصة بتحديد المعلومات التي يمكنهم إطلاع هؤلاء الأطفال عليها. فالكذب على طفلك بشأن طبيعة شخصية "سانتا كلوز" وهو في الثالثة من العمر يختلف تماماً عن الإقدام على الأمر نفسه حينما يكون في الثلاثين.

وهكذا فإن ثمة عبئاً يقع على كاهل الوالدين على صعيد مساعدتهم أطفالهم على أن يبلوروا بأنفسهم وبشكلٍ طبيعيٍ ودون تدخلٍ استخلاصاتهم المتعلقة بشخصية "بابا نويل" في الوقت المناسب بالنسبة لهم.

أما من رفضوا فكرة مواصلة الكذب في هذا الصدد فكانت آرائهم كما يلي:

أمينة شاهايان، الباحثة في مجال علم النفس التربوي والتنموي في الجامعة الكاثوليكية الاسترالية:
لا ينبغي للبالغين الكذب على الأطفال بشأن طبيعة شخصية "سانتا كلوز". فعندما يسأل طفلٌ عما إذا كانت هذه الشخصية حقيقيةً أم لا، فإن ذلك يعني أنه وصل بالفعل إلى مرحلة نموٍ تتيح له التمييز بين الشخصيات الحقيقية والخيالية.

وعند بلوغ الصغار مرحلة النمو هذه، ليس من المفيد أن نكذب عليهم بشأن شخصيةٍ خياليةٍ مثل "بابا نويل". بطبيعة الحال، لسنا بحاجةٍ لأن نجلس مع كل طفلٍ على حدة، وفي أي مرحلةٍ عمريةٍ، لمناقشة هذا الأمر، ولكن إذا أُثير النقاش، أو إذا طرح الطفل هذا السؤال، سيكون التزام الصدق هو الخيار الأمثل.

ريبيكا إنغليش، المُحاضرة في مجال التربية بجامعة كوينزلاند للتقنية:
لا ينبغي عليك الكذب بشأن "بابا نويل"، لأن ذلك يعني أنك تشجع أطفالك - باستخدام برهانٍ مُختلقٍ على الدوام - على تصديق كذبةٍ يكتنفها الغموض من الناحية الأخلاقية.

على أي حال، لست وحدي من شعر بأنه تحطم، عندما اكتشفت الخدعة المُتقنة المُفصلة التي مارسها والداي عليّ بخصوص هذه الشخصية الخيالية، وهو ما تركني وقتها نهباً لتساؤلاتٍ حول ماهية الأكاذيب الأخرى التي أخبراني بها أيضاً.

ورغم أنه يُفترض أن تشجع شخصية "سانتا كلوز" على توسيع أفق الخيال، فإن ما يحدث في واقع الأمر - كما لاحظت في هذا المقال وسواه - أنك تطلب من الأطفال تعطيل مَلَكة التفكير النقدي لديهم، والاعتقاد في صحة أمرٍ خياليٍ تماماً.

وكما يشير هذا المقال، فإن الخيال والوهم يجدان لنفسيهما مجالاً للازدهار والسيطرة على الذهن، عندما نختار تصديق ما نعلم أنه غير حقيقي.

وهكذا فإن قصة "بابا نويل" هي أبعد ما يكون عن دفع الأطفال إلى طرح الأسئلة وإبداء العجب والدهشة، في ضوء أنها تشجعهم في الواقع على أن يصبحوا مستهلكين لأفكار الآخرين.

وأخيراً، ورغم وجود نقاطٍ أخرى كثيرةٍ للغاية كنت أتمنى لو أن هناك متسعاً من المجال لمناقشتها، فإن أسطورة "بابا نويل" تُستخدم كعصا لترسيخ مفهوم ضرورة الانصياع والطاعة في النفوس.

فلماذا تتنازل عن سلطتك وهيمنتك؟ ومادُمْتَ أنت من اشترى هذه الهدايا بنقوده، فيجب أن تحظى أنت كذلك بالمجد والصيت!

بيتر إليرتون، المحاضر في مجال التفكير النقدي ومدير المناهج في مشروع "يو كيو للتفكير النقدي" في جامعة كوينزلاند:
من غير المقبول أن يكذب المرء بشأن طبيعة شخصية "بابا نويل"، حتى وإن كنا نكذب على أطفالنا بخصوص أمورٍ كثيرة، إذ أن ذلك يحدث غالباً للتغطية على أشياء قد تثير الانزعاج، كأن نوهمهم مثلاً بأن الأب والأم لم يكونا يتشاجران حقاً، أو أن من أخذ دمية أحدهم فعل ذلك دون قصد، وغير ذلك.

وفي أحيانٍ أخرى، نقترف الكذب لترسيخ وإدامة خرافات ثقافية من قبيل: الصبية لا يبكون، والرياضيون هم خير قدوة، وأنه يمكن لأي شخصٍ تحقيق النجاح إذا عَمِلَ بجدٍ واجتهاد. ويتعامل غالبية الناس مع "بابا نويل" على أنه أحد هذه الخرافات التي تجلب السرور.

ولكن يتعين عليك أن تضع في اعتبارك ما سيترتب حتماً على قصة "بابا نويل" هذه من تَبِعات.

فإذا كانت تلك الأسطورة تقول إن هذه الشخصية الخيالية تمنح الهدايا للأطفال الطيبين وحدهم، فما الذي يعنيه ذلك فيما يتعلق بالأسر الفقيرة التي قد لا تمتلك مالاً تشتري به هدايا؟ وما الأحكام القيمية التي تتبلور في الأذهان جراء ذلك؟ وماذا إذا كان الأطفال أنفسهم فقراء؟ كيف ستؤثر هذه السردية على إحساسهم بقيمة ذواتهم؟

ولا بد أن نضع في الحسبان هنا أن الأطفال هم أكثر تيقظاً وتنبهاً من غيرهم بكثير لتلك التَبِعات. ربما يكون لا ضير في الكذب بشأن بعض الأشياء، لكن دعونا نحذف أسطورة "بابا نويل" من بينها.

دافيد زينجيار كبير محاضرين في كلية التربية بجامعة موناش
تشير الدراسات إلى أن الكذب على الأطفال ممارسةٌ خاطئة. وهنا يقول الدكتور جاستين كولسُن، وهو أحد خبراء شؤون تربية الأطفال البارزين في استراليا: "لا بأس في الحديث عن سانتا كلوز إذا رغبت في ذلك، ولكن دع الأطفال يعلمون أن هذه الشخصية اسْتُمِدَتْ من شخصيةٍ وُجِدَتْ بالفعل في التاريخ، وأنها ربما كانت تفعل الأشياء التي نحسب أنها كانت تقوم بها أو العكس".

من ناحيةٍ أخرى، تشير الأبحاث إلى أن بوسع الصغار - اعتباراً من مرحلة الطفولة المبكرة - التمييز بين الحقيقة والخيال. كما أنها تفيد بأن الأطفال الذين تحفل حياتهم بأشياء تشجع على سعة الخيال ويتمتعون بخيالٍ واسع، ربما يكونون أكثر قدرة في حقيقة الأمر على تمييز الحدود الفاصلة بين ما هو واقعي وما هو خيالي.

لكن إذا كان الوالديْن يريدان هذا الأمر، مهما كانت تكلفته وما يترتب عليه، فيحق لهما القيام به. غير أن أي فوائد تنجم عن تصديق أن "بابا نويل" شخصيةٌ حقيقيةٌ تتلاشى بمجرد أن يكف الطفل عن تصديق ذلك.

ويخلص الدكتور كولسُن للقول إن خرافة "بابا نويل" هي كذبةٌ رائعةٌ "ولكن كلما اقترفنا الكذب، زادت فرص أن يكتشف أطفالنا أننا مخادعون".

نُشِر هذا المقال في الأصل في موقع "ذا كونفرزايشن أستراليا، ويُعاد نشره بمقتضى رخصة المشاع الإبداعي.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة