أذربيجان.. ملابس النساء عنوان المدينة

  20 سبتمبر 2017    قرأ 3374
أذربيجان.. ملابس النساء عنوان المدينة
بنظرة سريعة على أحوال المرأة تستطيع أن تعرف طبيعة البلد الذي تهبط أرضه أول مرة، فإذا كانت النساء تسير في الشوارع بأمان، ترتدي الملابس العصرية التي تظهر جمالهن دون ابتذال، فاعلم أنك في دولة حديثة آمنة ومستقرة، أما إذا كانت النساء قد عُدْنَ إلى أزياء العصور القديمة، وأخفين ملامحهن وشعورهن في جلابيب سود فضفاضة، فاعلم أنك في مجتمع مأزوم نفسيًا، وأن كوارث التحرش والاغتصاب والاختطاف والخيانات الفجة تتواتر كل يوم، هكذا إذن يمكن اعتبار ملابس المرأة عنوان صادق للمدينة... أي مدينة!

قضيت في أذربيجان ثمانية أيام (من 2 يوليو حتى 10 يوليو الجاري)، تجولت خلالها في شوارع العاصمة (باكو) ومدينتين أخرتين هما (جبلا وشيكي)، فلم أشاهد أي امرأة أخفت وجهها أو شعرها إلا واحدة فقط كانت تسير بحزن وقد غطت شعرها بحجاب! المرأة في أذربيجان تذكرك على الفور بالمرأة المصرية التي نراها في أفلام الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي... متعلمة ... جادة... مهذبة... ترتدي الفساتين الجميلة، والبلوزات البسيطة، والبنطال العملي، لا ابتذال ولا عري فج، شعرها مصفف بطريقة سريعة وجذابة، علمًا بأن الغالبية العظمى في هذا البلد القوقازي من المسلمين (85% مسلمون، وتعداد البلد كله 10 ملايين نسمة)، هذه الملابس تكشف لك على الفور أنك في بلد آمن وجميل ونظيف وهادئ، وهو ما رأيته بالفعل.
زيارة لمعبد النار على أطراف العاصمة (باكو) يحتل معبد النار مساحة لا بأس بها يحيط به فراغ هائل، ربما لكي يسمح للنار فيما مضى أن تضيء وتسحر الألباب من مسافات بعيدة، أما معبد النار فيعود إلى زمن (زرادشت) النبي الذي ولد في جنوب أذربيجان قبل 600 عام قبل الميلاد تقريبًا، ودعا إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، معتبرًا أن النار هي (نور الله) على الأرض، لكن كالعادة، لا كرامة لنبي في وطنه، فقد أهانوه وقاطعوه، فهاجر إلى بلاد فارس - إيران حاليا - فاستقبلوه بالحفاوة وآمنوا بآرائه واتبعوا تعاليمه، حتى انتشرت دعواه في المنطقة. لكن عندما دخل المسلمون أرض هذه البلاد أول مرة في زمن الخليفة الثالث عمر بن الخطاب لم يتمكنوا من فهم (الدين الزرادشتي) وطبيعة علاقته بالله والنار، فهدموا المعبد ظنا منهم أن هؤلاء الناس يعبدون النار، وهو ظن خاطئ تمامًا كما شرح لنا مسؤول المعبد. وقبل أربعة قرون بدأت إعادة تشييد هذا المعبد في المكان نفسه الذي أقام فيه المعبد القديم.
يجب أن نعلم أن أذربيجان تحظى بنصيب هائل من الغاز الطبيعي مختزن تحت الأرض، فكان هذا الغاز يشتعل تلقائيا في أماكن عدة، ولأن الناس قديمًا لم يجدوا تفسيرًا علميًا لظاهرة النار المشتعلة هنا وهناك، فقد اعتبروها (نور الله) في الأرض لفوائدها الأربعة: 1- تضيء عتمة الليل 2- تدفئ في ليالي البرد 3- تطهو الطعام 4- تطهر الجروح الجسدية تصميم المعبد بسيط، فهو عبارة عن حجرات صغيرة تمارس فيها طقوس العبادة أمام النار المشتعلة، ومن عجب أنهم يجب أن يخفوا أعينهم أمام هذه النار بقطعة من القماش، بزعم أنه لا يليق أن ترى نور الله بشكل مباشر، كما أنهم يطعمون النار بالفواكه تقربًا إلى الله، إذ من المحرم عليهم استخدام الحيوانات أو الطيور قربانا في طقوسهم (النارية). كما شرحوا لنا، لكن الأعجب أن أهل أذربيجان المسلمين الموحدين - وأكرر المسلمين الموحدين - مازالوا يقسمون بالنار حتى هذه اللحظة، فيقول الواحد منهم (أقسم بالنار سأفعل كذا غدًا)، أو (أقسم بالنار لم أفعل كذا)، الأمر الذي يؤكد لك أن (ثقافة النار) مازالت متجذرة في وجدانهم، وهو أمر مفهوم، إذ لا توجد ثقافة أو دين جديد يستطيع أن يمحو تمامًا المعتقدات التي سبقته، ولنا في مصر أسوة حسنة، فما زلنا حتى الآن نمارس طقوسًا فرعونية خاصة عند الموت، لعل أشهرها حكاية الاحتفال بمرور (أربعين) يومًا على الميت، وهو طقس فرعوني صرف لا علاقة له بالإسلام، وملخص الحكاية، أن المصريين القدماء كانوا يقضون 40 يومًا في عملية تحنيط الجثمان في معاملهم الطبية، ولما تنتهي عملية التحنيط ينقل الميت في احتفال ضخم من المعمل إلى المقبرة. من أبرز معالم العاصمة باكو أيضا متحف الكتب الصغيرة جدًا، والذي يقع في قلب المدينة القديمة، وهو متحف صغير يحتوي على أكثر من 2000 كتاب لا يزيد حجم الواحد منها عن نصف الكف، وقد رُصّت هذه الكتب في (فتارين) زجاجية بشكل لطيف، ومعظم هذه الكتب ذات شهرة عالمية طاغية، فهناك القرآن الكريم الذي يبلغ حجمه أقل من إصبعين، والإنجيل والتوراة وبعض مسرحيات شكسبير وكتب لينين وغيرها. وتدير هذا المتحف سيدة لطيفة تبلغ نحو السبعين عامًا، تستقبل الزائرين بترحاب، وبالمناسبة دخول المتحف بالمجان! الطريق إلى جبلا اقترحت علينا الصحفية الأذربيجانية الجميلة (فوفا) التي رافقتنا في جولة بالعاصمة غير مرة أن نغادر العاصمة (باكو) ونتجه إلى مدينة جبلية ساحرة اسمها (جبلا) تبعد نحو 220 كم شمال غرب باكو، وبالفعل توجهنا مع سائق أذربيجاني لطيف يدعى (إسرافيل)، يعرف اللغة الإنجليزية، وبالمناسبة قليل من أهل البلد يعرفون هذه اللغة، ويبدو أن الشعوب العريقة ذات الثقل التاريخي تكتفي بلغاتها، ولا ترى ضرورة لتعلم لغة أخرى، وإن كانت سطوة اللغة الإنجليزية قد فرضت نفسها على العالم في السنوات الأخيرة، الأمر الذي سيدفع حتمًا شباب أذربيجان إلى تعلمها وإتقانها كي يواكب تطورات العصر. المهم انتقلنا بسيارة إسرافيل إلى جبلا في طريق تحيط به سلسلة مذهلة من جبال القوقاز مكسوة باللون الأخضر ودرجاته المتنوعة، فأيقنا أن الطبيعة تعاملت مع هذا البلد بسخاء جميل وفاتن. وفوجئنا بقطعان الأبقار ترعى بكامل حريتها على جانبي الطريق، وأحيانا تعبر الطريق الأسفلت إلى الجهة الأخرى، فتتوقف السيارات حتى يمر (موكب البقر) بهدوء. في جبلا أنت أسير الطبيعة الخلابة، الجبال الخُضر تصافح عينيك، والهواء النقي المنعش يخترق خياشيمك فتبتهج وتسعد وتكتشف أن الحياة نعمة وليست نقمة، ودرجة الحرارة لا تتجاوز 28 درجة في النهار ولا تزيد عن 16 درجة ليلا، وفي جبلا أيضا انتقلنا بين سلسلة جبال القوقاز في 4 دقائق فقط بعد أن ركبنا (التلفريك)، الصندوق الطائر في الهواء حاملا ثمان أفراد. ما أجمل أن تجد المساحات الخضراء تحتك والأبقار والخراف ترعى بحرية، وبالمناسبة اللحوم هناك طعمها لذيذ فعلا. مقابر الشهداء في قلب كل بيت أذربيجاني وجع، ووجع شديد، فقد فقدوا نحو 40 ألف شاب في المعركة العنيفة التي جرت بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم (ناجورني قراباغ)، وهو أقليم يقع جنوب غرب أذربيجان على حدود أرمينيا، ويبلغ مساحته أكثر من 10% من مساحة البلد، وقد أصرت أرمينيا على الاستيلاء عليه بزعم أن أغلبيته من الأرمن المسيحيين، والحقيقة أنه يمتاز بمساحات مذهلة من المشاهد الطبيعية توفر فرصة عظيمة لجذب السياحة كما قالت لنا الصحفية (فوفا). المهم... استمرت هذه الحرب ستة أعوام من 1988 حتى 1994، وتأججت في آخر عامين، ويؤكد الأذريون أن روسيا دعمت أرمينيا في هذه الحرب، واقتطعت جزءًا من الوطن الغالي، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاحتفال بشهدائهم وتخليدهم في مقابر نظيفة أنيقة على الطراز المسيحي الأوروبي، رغم أن هؤلاء الشهداء من المسلمين. السائق إسرافيل شارك في الحرب لمدة أربع سنوات، وكان يتحدث معي بألم حقيقي كلما سألته عنها، ويؤكد بأغلظ الإيمان أن (قراباغ) جزء من الوطن، وأنه لولا الروس ما استطاعت أرمينيا أن تستحوذ عليه. شيكي... المدينة القديمة غادرنا (جبلا) إلى مدينة يقال لها (شيكي) تبعد نحو 300 كم شمال غرب العاصمة باكو، وهي مدينة عتيقة مشهورة بالصناعات اليدوية، وتحيط بها الجبال كالعادة، وفي حضن أحد هذه الجبال تقبع (الكنيسة الألبانية) وهي أقدم كنيسة في دول القوقاز يعود بناؤها إلى القرن الثاني الميلاي، ويتوافد عليها الزوار والسائحون بوصفها معلمًا سياحيا مهمًا، وكنا ضمن هؤلاء الوافدين. مصطفى عمر هو الرجل الأذربيجاني الوحيد الذي التقيته يعرف اللغة العربية بشكل لا بأس به، إذ عمل مترجمًا في سفارة الاتحاد السوفييتي بالقاهرة عام 1968، وقد شاهد جنازة جمال عبد الناصر الذي وصفه لي بأنه رجل عظيم، كما تحدث معي عن أم كلثوم وكيف كان يستفسر عن بعض كلمات أغنياتها التي لا يفهمها. الرجل يعمل مدير فندق (كرافان سراي) بمدينة شيكي، ومعناه (فندق القوافل) كما قال لي، وهو عبارة مبنى أثري يعود إلى القرن القرن السابع عشر، وهو يشبه كثيرًا وكالة الغوري بالقاهرة، مع الفارق أنهم استثمروه بشكل جيد وحولوه إلى فندق يتزاحم أهل البلد والزوار للإقامة فيه بعض الليالي. عند عودتنا إلى (باكو) ذهبنا لزيارة متحف الفن الحديث، حيث تذكرة الدخول تبلغ (5 منات)، وقد فات عليك في المقال الأول أن الدولار الواحد يساوي منات ونصف المنات، والمتحف ضخم جدًا ويعرض أعمالا لفنانين من عدة دول مختلفة، وليس لأذربيجان فقط، فرأيت منحوتات لسفادور دالي، ولوحات لبيكاسو وغيرهما. في صباح 10 يوليو حزمنا الحقائب، وجاءنا إسرافيل بسيارته ليوصلنا إلى المطار، فسألني: ما بك يا أستاذ... تبدو شاردًا؟ فقلت له: إني حزين لأني سأغادر أذربيجان، فقد أحببت هذا البلد الأمين، وأهله الطيبين، فقال لي باسمًا: (إذن... ستعود إلى أذربيجان مرة أخرى... لأن من يحب أذربيجان... أذربيجان يحبه)، فأردفت ضاحكا: (أقسم بالنار... لقد أحببتكم)!!. اخبار متعلقة قمة بوتين وروحاني في أذربيجان: توصيات بدون قرارات السيسي يبحث مع وزير خارجية أذربيجان التعاون في مجال الطاقة «المغسلة الأذربيجانية».. تورط شركات بريطانية في غسل أموال بقيمة 2.9 مليار دولار سفير أذربيجان بالقاهرة: حققنا إنجازات كثيرة بفضل الإرادة الشعبية داخل ورشة الأزياء.. «هالة» تفتح لـ«التحرير» دولاب ملابس مسرح دار الأوبرا الإحصاء: 75% من النساء قبل 24 عاما تعرضن للختان تغريدات أخبار مصر لايـف كاريكاتير أخبار العالم حكايات ثقافة و فن مشاهير لحظة بلحظة التحرير كلينك المقالات ملفات و حوارات اتصل بنا سياسة النشر 4 عجلات رياضة مرأة و طفل إيه التريند علوم و تكنولوجيا يا خبر قطط و كلاب حظك اليوم جريمة مستشارك القانوني عن الموقع الرئيسية تواصل معانا : جميع الحقوق محفوظة © لمؤسسة التحرير 2017 اسعار العملات برعاية
3- تطهو الطعام 4- تطهر الجروح الجسدية تصميم المعبد بسيط، فهو عبارة عن حجرات صغيرة تمارس فيها طقوس العبادة أمام النار المشتعلة، ومن عجب أنهم يجب أن يخفوا أعينهم أمام هذه النار بقطعة من القماش، بزعم أنه لا يليق أن ترى نور الله بشكل مباشر، كما أنهم يطعمون النار بالفواكه تقربًا إلى الله، إذ من المحرم عليهم استخدام الحيوانات أو الطيور قربانا في طقوسهم (النارية). كما شرحوا لنا، لكن الأعجب أن أهل أذربيجان المسلمين الموحدين - وأكرر المسلمين الموحدين - مازالوا يقسمون بالنار حتى هذه اللحظة، فيقول الواحد منهم (أقسم بالنار سأفعل كذا غدًا)، أو (أقسم بالنار لم أفعل كذا)، الأمر الذي يؤكد لك أن (ثقافة النار) مازالت متجذرة في وجدانهم، وهو أمر مفهوم، إذ لا توجد ثقافة أو دين جديد يستطيع أن يمحو تمامًا المعتقدات التي سبقته، ولنا في مصر أسوة حسنة، فما زلنا حتى الآن نمارس طقوسًا فرعونية خاصة عند الموت، لعل أشهرها حكاية الاحتفال بمرور (أربعين) يومًا على الميت، وهو طقس فرعوني صرف لا علاقة له بالإسلام، وملخص الحكاية، أن المصريين القدماء كانوا يقضون 40 يومًا في عملية تحنيط الجثمان في معاملهم الطبية، ولما تنتهي عملية التحنيط ينقل الميت في احتفال ضخم من المعمل إلى المقبرة.



من أبرز معالم العاصمة باكو أيضا متحف الكتب الصغيرة جدًا، والذي يقع في قلب المدينة القديمة، وهو متحف صغير يحتوي على أكثر من 2000 كتاب لا يزيد حجم الواحد منها عن نصف الكف، وقد رُصّت هذه الكتب في (فتارين) زجاجية بشكل لطيف، ومعظم هذه الكتب ذات شهرة عالمية طاغية، فهناك القرآن الكريم الذي يبلغ حجمه أقل من إصبعين، والإنجيل والتوراة وبعض مسرحيات شكسبير وكتب لينين وغيرها. وتدير هذا المتحف سيدة لطيفة تبلغ نحو السبعين عامًا، تستقبل الزائرين بترحاب، وبالمناسبة دخول المتحف بالمجان! الطريق إلى جبلا اقترحت علينا الصحفية الأذربيجانية الجميلة (فوفا) التي رافقتنا في جولة بالعاصمة غير مرة أن نغادر العاصمة (باكو) ونتجه إلى مدينة جبلية ساحرة اسمها (جبلا) تبعد نحو 220 كم شمال غرب باكو، وبالفعل توجهنا مع سائق أذربيجاني لطيف يدعى (إسرافيل)، يعرف اللغة الإنجليزية، وبالمناسبة قليل من أهل البلد يعرفون هذه اللغة، ويبدو أن الشعوب العريقة ذات الثقل التاريخي تكتفي بلغاتها، ولا ترى ضرورة لتعلم لغة أخرى، وإن كانت سطوة اللغة الإنجليزية قد فرضت نفسها على العالم في السنوات الأخيرة، الأمر الذي سيدفع حتمًا شباب أذربيجان إلى تعلمها وإتقانها كي يواكب تطورات العصر.

المهم انتقلنا بسيارة إسرافيل إلى جبلا في طريق تحيط به سلسلة مذهلة من جبال القوقاز مكسوة باللون الأخضر ودرجاته المتنوعة، فأيقنا أن الطبيعة تعاملت مع هذا البلد بسخاء جميل وفاتن. وفوجئنا بقطعان الأبقار ترعى بكامل حريتها على جانبي الطريق، وأحيانا تعبر الطريق الأسفلت إلى الجهة الأخرى، فتتوقف السيارات حتى يمر (موكب البقر) بهدوء. في جبلا أنت أسير الطبيعة الخلابة، الجبال الخُضر تصافح عينيك، والهواء النقي المنعش يخترق خياشيمك فتبتهج وتسعد وتكتشف أن الحياة نعمة وليست نقمة، ودرجة الحرارة لا تتجاوز 28 درجة في النهار ولا تزيد عن 16 درجة ليلا، وفي جبلا أيضا انتقلنا بين سلسلة جبال القوقاز في 4 دقائق فقط بعد أن ركبنا (التلفريك)، الصندوق الطائر في الهواء حاملا ثمان أفراد. ما أجمل أن تجد المساحات الخضراء تحتك والأبقار والخراف ترعى بحرية، وبالمناسبة اللحوم هناك طعمها لذيذ فعلا. مقابر الشهداء في قلب كل بيت أذربيجاني وجع، ووجع شديد، فقد فقدوا نحو 40 ألف شاب في المعركة العنيفة التي جرت بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم (ناجورني قراباغ)، وهو أقليم يقع جنوب غرب أذربيجان على حدود أرمينيا، ويبلغ مساحته أكثر من 10% من مساحة البلد، وقد أصرت أرمينيا على الاستيلاء عليه بزعم أن أغلبيته من الأرمن المسيحيين، والحقيقة أنه يمتاز بمساحات مذهلة من المشاهد الطبيعية توفر فرصة عظيمة لجذب السياحة كما قالت لنا

المهم... استمرت هذه الحرب ستة أعوام من 1988 حتى 1994، وتأججت في آخر عامين، ويؤكد الأذريون أن روسيا دعمت أرمينيا في هذه الحرب، واقتطعت جزءًا من الوطن الغالي، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاحتفال بشهدائهم وتخليدهم في مقابر نظيفة أنيقة على الطراز المسيحي الأوروبي، رغم أن هؤلاء الشهداء من المسلمين. السائق إسرافيل شارك في الحرب لمدة أربع سنوات، وكان يتحدث معي بألم حقيقي كلما سألته عنها، ويؤكد بأغلظ الإيمان أن (قراباغ) جزء من الوطن، وأنه لولا الروس ما استطاعت أرمينيا أن تستحوذ عليه. شيكي... المدينة القديمة غادرنا (جبلا) إلى مدينة يقال لها (شيكي) تبعد نحو 300 كم شمال غرب العاصمة باكو، وهي مدينة عتيقة مشهورة بالصناعات اليدوية، وتحيط بها الجبال كالعادة، وفي حضن أحد هذه الجبال تقبع (الكنيسة الألبانية) وهي أقدم كنيسة في دول القوقاز يعود بناؤها إلى القرن الثاني الميلاي، ويتوافد عليها الزوار والسائحون بوصفها معلمًا سياحيا مهمًا، وكنا ضمن هؤلاء الوافدين.

مصطفى عمر هو الرجل الأذربيجاني الوحيد الذي التقيته يعرف اللغة العربية بشكل لا بأس به، إذ عمل مترجمًا في سفارة الاتحاد السوفييتي بالقاهرة عام 1968، وقد شاهد جنازة جمال عبد الناصر الذي وصفه لي بأنه رجل عظيم، كما تحدث معي عن أم كلثوم وكيف كان يستفسر عن بعض كلمات أغنياتها التي لا يفهمها. الرجل يعمل مدير فندق (كرافان سراي) بمدينة شيكي، ومعناه (فندق القوافل) كما قال لي، وهو عبارة مبنى أثري يعود إلى القرن القرن السابع عشر، وهو يشبه كثيرًا وكالة الغوري بالقاهرة، مع الفارق أنهم استثمروه بشكل جيد وحولوه إلى فندق يتزاحم أهل البلد والزوار للإقامة فيه بعض الليالي. عند عودتنا إلى (باكو) ذهبنا لزيارة متحف الفن الحديث، حيث تذكرة الدخول تبلغ (5 منات)، وقد فات عليك في المقال الأول أن الدولار الواحد يساوي منات ونصف المنات، والمتحف ضخم جدًا ويعرض أعمالا لفنانين من عدة دول مختلفة، وليس لأذربيجان فقط، فرأيت منحوتات لسفادور دالي، ولوحات لبيكاسو وغيرهما.
في صباح 10 يوليو حزمنا الحقائب، وجاءنا إسرافيل بسيارته ليوصلنا إلى المطار، فسألني: ما بك يا أستاذ... تبدو شاردًا؟ فقلت له: إني حزين لأني سأغادر أذربيجان، فقد أحببت هذا البلد الأمين، وأهله الطيبين، فقال لي باسمًا: (إذن... ستعود إلى أذربيجان مرة أخرى... لأن من يحب أذربيجان... أذربيجان يحبه)، فأردفت ضاحكا: (أقسم بالنار... لقد أحببتكم)!!.






مواضيع: أذربيجان،#عنوان،#  


الأخبار الأخيرة