هوندا سوإيتشيرو.. من فقر مدقع إلى صاحب شركة سيارات عالمية

  12 فبراير 2019    قرأ 1135
هوندا سوإيتشيرو.. من فقر مدقع إلى صاحب شركة سيارات عالمية

هوندا سوإيتشيرو رجل أعمال ذو طابع مختلف، سعى إلى تحقيق أحلامه بكل جد، وحرك الأشخاص من حوله ليجعل من شركة هوندا شركة عالمية.

من هو هوندا سوإيتشيرو؟

 

هوندا سوإيتشيرو (1906-1991) هو مؤسس شركة هوندا موتور المحدودة (المعروفة اختصارا باسم هوندا)، حيث تأسست هذه الشركة في العام 1948 كشركة لصناعة الدراجات النارية في الأساس، ولكن بعد 15 عاما؛ أي العام 1963 دخلت قطاع صناعة السيارات كآخر شركة تدخل هذا القطاع في اليابان وفق موقع "اليابان بالعربي". وبعد ذلك، حققت نجاحا كبيرا، لتصبح شركة هوندا الحالية واحدة من شركات صناعة السيارات الرائدة في العالم.

ولكن، ترك هوندا سوإيتشيرو منصبه كمدير للشركة في العام 1973 وهو في سن السادسة والستين. وربما تعتبر مواصلة شركة هوندا نموها العالمي حتى بعد استقالته منها أكبر وسام يجب على هوندا سوإيتشيرو أن يفخر به كمدير وكمهندس. وإن أعظم إنجاز حققه هو ليس فقط تطوير الشركة أثناء توليه منصب المدير، بل وأيضا تركه وراءه فلسفة وموارد بشرية قادرة على جعل الشركة تستمر في التطور حتى بعد استقالته منها.

المشاركة في سباقات الفورمولا واحد بعد عام من دخول قطاع السيارات

ولد لعائلة حداد فقير في قرية صغيرة في محافظة شيزوكا. وفي سن الخامسة عشرة ذهب إلى طوكيو للتدريب في ورشة لإصلاح السيارات. ومنذ ذلك الوقت، يُعتقد أن حلمه كان إنتاج السيارات باستمرار.

وبمجرد أن أصبح في الثانية والعشرين من عمره، عاد إلى مسقط رأسه، وأسس ورشة لإصلاح السيارات. وبعد النجاح في ذلك العمل، قام بتأسيس شركة لتصنيع حلقات الكباسات والتي تعتبر جزءا مهما من أجزاء محركات السيارات. حيث يعتبر إنتاج قطع الغيار أول خطوة للانتقال من إصلاح السيارات إلى إنتاجها.

وبعد النجاح في هذا المشروع، واجهت اليابان الهزيمة في الحرب العالمية الثانية. وفي فترة الفوضى بعد الحرب، بدأ في إنتاج الدراجات النارية في مسقط رأسه أيضا. وكان ذلك في العام 1948. وحتى لو كان ذلك من خلال الانتقال من إنتاج قطع السيارات إلى إنتاج الدراجات النارية، إلا أنه بدأ في إنتاج المركبات بحد ذاتها. ويعتبر ذلك التأسيس الثالث لشركة بالنسبة لهوندا سوإتشرو وهو في سن الثانية والأربعين.

لقد كان مهندسا عبقريا، وحقق نجاحا كبيرا في قطاع الدراجات النارية، وأخيرا دخل في قطاع السيارات. حيث حقق حلمه الذي راوده منذ الصغر، ولكن كان ذلك بعد أن أصبح في السابعة والخمسين في عمره. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قرر في نفس وقت الدخول إلى قطاع السيارات المشاركة في سباق سيارات الفورمولا واحد، والذي يعتبر أشهر سباق للسيارات في العالم. وعلى الرغم من أنه لم يقم سوى بإنتاج الشاحنات الخفيفة في ذلك الوقت، إلا أنه شارك في سباق السيارات في العام 1964 بالتقنية التي جعلته مسيطرا بشكل كامل على سباقات الدراجات النارية العالمية. 

وفي العام التالي، فاز بسباق الجائزة الكبرى المكسيكي.

 شخصية قيادية تجمع بين الحزم واللين

كان جوهر الشخصية القيادية لهوندا سوإيتشيرو هو الجمع وعلى مستوى عال بين شخصية قيادية تتطلع إلى المستقبل، وشخصية قيادية تهتم بمن خلفها. والشخصية القيادية التي تتطلع إلى المستقبل هي دائما وسيلة لمواصلة استكشاف الأحلام والإمكانيات في المستقبل، حيث حاول سوإيتشيرو استكشاف الإمكانيات في الأماكن التي ينظر إليها الآخرون على أنها عوائق وقيود. حيث قام بعمله متخذا موقفا حازما لحد الصرامة، وحاول البحث عن فرص جديدة. لذلك واصل التحدي في مجال تلو الآخر بدءا بإصلاح السيارات، وإنتاج حلقات الكباسات، وإنتاج الدراجات النارية، والمشاركة في سباقات الدراجات النارية، والدخول في قطاع إنتاج السيارات، وصولا إلى المشاركة في سباقات الفورمولا واحد.

والشخصية القيادية التي تهتم بمن خلفها هي الشخصية التي تنظر بعين ”الانتباه، واليقظة، والاهتمام“ إلى أولئك الأشخاص الذين يتبعونها من الخلف. حيث كان يشير إلى ذلك بتصرفه. لذلك، يرغب الناس باتباعه حتى لو كان حازما لدرجة كبيرة في العمل. حيث كان صوإتشرو الذي واصل دائما استكشاف الإمكانيات بنظرة مستقبلية صارما أيضا. فلم يقدم التنازلات. وقام بضرب العمال. ولكن بالمقابل، كان قلب سوإتشرو كبيرا، ودافئا، ومليئا بالاهتمام بالآخرين. إلا أنه كان لديه نظرة مستقبلية جعلته صارما. حيث كان سوإيتشيرو شخصا تتعايش فيه شخصيتان قياديتان متناقضتان بشكل طبيعي، وهما شخصية القلب الدافئ، وشخصية اليد الحازمة.

روح التحدي التي تجعل المستحيل ممكنا

لقد أعلن المشاركة في سباق جزيرة مان، والذي يعتبر أشهر سباق عالمي للدراجات النارية في العام 1954عندما كان لدى الشركة مشاكل كبيرة وكانت تواجه خطر الإفلاس. حيث أراد أن يظهر حلمه الكبير للعمال في هذه الظروف على وجه التحديد.


وكان إعلان المشاركة في سباقات الفورمولا واحد في ذلك الوقت عندما كان يواجه معارضة كبيرة من الحكومة اليابانية حول دخوله في قطاع إنتاج السيارات في العام 1963، حيث قرر الإعلان عن مشاركته في السباقين في وقت لم تكن فيه الظروف تجعل الكثير من الناس يعتقدون بأنه ”يستطيع المشاركة والفوز“. وكانت أكثر جملة يرددها هي ”لن نعرف النتيجة إلا عندما نحاول“. وعندما قام بالمحاولة بالفعل، تكللت تلك المحاولة بالنجاح، بعد أن واجه الكثير من المصاعب.

ففي سباق السيارات نحتاج إلى تطوير أداء المحرك إلى أقصى حد. وهذا ما قام بتطويره مهندسو هوندا الشباب. حيث قام المهندسون الذين تم تدريبهم بتطوير منتجات تجارية واحدا تلو الآخر. لذلك أصبح المحرك المدمج عالي الأداء مفتاحا لتمييز سيارة هوندا عن غيرها من السيارات. وبالتحديد، إن تراكم خبرة المشاركة في سباقات الفورمولا واحد التي تتطلب محركا بكفاءة احتراق جيدة حتى في الظروف القاسية أكسبت هوندا تقنية احتراق مبتكرة للمحرك أفضل من أية شركة تصنيع سيارات أخرى.

وأدى تراكم النجاح بشكل مذهل إلى تحقيق تلوث منخفض بشكل ثوري من خلال الاحتراق بالخليط الفقير، وإلى النجاح في تطوير محرك CVCC في عام 1972، والذي كان القوة الدافعة التي جعلت سيارة الركاب صغيرة الحجم لهوندا قادرة على الظهور على المسرح العالمي.

الاهتمام دائما بالأشخاص الذين يقفون في الخلف

من إحدى الجمل التي كان يرددها كثيرا كانت هناك جملة ”لندخل إلى عقول الناس“، حيث طلب ذلك من الباحثين في مركز الأبحاث. أي لنقم بوضع أنفسنا في داخل عقول الزبائن، ولنفكر بعمق حول المنتجات التي يتمنون الحصول عليها فعلا. وكان يكره القيام بأبحاث السوق وتحديد المنتجات التي يجب تطويرها، حيث كان يقول ”نحن خبراء في التكنولوجيا. والزبائن هواة. فهل نستمع إلى رأي الهواة لنقرر المنتج الذي يجب أن نقوم بإنتاجه“.

أو ربما أراد أن يقول لنطلب من المديرين أن ”يدخلوا إلى عقول المرؤوسين“. وبالتالي سيتولد الاهتمام بشكل طبيعي. وبالتحديد، كان يهتم بالأشخاص في المناصب الدنيا، وبالأشخاص الذين يقفون خلفه. وهكذا تتولد الشخصية القيادية التي تهتم بمن خلفها بشكل طبيعي.

ومن أقوال سوإتشرو ”"من الجيد أن تقوم اليد اليمنى بمدح اليد اليسرى أكثر من اللازم"، حيث كان شخصا يقوم بتصنيع قطع الغيار وتركيبها بنفسه، بالإضافة إلى العمل في إصلاح السيارات. وعندما يقوم باستخدام تلك اليد، تظهر يده اليمنى التي كان يستخدمها بشكل رئيسي على شكل زهرة. ويبدو أنه يقوم بالعمل بيده اليمنى فقط. ولكن، عند طرق شيء ما بالمطرقة باستخدام يده اليمنى، فإن يده اليسرى تقوم بالإمساك بقطعة الغيار التي يقوم بطرقها في مكان ما. فإن لم تكن اليد اليسرى تمسك جيدا بتلك القطعة، فإنه ليس من الممكن القيام بالعمل بشكل دقيق. فكانت اليد اليمنى هي الشخص الذي يقوم بالأعمال في العلن، واليد اليسرى هي الشخص الذي يقوم بدعمه في الخفاء؛ أي إنه يريد أن يقول إن الأشخاص الذين يقفون في الخلف هم أهم شيء.

وكان لديه 48 جرحا في يده اليسرى، وفقد حوالي خمس ميليمترات من أطراف اثنين من أصابعه، حيث ارتكب خطأ، وقطع أصابعه. فأراد أن يهتم بيده اليسرى التي تحمل الكثير من الجروح.

رحيل دون تردد تتناقله الأجيال المتعاقبة

لقد قام هوندا سوإيتشيرو بجعل شركة هوندا شركة كبيرة، ولكن كان وراء ذلك مساهمة كبيرة من فوجيساوا تاكيو، الذي يجب أن نقول عنه إنه الشريك المؤسس، حيث واجهت هوندا أزمة الإفلاس مرتين تقريبا، وفي كلتا المرتين، تحرك فوجيساوا لمعالجة الأزمة وإنقاذ الشركة.

مثل هذا الشريك المقتدر إلى درجة كبيرة أحاط بالشخصية العظيمة لهوندا سوإيتشيرو، واستمر دعم فوجيساوا من الخلف من دون أن تتصدع هذه الشراكة الثنائية حتى النهاية. لإن فوجيساوا كان يعتقد من أعماق قلبه أنه يريد أن يقوم بدعم ذلك العبقري هوندا سوإتشرو في المجالات التي يعمل فيها.

ولكن في سنواته الأخيرة لم يستطع هوندا سوإيتشيرو من امتصاص التقدم التقني في مجال السيارات بشكل كامل، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت تظهر شخصية الرجل الواحد كمهندس عبقري، وأخذ يصبح وجوده عائقا بالنسبة لجيل الشباب في الشركة. فقال فوجيساوا الذي لاحظ ذلك إنه سيستقيل. وسرعان ما أخذ هوندا سوإيتشيرو النية الحقيقية لفوجيساوا على محمل الجد، وقال ”عندما نستقيل سنستقيل معا“، ليستقيلا معا في العام 1973.

وكان المدير الذي خلفه في المنصب هو كاواشيما كيوشي صاحب الخامسة والأربعين، وهو من الدفعة الأولى للذين التحقوا بشركة هوندا كخريجي جامعات.

وهكذا توارثت الأجيال المتعاقبة "الرحيل دون تردد"، ليكون رحيلا رائعا للقادة، وليصبح تقليدا من تقاليد هوندا، يجعل الجيل الشاب يتولى مناصب إدارية بسرعة.

 


مواضيع:


الأخبار الأخيرة