متلازمة التطرف
أما ورقة الكاتب والباحث طلال البلوشي والتي كانت بعنوان (متلازمة التطرف) فقد تناولت التطرف الفكري من ناحية إجرائية لتلامس الواقع، فقد أشار البلوشي بإن التطرف الفكري في الأمراض الفكرية هو بمثابة السرطان في الأمراض البدنية، من حيث مدى انتشاره وصعوبة علاجه، وأن النتائج التي تترتب عليه قد تجعله من أخطر ما يهدد المجتمعات البشرية، فما يشهده العالم من صراعات وحروب ومجاعات تسنزف الارواح والموارد وتتسبب في تأخير المجتمعات عن التطور مردها في الكثير من الأحيان إلى التطرف الفكري بجميع تقسيماته سواء كان تطرفاً دينياً أم عرقياً أم اجتماعياً أم سياسياً، والإرهاب ما هو إلا الابن الشرعي للتطرف الفكري والانفعالي إذا ما علمنا أنهما يقودان الإنسان إلى التطرف السلوكي كما انطلق البلوشي ليوضح ماهية المتطرف، وكيف يفكر، وهنا أشار إلى أن البنية الفكرية لديه تشتمل على عدد من الخصائص التي جعلته يقع في فخ التطرف والتي يمكن تلخيصها في الآتي: فهو لا يعترف بامتلاك الفرد لذاته، لأنه باعترافه بذلك فهو يقر أحقيته الفرد في حرية الاعتقاد، مع اعتقاده بأن ما يؤمن به من قناعات هي الحق المطلق وما عدا ذلك فهو باطل وجبت محاربته، وفي سبيل ذلك يسعى المتطرف فكرياً إلى اجبار الآخرين على اعتناق فكره، مستخدماً لتحقيق ذلك كل ما يستطيع من قول أو فعل، أضف إلى ازدواجية المعايير، فبينما يرى المتطرف أنه يملك الحق كاملاً في فرض فكره ورؤاه، يستنكر على الآخر قيامه بذلك، ويتهمه بالتعصب ويفسر المتعصب هذا التناقض الفج بادعاءات غير منطقية بأن قناعاته هي الصواب، ويعتمد المتطرف آراء المتطرفين في مهاجمة المدارس الفكرية الأخرى، ولا يلقي بالاً إلى أصوات المعتدلين فيها، وذلك بهدف تبرير صراعه معها ولحشد عدد أكبر من المؤيدين في صفه. ثم ذهب الباحث طلال البلوشي ليتحدث عن النمذجه الخاطئة في عالم التطرف، وهنا يعتمد المتطرف على ذلك النموذج “اسطوري”- دون مراعاة للتحولات المجتمعية التي حدثت خلال قرون من الزمن محاولاً فرضه بالقوة، وأشار إلى التأخر الحضاري، فالتطرف هنا يتغذى على الأفكار البسيطة التي يسهل استيعابها من قبل شريحة كبيرة من البشر، كما أوضح البلوشي تفاصيل العزل الفكري في التطرف ومقتضياته، فالمتطرف حسب قوله عاجز تماما عن تحليل الوقائع كنتيجة لضعف اسلوب التفكير لديه، فهو أعجز عن ملاحظة نتائج تطرفه رغم وضوحها الشديد، كما أشار البلوشي إلى أن هناك الكثير من النقاط التي تنصف المتطرف وإظهاره في صوره الحقيقية ومن بينها إطلاق الأحكام والتعميمات: فهو ليس لديه القدرة على استخدام وسائل دفاعية نفسية ناضجة وإنما يتعامل عن طريق التعميمات وأحادية التفكير، أضف إلى ذلك هذيان العظمة، فكثيراً ما يكونون قادة الجماعات المتطرفة هم طلاب سلطة وجاه ومال وما الفكر التطرفي بالنسبة لهم إلا كحصان طروادة للأغريق، فبينما تقاد الجموع المتطرفة بمبادئ ظاهرها الأيدلوجية التي تؤمن بها تلك الجموع يبطن قادتها أهداف شخصية أخرى، مع عدم الاعتراف بعالمية الانتماء، فالمتطرف انتماءاته ضيقة جداً، إذ يميل إلى تصغيردائرة الانتماء إلى الحد الذي يجعله يعيش في صراع دائم مع من حوله، مثال ذلك إذا لم يحقق له أنتماؤه الديني الوضع الذي يطلبه يقلص دائرة انتمائه إلى مستوى المذهب ليتيح له ذلك الصراع مع أصحاب المذاهب الأخرى.
وفي ختام قوله أشار “البلوشي” إلى إن فهم خصائص البنية الفكرية للمتطرف تجعلنا أكثر قدرة على وأد بذور التطرف الفكري في مهدها، فمحاربة التطرف الفكري أقل من حيث الكلفة من محاربة التطرف السلوكي، ويجب أن نستحضر أمر غاية في الأهمية وهو أن الظلم الذي قد يتعرض له الفرد أو المجموعة هي من أقوى محفزات التطرف وحل ذلك يكمن في كلمة واحدة ساحرة وهي ” العدالة” .
بعد ذلك فتح باب النقاش مع الحضور الذي أوجد الكثير من التساؤلات حول قضايا التطرف وما آلت إليه المجتمعات العربية والإسلامية في الوقت الراهن.
مواضيع: “ندوةالتطرف”،#فتح،#