منارة المظفرية.. هنا ذاكرة عهد صلاح الدين الأيوبي

  28 فبراير 2019    قرأ 1637
منارة المظفرية.. هنا ذاكرة عهد صلاح الدين الأيوبي

تركت منارة المظفرية في محافظة أربيل شمالي العراق بصمتها عبر التاريخ لأكثر من عشرة قرون، صارعت كل ظروف الطبيعة ومستجدات الحياة لتبقى معلما بارزا لتاريخ حضارات عراقية متعاقبة مضت وبقيت تروي حكاياتها للأجيال.
سميت منارة المظفرية بمنارة جولي أيضا التي تعني بالكردية منارة البرية، وأطلق عليها هذا الاسم بسبب بُعدها عن المدينة وقت تشييدها في عهد السلطان مظفر الدين كوكبوري صهر صلاح الدين الأيوبي، الذي حكم أربيل في الفترة من 567 إلى 589هـ في عهد الأباتكة، وهي ثاني أقدم معلم تاريخي في أربيل بعد القلعة التي لا تبعد عنها كثيرا، بحسب أستاذ التاريخ في جامعة صلاح الدين الدكتور أحمد ميرزا.

ليست مقاومة الظروف بفضل الحجر الأحمر الذي بنيت منه المنارة هي العامل الوحيد الذي يلفت الانتباه إليها، بل هندستها التي جعلتها محط أنظار الكثيرين، بحسب ميرزا في حديثه للجزيرة نت، مضيفا أنها تتكون من قاعدة ذات أضلاع متساوية الطول في ستة منها وتختلف في اثنين، وهي تمثل الجزء السفلي الذي يحتوي على بوابتين كل منهما يؤدي إلى سلم يصل إلى نهاية المنارة، وكل سلم له 110 درجة. ولا يلتقي السلمان إلا في البداية عند الأرض ونهاية المنارة في الأعلى.

أما الجزء العلوي فمختلف تماما عن السفلي، فهو أسطواني الشكل يضيق قطره كلما ارتفع إلى الأعلى، ويحتوي على منافذ للإضاءة ودخول الهواء، وقد زادتها جمالا النقوش والزخارف الإسلامية التي وشحتها من الخارج.

وبهذه العوامل مجتمعة أخذت مكانتها البارزة وعكست مدى التطور الذي وصل إليه المسلمون في تلك الحقبة الزمنية، وما يضفي عليها جمالا أنها أعلى منارة في العراق، إذ يبلغ ارتفاعها 45 مترا إلا أنها الآن على ارتفاع 35 مترا بعد تدمير وسقوط 8 أمتار منها في عشرينيات القرن الماضي إثر تعرضها لصاعقة قوية، وهي تفوق نظيراتها كمنارة الحدباء ومنارة داقوق.

ويرى ميرزا أن أهميتها لا تختلف عن أغلب المنارات التي بنيت في تلك المدة والمدد القريبة منها، وكان هدفها المراقبة خشية التعرض لأي هجوم خارجي على المدينة، ولغرض مراقبة هلال شهر رمضان وحلول عيدي الفطر والأضحى. ولهذا السبب كانت تبنى شاهقة الارتفاع مقارنة بالأبنية الأخرى المعاصرة لها، كما أن وجودها هو بمثابة شاهد يفرض نفسه على التاريخ لعراقة أربيل وقدم تطورها العمراني بما تحمله هذه التحفة من رصانة بناء وجمال نقوش.

وبسبب هذه الأهمية أعيد ترميمها عام 2009 من خلال تثبيت أسسها ثم الانتقال إلى باقي أجزائها دون التأثير على قيمتها الحضارية، وقد تم ذلك بالتعاون بين إحدى الشركات الإيطالية ودائرة الآثار التابعة لوزارة الثقافة في إقليم كردستان العراق.

وكما للمعالم الأثرية أبعاد تاريخية، فكذلك لها أبعاد ثقافية، كما يرى وكيل وزارة الثقافة والشباب في إقليم كردستان العراق سالار عثمان، معتبرا أن منارة المظفرية تعكس الثقافة العميقة بين مختلف أطياف ومكونات أربيل وقد تلعب دورا في التعايش السلمي بسبب التبادل الثقافي بين الأديان المتعاقبة في المدينة.

ولا غرابة في أن تكون منارة المظفرية معلما سياحيا، فمعظم المواقع الأثرية نقاط للجذب السياحي، وهذا سبب كاف للاعتناء بها.

ويقول المتحدث الرسمي لهيئة السياحة في إقليم كردستان العراق نادر روستي إن الحكومة المحلية في أربيل أحالت قرابة 80 مترا مربعا حول المنارة إلى متنزه في عام 2006 بعد أن كان المكان مكبا للقمامة، مشيرا إلى أن هذا الإجراء تم لأسباب عدة، أهمها المحافظة على المنارة وإظهار قيمتها التاريخية لتتكامل مع أهم عناصر التطور السياحي وتصبح موقعا آخر لجذب السياح في أربيل.

وأضاف روستي أن هذا الهدف تحقق وأصبح المكان يعرف ببارك منارة المظفرية ويستقطب العديد من الأفواج السياحية، كما أنه يضج بالمطاعم والمقاهي، وقد تم بناء مسرح للمناسبات، وتشهد حدائقه كرنفالات واحتفالات لعدد كبير من المناسبات الوطنية وحتى حفلات الأعراس.

ويشير إلى أن تطوير المكان سياحيا دفع الجهات المختصة إلى بناء عشرات التماثيل لأشهر الشعراء والأدباء الأكراد بالقرب منها.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة