وتقول مصادر مطلعة، أنه "لا تزال الأوساط الاقتصادية مصابة بالوجوم ولا تريد أن تصدق أن البرلمان لن يجد وسيلة لتعطيل القنبلة الموقوتة في الأيام المقبلة، وهو احتمال مرجح حين تتصاعد حدة المخاوف قبل الوصول إلى حافة الهاوية".
الموقف الرسمي الآن، الذي أعلنته ماي والمفوضية الأوروبية هو أن الخروج دون اتفاق في 12 أبريل (نيسان) أصبح هو "السيناريو المرجّح" لكن الجميع لا يريد تصديق ذلك ويواصل التعلق بإمكانية تفادي الكارثة.
تقديرات المحللين تشير إلى أن أغلبية ساحقة من أعضاء البرلمان تدرك خطورة ذلك، لكنها لن تجرؤ على التنصل عن نتائج الاستفتاء، لأن ذلك يمكن أن يحدث انقساماً خطيراً في الشارع وقد يفجر الوضع الأمني، وربما يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف واسعة، وفقاً لما ذكره الكاتب في صحيفة "العرب" اللندنية سلام سرحان في مقال له اليوم السبت.
ارتباك اقتصادي
ملامح السيناريوهات الكارثية ظهرت تفاصيلها منذ العام الماضي، حين نشرت الحكومة البريطانية 86 وثيقة عن تداعيات الخروج دون اتفاق، والتي تمتد من شلل إمدادات السلع والأغذية والأدوية إلى ارتباك حركة النقل والطيران.
السؤال الآن هو عن حجم الألم الذي سيتحمله البريطانيون في الأيام المقبلة قبل أن يتم نزع فتيل القنبلة الموقوتة
وكشفت الصحف البريطانية حينها أن الحكومة وضعت خططاً لنشر وحدات الجيش للتصدي لتلك الاحتمالات، إذا انهارت العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي دون التوصل لاتفاق.
ونشرت وسائل الإعلام آراء مئات الخبراء، الذين أجمعوا على أن بريطانيا يمكن أن تتعرض لاضطراب غير مسبوق في الإمدادات، بسبب اعتمادها الشديد على استيراد أكثر من نصف ما تستهلكه من الغذاء، والذي يأتي معظمه من بلدان الاتحاد الأوروبي أو من خلالها.
وأكدوا أن منظومة الإمدادات تستند حالياً إلى خطط قصيرة الأجل لا يمكن تغييرها بسهولة لتخزين الغذاء والدواء لمواجهة حالات طارئة مثل انهيار العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وارتباك حركة التجارة.
حتى الآن دفعت بريطانيا بالفعل ثمناً باهظاً لا يقتصر على عشرات الشركات الكبرى والمصارف التي انتقلت إلى بلدان أخرى داخل الاتحاد الأوروبي أو ألغت خططها الاستثمارية أو نقلت الكثير من الوظائف.
هجرة الشركات
شركات مثل "سوني" و"باناسونك" اليابانيتين نقلت بالفعل مقراتهما إلى هولندا، في حين أوقفت "هوندا" و"نيسان" خططاً لإنتاج السيارات في بريطانيا. ولوحت شركات أخرى، مثل "فورد" الأميركية و"إيرباص" الأوروبية بإيقاف نشاطاتهما في بريطانيا في حال الخروج دون اتفاق.
لكن قطاع الخدمات المالية هو الذي يختزل حجم الورطة البريطانية، باعتباره أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي، وأكبر الخاسرين المحتملين من فقدان حي المال في لندن لجواز المرور إلى أسواق المال الأوروبية.
خسارة كبيرة
وصدر أخطر التقارير عن مؤسسة "ايرنست أند يونغ" للاستشارات والدراسات، التي قالت إن شركات الخدمات المالية نقلت ما تزيد قيمته على تريليون دولار من الأصول والموظفين والعمليات المالية إلى أوروبا منذ استفتاء البريكست وحتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
أكثر من تريليون دولار من الأصول المصرفية غادرت بريطانيا بالفعل وستتضاعف الفاتورة إذا حدث الطلاق الفوضوي
ويبدو رقم التريليون دولار مجرد القمة الطافية من جبل الجليد لأن تقرير المؤسسة استند فقط إلى الإعلانات والإفصاحات العامة التي تقدمها المؤسسات المالية المدرجة في البورصة بموجب قواعد الشفافية.
ويتضح ذلك من خلال إشارة الدراسة إلى أن تلك الأصول تم نقلها من قبل 20 مؤسسة مالية فقط. ولا تضم تلك البيانات الخطط التي لا تزال قيد الدراسة، إضافة إلى أن الكثير من المصارف والمؤسسات المالية لم تعلن على الملأ قيمة أصولها المحولة أو خططها لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
حدث كل ذلك قبل أن نصل إلى هذه اللحظة الحرجة. أما إذا حدث الطلاق الفوضوي بالفعل فإن موجة نزوح المصارف والمؤسسات المالية ستتضاعف عشرات المرات ومن المؤكد أن تفجر تداعيات واسعة تصل إلى انهيار أسعار العقارات بعد خلوّ أعداد هائلة من المكاتب والوحدات السكنية في لندن.
السؤال الآن هو عن حجم الألم الذي سيتحمله البريطانيون في الأيام المقبلة، قبل أن تتراجع نسبة كبيرة من مؤيدي الانفصال عن مواقفها، وتوصل أصواتها إلى البرلمان ليتمكن من تفادي الكارثة الاقتصادية.
قد يتطلب ذلك الاقتراب بدرجة خطيرة من حافة الهاوية، فيؤدي ذلك إلى انحدار حاد في قيمة الجنيه الإسترليني الذي قد تقل قيمته عن اليورو، وربما حتى عن الدولار، إضافة إلى انهيار اقتصادي واسع يشمل أسعار العقارات. حينها يمكن أن يحدث تحول كبير في الرأي العام مع وصول النيران إلى جيوب معظم مؤيدي البريكست ووظائفهم ومستويات معيشتهم فتنفجر أوهام البريكست ويتراجعون عن تلك الورطة لتبدأ رحلة لملمة الجراح والبقاء داخل الاتحاد الأوروبي.
مواضيع: