في الأيام القليلة الماضية، عادت بعض "الحرارة" لتُرصَد على خط "تطبيع" العلاقات بينهما، إن جاز التعبير، "حرارة" قد تكون الولايات المتحدة الأميركية السبب المباشر في رفدها، بحسب ما يرى البعض، في "مفارقة" أكثر من لافتة، قد يكون لها انعكاسات على مجمل العلاقات بين الجانبين...
"إيجابيّة" الحزب
في خطابه الأخير الذي خصّصه للتعقيب على زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان، والتصريحات التي أدلى بها خلالها، شكر الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله القوى السياسية التي لم تتجاوب مع دعوات "التحريض" الأميركية، خاصّاً بالشكر من وصفها بـ"القوى التي لا نتوقع منها أن تدافع عنّا أو تمدحنا".
برأي كثيرين، كانت رسالة السيد نصر الله "الودّية" هذه موجّهة بشكلٍ خاصّ إلى "القوات اللبنانية"، دون غيرها من القوى السياسية، خصوصاً أنّه تجنّب تسميتها بالاسم، في سياسةٍ لا يعتمدها الحزب مع سائر "الخصوم"، ولا سيما "تيار المستقبل" ورئيس الحكومة سعد الحريري، الذي لا يتردّد في التوجّه إليه بشكلٍ مباشرٍ كلما أراد ذلك.
بطبيعة الحال، لا يعني كلام السيد نصر الله الانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ في العلاقة مع "القوات" التي لطالما سعت إلى فتح قنوات حوار جدية مع "حزب الله"، بعيداً عن ساحة النجمة والسراي الحكوميّ، من دون أن تجد "حماسة" لدى الحزب، أو بالحدّ الأدنى، من دون أن يلاقيها الأخير في منتصف الطريق. ولكنّه يعبّر في الوقت نفسه، في مكان ما، عن "إيجابيّة مستجدّة" في نظرة الحزب إلى أبرز خصومه في الداخل، خصوصاً إذا ما رُبِط بسلسلة من المواقف السابقة التي تلاقى فيها الطرفان، والتي قد يكون أبرزها اعتراف السيد نصر الله نفسه في أحد خطاباته بـ"حيثية" لدى "القوات" لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها.
أكثر من ذلك، يرى بعض العارفين بأدبيّات "الحزب" أنّ رسالة السيد نصر الله لم تأتِ "عبثاً" بأيّ شكلٍ من الأشكال، بل إنّ الحزب حرص على توجيهها بهذه الطريقة إلى "القوات"، لاعتباراتٍ وحساباتٍ عدّة، أولها لـ"تقدير" الموقف "القواتي" الذي تعامل مع "التحريض" الأميركيّ بعقلانيّة "تُشهَد له"، وثانيها لإدراكه أنّ المرحلة أكثر من دقيقة، للحزب وللبنان بصورة عامة، وهي تتطلب رصّ الصفوف، وتجاوز الخلافات بقدر الإمكان.
"تخوين غير بريء"؟!
برأي كثيرين، لم تفوّت "القوات" الفرصة التي أوحت كلمات السيد نصر الله بأنّها "سانحة" لتحقيق "التقارب". يستند هؤلاء في قراءتهم هذه، إلى بعض المواقف "القواتية" التي رُصِدت في الأيام الماضية، من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان "سيادة إسرائيل" على الجولان السوريّ المحتلّ، ولعلّ أبرزها ذلك الذي صدر عن أقرب المقرّبين إلى رئيس الحزب سمير جعجع، أي زوجته النائب ستريدا جعجع.
ففي بيانٍ أصدرته قبل أيام، ذهبت جعجع بعيداً في تفنيد موقف "الحليف" ترامب، معتبرة أنّه "يتعارض بشكل صارخ مع القرارات الدوليّة"، بل إنّ من شأنه "القضاء على أيّ إمكان لإحلال السلام في المنطقة، لأنّ أيّ سلام يستوجب أولاً انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة". أكثر من ذلك، قالت جعجع إنّ "منطقة الشرق الأوسط لن تستقرّ من دون إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي"، مضيفة أنّ "الخطوة الأولى على طريق إنهاء هذا الصراع هي إعادة الأراضي العربية المحتلة، وخصوصاً في فلسطين المحتلة".
بدا هذا البيان "فاقعاً" برأي كثيرين، باعتبار أنّ من يقرأه للوهلة الأولى يظنّ أنّه يعود لأحد المسؤولين في محور "المقاومة والممانعة" مثلاً، أو حتى "حزب الله"، وهو ما دفع البعض لقراءته وكأنّه جاء "مكمّلاً" لما بدأته "القوات" خلال زيارة بومبيو، عبر تكريس مبدأ "العقلانية" في التعامل مع الولايات المتحدة، بما يدحض الادّعاءات القائلة بأنّ "القوات" تخضع للأجندة الأميركيّة في لبنان، وقوامها العداء مع "حزب الله"، والوقوف في الخطّ المواجِه له تماماً، في القضايا الاستراتيجية قبل الداخل.
وإذا كانت "القوات" لا تنفي رغبتها بالتقارب مع "الحزب"، إلا أنّها تستغرب محاولة تصوير مواقفها وكأنّها "مصلحيّة" لا أكثر، بما يشكّل في مكانٍ ما "تخويناً غير بريء" لها، ولو في معرض "المدح والثناء". ويؤكد المقرّبون منها أنّها أكثر من "مرتاحة" لردود الفعل على مواقفها الأخيرة، لأنّها إن دلّت على شيء، فعلى أنّها تفصل بين الخصومة السياسية والمبادئ الثابتة، وبالتالي أنّها ليست "تابعة" لهذا المحور أو ذاك، بمعنى أنها تنفّذ إملاءاته من دون نقاش، بدليل أنّها لم تتردّد في معارضة الولايات المتحدة نفسها، انسجاماً مع قناعتها بأنّ إسرائيل "دولة عدوّة"، وهو ما ورد أصلاً في ورقة "إعلان النوايا" التي سبق أن وقّعتها مع "التيار الوطنيّ الحرّ".
"فيتو غير مقنع"!
أبعد من هذه المواقف، يستبعد المعنيّون في كلّ من "القوات اللبنانية" و"حزب الله"، أن تترجم "الرسائل الودية" عملياً على أرض الواقع، ليبقى التواصل بين الجانبيْن محصوراً في إطاراته التنظيميّة الضيّقة، تماماً كما كان يحصل في السابق، ولو بحدّ أقلّ من "الكباش السياسي".
يقول البعض إنّ هذا الأمر طبيعيّ، نظراً إلى الاختلاف الشاسع في مقاربة الأمور بين الحزب و"القوات" على المستوى الاستراتيجيّ، وأنّ بعض المواقف "الآنية" من الأخيرة لا تعني بالضرورة أنّ "التلاقي" بات ممكناً، ولو كان أكثر من مُتاح في قضايا داخلية، على رأسها معركة مكافحة الفساد.
إلا أنّ هذه الرؤية لا تقنع البعض الآخر، ممّن يسألون عن سبب حصر "الفيتو" بـ"القوات" دون غيرها، فيما ينخرط "الحزب" بحواراتٍ بالجملة مع خصومٍ لا يقلّون عنها شأناً، من "تيار المستقبل" إلى "الحزب التقدمي الاشتراكي" وحتى "حزب الكتائب"، من دون أن ننسى الحليف "العوني" الذي كان في يومٍ من الأيام، "الخصم الأشرس"!.
مواضيع: