تركيا وروسيا.. شراكة استراتيجية في القرن الجديد
وهذه هي الزيارة الثانية التي يقوم بها بوتين لتركيا والاجتماع الخامس الذي يجمع الزعيمين منذ أن بدأت الدولتان في تطبيع العلاقات بعد أن أسقطت مقاتلة تركية (إف – 16) طائرة حربية روسية (سو – 24 إم) في 24 نوفمبر/ تشرين ثان 2015.
وعندما ننظر إلى التاريخ الحالي للعلاقات التركية الروسية، نرى أن العلاقات تطورت بشكل متسارع منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي إلى اللحظة التي تم فيها إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015.
وخلال الفترة التي سبقت إسقاط الطائرة، اقتربت تركيا وروسيا، وتمكنتا من ترقية علاقاتهما إلى "شراكة استراتيجية في القرن الجديد".
ومع ذلك، فإن تصاعد الخلافات بين البلدين حول الشرق الأوسط، وخاصة ما يسمى "حادث الطائرة"، كان له عواقب سلبية مباشرة على العلاقات التي تطورت على مدار عقدين.
فالخلافات المتزايدة والمنافسة وانعدام الأمن في المنطقة قللت من فرص حدوث أي تحسن في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وفي الوقت نفسه، أدت التوترات المتزايدة بين الغرب وروسيا إلى تقويض التوازن الإقليمي الهش أساسا، وبدت أنقرة عالقة في المنتصف بين هذا وذاك.
وتطورت العلاقات الثنائية التركية الروسية بتسارع مستمر منذ أن بعث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان برسالة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب فيها عن أسفه لاسقاط الطائرة.
وبعد أقل من شهر، قام الرئيس أردوغان بزيارته الأولى إلى الخارج في أعقاب الانقلاب الفاشل تموز/ يوليو 2016 إلى سانت بطرسبرغ في 9 أغسطس/آب 2016.
وكانت هذه الزيارة علامة بارزة في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد توقف دام تسعة أشهر تقريبا.
وعقب اجتماعهما فى سان بطرسبرغ، سلط الزعيمان الضوء على الحوار الجوهري والبناء حول كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك وحددا خارطة طريق لإعادة العلاقات إلى مستوى ما قبل حادث الطائرة.
واتفق الزعيمان على ضرورة حل المشاكل الإقليمية من خلال مبادرات مشتركة.
وهكذا، كانت هذه الزيارة تعني الكثير لكلا الطرفين. وكانت النتيجة الأكثر واقعية للاجتماع هي إزالة الحظر المفروض على الطماطم التركية، الذي كان يؤثر سلبا على التبادل التجاري بين البلدين منذ بداية عام 2016.
وكان هذا الحظر جزءا من العقوبات المناهضة لتركيا التي فرضتها موسكو بعد أزمة الطائرة، وبالتالي تم اجتياز خطوة هامة في عملية التطبيع.
وفي ختام الاجتماع اعرب الزعيمان عن ارتياحهما للمستوى الحالي للتجارة البينية.
واتفق بوتين واردوغان على مواصلة رفع الحواجز التجارية والاستثمارية بين بلديهما.
ومن المعول أن يكون مشروعا مد خط أنابيب الغاز الطبيعي (السيل التركي) ومحطة (أكويو) للطاقة النووية بمثابة قوة الدفع لتلك الجهود.
كما وتعد صفقة شراء منظومة صواريخ S-400، دفعة قوية للعلاقات رغم الانتقادات والشواغل القوية التي عبر عنها حلفاء تركيا الغربيين.
سوريا والعراق
وفي نهاية الاجتماع، تم الإعلان عن أن الطرفين ناقشا قضايا إقليمية، بما فيها العراق وسوريا، ووافقا على الحفاظ على سلامة أراضي البلدين.
ويعد الوضع في سوريا وفي شمال العراق حاليا أهم القضايا الأمنية للسياسة الخارجية التركية، ليس فقط بسبب عواقبها المباشرة على العلاقات الدبلوماسية والأمنية لأنقرة مع الغرب وروسيا، ولكن أيضا بسبب آثارها على الموقف الإقليمي التركي وكذلك التطورات المحلية.
وتعمل روسيا وتركيا، جنبا إلى جنب مع إيران، على إنشاء مناطق لتخفيف التوتر في سوريا. ويقال إن هذه المناطق ساعدت على الحد من القتال.
وتواجه الحكومة التركية قائمة طويلة من المشاكل المتعلقة بسوريا، مثل عودة ظهور الهياكل الإرهابية مثل جماعة (ب ي د) الإرهابية التابعة لـ (بي كا كا) كطرف فاعل، ووجود جماعات منبثقة عن تنظيم القاعدة على الحدود التركية، ومستقبل المناطق السنية بعد هزيمة داعش، ووضع اللاجئين، ومستقبل المعارضة التي تدعمها أنقرة في سوريا.
ومن بين هذه الأولويات القلق المباشر من جانب تركيا حيال الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة وروسيا لـ (ب ي د) و(بي كا كا) منذ بداية الأزمة السورية.
ومنذ التقارب التركي الروسي، كانت السلطات التركية أكثر صراحة في شكواها حول قيام الولايات المتحدة بتقديم أسلحة وذخائر الى (بي كا كا) وأذرعه في سوريا.
وتؤكد السلطات الآن أن روسيا تفهم بشكل أفضل حساسية أنقرة فيما يتعلق بهذه القضية وتوقفت عن تقديم الدعم العسكري لمثل تلك الجماعات.
ويشعر صناع القرار في تركيا أنهم بحاجة إلى دعم روسي لإجبار الولايات المتحدة على تغيير موقفها تجاه دعم "ب ي د" في سوريا.
ويشير تدفق الأحداث ومبادرات أنقرة الدبلوماسية إلى أن المسؤولين الأتراك يحاولون إبقاء إيران وروسيا على الجانب التركي في سوريا.
وعموما، فإن هذه الشبكة المعقدة من العلاقات تثبت اختبارا صعبا للسياسة الخارجية التركية، وتدفعها إلى تحديث سياساتها باستمرار وفقا للظروف المتغيرة باستمرار.