وتلقي هذه الخطوة، التي لم يسبق لها مثيل، بقطع شريان الحياة المالي عن طهران تماماً، الضوء على النفوذ القوي لأصحاب المواقف المتشددة داخل مجلس ترامب للأمن القومي، الذين قال مصدران إنهم كانوا من أكبر المدافعين عن القرار.
ودعا هؤلاء على مدى أشهر، إلى تشديد العقوبات في مواجهة معارضة بعض مسؤولي وزارة الخارجية، الذين كانوا يفضلون السماح لبعض الشركاء والحلفاء بمواصلة شراء النفط الإيراني.
واستقر الرأي على الخطوة قبل أيام من إعلانها يوم 22 أبريل (نيسان).
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: "لم يحاول أحد فعلياً دفع الأمر إلى وقف الصادرات تماماً"، وأضاف أن التوصل لتوافق بين إدارات الحكومة احتاج إلى "الكثير من العمل".
وظل ترامب متحمساً لوقف صادرات النفط الإيرانية منذ فرض العقوبات على طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لأول مرة منذ 2015 في خطوة تستهدف معاقبة إيران على طموحاتها النووية، ودعمها لجماعات مسلحة متشددة في الشرق الأوسط.
لكنه أيد في البداية اتباع نهج بطيء ومنح إعفاءات لحلفاء وشركاء تجاريين مثل الصين، والهند، وتركيا.
والآن تستبعد الولايات المتحدة نحو مليوني برميل من النفط يومياً من الإمدادات العالمية بفعل العقوبات على قطاعي النفط في إيران وفنزويلا.
لكن واشنطن تأمل أن يحافظ إنتاج النفط الأمريكي المرتفع، وهو الآن في أعلى مستوياته على الإطلاق بعدما تجاوز 12 مليون برميل يومياً، على الإمدادات في الأسواق العالمية، وأن يبقي الأسعار منخفضة.
وقالت المصادر، إنه بحلول 20 أبريل (نيسان) الماضي، ومع قرب انتهاء فترة الإعفاءات الممنوحة في 1 مايو (أيار) أقنع كبار المستشارين الاقتصاديين والأمنيين ترامب بأن الوقت حان لوقف صادرات النفط الإيرانية كلياً.
وقال مصدران، إن مجلس الأمن القومي لعب دوراً مهماً في توجيه دفة النقاش نحو إنهاء الإعفاءات خاصة ريتشارد غولدبرغ، وهو عضو جديد في الإدارة الأمريكية، ويناصر سياسة مواجهة إيران منذ وقت طويل.
وقال أحد المصادر إن غولدبرغ كان له دور "فعال".
وضم بولتون، غولدبرغ إلى مجلس الأمن القومي في العام الحالي.
وسبق أن عمل مستشاراً في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي يرأسها مارك دوبوفيتز، الذي كان من أشد مناصري فرض عقوبات على إيران في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وفي 2012 كان غولدبرغ معاوناً للسناتور الجمهوري في ذلك الوقت مارك ميرك الذي وجه ضربة لإيران بوضع تشريع أغلق آخر ثغرة قانونية تمكن إيران من بيع نفطها في ظل عقوبات أوباما.
واستهدف ذلك التشريع نظام سويفت للتراسل المالي ومقره بلجيكا، الذي كانت تجري إيران عبره تجارة نفطية بمليارات الدولارات.
وقال مسؤول ثانٍ كبير في الإدارة الأمريكية، إن كيفن هاست ولاري كدلو المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض دعوا أيضاً لإنهاء الإعفاءات.
وناقش ترامب الأمر مع بولتون، ووزراء الخزانة ستيفن منوتشين، والطاقة ريك بيري، والخارجية مايك بومبيو.
وقالت المصادر إن بولتون وبيري أيدا إنهاء الإعفاءات، في حين أشار البعض في وزارة الخارجية مجدداً إلى مخاوف من ارتفاع محتمل في أسعار النفط، لكنهم سحبوا اعتراضاتهم في نهاية الأمر، وأيدوا سياسة أكثر تشدداً تجاه إيران.
وذكرت المصادر أن وزارة الخارجية الأمريكية أجرت في الوقت نفسه محادثات مع ما لا يقل عن خمس من الدول الثماني التي مُنحت إعفاءات هي الصين، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان، وتركيا.
إعلان مفاجئ
باغت القرار الأمريكي عدداً من حلفاء الولايات المتحدة ومشتري النفط الإيراني. وقدمت وزارة الخارجية الصينية شكوى رسمية للولايات المتحدة.
وفي إطار منفصل، التقت رويترز دبلوماسيين من بلدين على الأقل من كبار مستوردي النفط الإيراني كل على حدة، وقالوا إن المناقشات حول تجديد الإعفاءات استمرت حتى أيام قليلة قبل إعلان تعليقها، ما يشير إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية لم يُتح لها سوى وقت قصير لإبلاغ الشركاء بالقرار.
وارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في ستة أشهر بعد الإعلان، لكنها تراجعت بعد ذلك.
وكان القلق يساور ترامب من أن يضر ارتفاع أسعار النفط بالاقتصاد الأمريكي، ويرفع أسعار البنزين، وقال في آخر تغريدة له قبل قرار الإعفاءات، إن أسواق النفط العالمية "هشة".
وطلب من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك، زيادة الإنتاج لتعويض نقص الإمدادات من إيران وفنزويلا.
وقال المسؤول بالإدارة: "هذا بوضوح ما كان يوازنه في عقله".
وذكر مسؤول كبير بالإدارة، أن ترامب أجرى مشاورات في الآونة الأخيرة مع زعماء السعودية والإمارات، حول أسعار النفط، وحصل على تطمينات بأن البلدين سيضمنان كفاية المعروض في السوق.
ورد وزير الطاقة السعودي قائلاً، إنه لا يرى حاجة لزيادة الإنتاج على الفور.
وتشير أرقام المنظمة إلى أن إنتاج أوبك تراجع بنحو 1.6 مليون برميل يومياً بين ديسمبر (كانون الأول) ومارس (آذار) الماضيين.
"الوقت المناسب"
أبقت إدارة ترامب، التي فرضت العقوبات على إيران في 2012 سعياً لإحباط طموحاتها النووية، على الإعفاءات طيلة حملتها للضغط على طهران.
وانتهت عقوبات أوباما مع الاتفاق النووي الذي توصلت إليه طهران مع ست قوى عالمية في 2015 لمنعها من الحصول على قنبلة نووية.
وسخر ترامب من هذا الاتفاق، وانسحب منه العام الماضي، وسط اعتراض الموقعين الآخرين عليه.
وقال مسؤولون في وزارة الخارجية، إن إدارة ترامب كانت تعتزم منذ البداية وقف صادرات النفط الإيرانية، لكن التوقيت لم يكن ملائماً قبل الآن.
وقال فرانك فانون مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون موارد الطاقة: "نحن نفعل ذلك في أوضاع سوق مواتية في ظل التزام كامل من الدول المنتجة. نرى أن هذا هو الوقت المناسب".
24ae
مواضيع: