الموصل تسعى لاستعادة مجدها الثقافي بعد جائحة داعش

  15 ماي 2019    قرأ 920
الموصل تسعى لاستعادة مجدها الثقافي بعد جائحة داعش

في كل مرة تحاول رؤى إحسان البحث عن كتب تستعين بها في دراساتها العليا في علوم الأغذية، تجد صعوبة متزايدة في العثور على مراجع في الموصل التي دفعت ثمن حرب مدمرة، ضد إرهابيين أحرقوا ودمروا مكتبات، ومراكز للقراءة والتعليم.

في المدينة التي عُرفت على مدى قرون بفنانيها وكتابها ومكتباتها الزاخرة بمؤلفات بلغات مختلفة، كانت قراءة الكتب التي لا تلبي توجهات داعش ممنوعة خلال سيطرة التنظيم على المنطقة، وتتسبب لأصحابها في أنواع شتى من العقاب.

وتقول رؤى بحسرة: "بعض الكتب لم تُرقم وفُقدت إلى الأبد"، إذ تعرضت للحرق أو للدمار الذي خلفته المعارك.

ويواجه الطلبة والباحثون، بعد مرور قرابة عامين على استعادة السيطرة على المدينة من قبضة الإرهابيين، "صعوبة بالغة في إكمال الأبحاث بسبب قلة المصادر"، حسب ما يشير طالب الدكتوراه في التاريخ عبد الحميد محمد.

قلة المصادر والمراجع

ويقول محمد: "بعد تحرير الموصل، يواجه الباحث صعوبة بالغة في إكمال بحثه بسبب قلة المصادر، وعليه الاعتماد على علاقاته الشخصية، أو الإنترنت للحصول على بعضها".

وحين يصعب الحصول على مراجع في الموصل، لا يتوانى أهل المدينة عن مغادرتها بحثاً عن مراجع.

فتوجه واثق محمود لإكمال بحوثه في الهندسة المدنية، إلى بغداد التي تبعد أكثر من 400 كيلومتراً جنوب الموصل، وأحياناً إلى البصرة التي تقع على بعد ألف كيلومتر، للحصول على مراجع.

ويؤكد محمود أنه قبل دخول الإرهابيين في 2014 إلى المنطقة، "كانت جميع المصادر التي يحتاجها الطالب متوفرة في الموصل".

ويضيف بمرارة "اليوم انعكست الآية تماماً، فبعدما كانت الموصل قبلة الدارسين والباحثين من كل أنحاء العراق والوطن العربي، يضطر أبناؤها إلى مغادرتها طلباً للعلم والكتب والمصادر من خارجها".

وكانت الموصل مشهورة بمكتبتها المركزية العامة التي تأسست في 1921 في منطقة الفيصلية، وكانت تضم مؤلفات وكتباً قيمة، ونادرة، ومخطوطات تراثية وأثرية.

وبين الكتب، مؤلفات باللغة السريانية طبعت في أول مطبعة أنشئت في العراق في نهاية القرن التاسع عشر في إحدى كنائس الموصل، بمنطقة الساعة في غرب المدينة.

كما كانت الموصل تفتخر بمكتبات حكومية كبيرة، ومكتبة الأوقاف، ومكتبة جامعة الموصل، والمئات من مكتبات الجوامع والكنائس، إلى جانب المكتبات الأهلية في شارع النجيفي المتخصص في بيع الكتب والمعروف بشارع الثقافة والمكتبات.

تدمير منهجي

لكن في فبراير(شباط) 2015، أقدم داعش على نهب مكتبة الموصل، ودمر هذا التراث بشكل منهجي، رغم محاولات الأهالي إقناع الإرهابيين بالعدول عن ذلك، دون جدوى.

ويؤكد مختصون أن تنظيم داعش جمع الكتب القيمة وباعها في السوق السوداء، لتمويل جرائمه التي ترقى إلى "إبادة محتملة" في العراق وسوريا حسب الأمم المتحدة.

بعد استعادة المدينة، أطلقت حملات عدة لإعادة ملء رفوف المكتبة المركزية بكتب ومخطوطات.

فكانت استجابة كبيرة من جهات حكومية، وأهلية، وجامعات، وأفراد، ومنظمات مدنية، وتمّ التبرع بكتب علمية وتاريخية وأدبية. كما استعيدت كُتب فقدت من المكتبة.

ويقول معاون مدير المكتبة المركزية العامة جمال أحمد حسو، إن "أعداد الكتب بلغت بمختلف عناوينها 16338 كتاباً قبل تعرض المكتبة للسرقة والتخريب، واستُعيد 11758 كتاباً، بمعنى أن عدد الكتب المفقودة هو 4580 كتاباً".

في مكتبة الأوقاف التي كانت تضم كتباً دينية بصورة رئيسية، بقي حوالى 48 ألف كتاب من أصل 58 ألفاً.

ويذكر شامل لازم طه، أمين المكتبة التي يعود تاريخ تأسيسها لنحو مئة عام، أنه "كان بين الكتب 4361 مخطوطة مهمة ونادرة، سرقها داعش كلها"، مشيراً إلى أن بين المخطوطات "المحيط البرهاني التي تعود لسنة 568 للهجرة"، وهي إحدى مؤلفات الشريعة الإسلامية.

ويلعب التضامن الأكاديمي العالمي اليوم دوراً كبيراً في إنقاذ مكتبة جامعة الموصل، لكن استعادة المحتوى التوثيقي أمر بعيد المنال.

استعادة الإرث الثقافي

ويقول الدكتور في علوم الزراعة بجامعة الموصل محمد عبدالله: "الجامعة عازمة على إعادة بناء المكتبة وإرجاعها كما كانت مصدراً غنياً بالعلم والمعرفة. لدينا شراكات وعروض عديدة في هذا المجال".

لكنه يضيف أن "المكتبة فقدت أكثر من مليون كتاب في مجالات علمية وأكاديمية متنوعة، منها أكثر من 3500 مطبوعة قيمة، بينها مخطوطات ودوريات يبلغ عمرها 300 سنة، ونسخ من القرآن الكريم تعود للقرن التاسع، وهذه تعرضت للنهب والحرق".

ويلفت أمين مكتبة جامعة الموصل عمر توفيق عبد القادر، إلى أن الخسائر تبلغ "ما بين 90 إلى 95% من مجموع محتويات المكتبة".

ويبين "إنقاذ أكثر من ثلاثة آلاف كتاب، فيما لا يزال أكثر من أربعة آلاف كتاب غير صالح، تم الاحتفاظ بها في المخازن".

ويشير عبد القادر إلى أن منظمات وجامعات وهيئات من العراق وخارجه قدمت بعد الحرب ما يقارب مئة ألف كتاب هدية للمكتبة.

وكان لأهالي الموصل دور في إنقاذ الإرث الثقافي.

فتمكن أبو محمد الذي يعمل مقاولاً في معدات البناء، من إنقاذ عدد كبير من الكتب، والمجلات من المكتبة المركزية خلال حريق اندلع فيها في 2015، وخبأها في سرداب أحد البيوت القديمة المهجورة، قبل أن يعيدها اليوم إلى المكتبة.

ويقول أبو محمد: "انتشلت مع أحد الأصدقاء أكثر من 750 كتاباً. حملناها في أكياس صغيرة عند احتراق المكتبة، رغم أن العملية كانت محفوفة بالمخاطر".


مواضيع:


الأخبار الأخيرة