عودة إلى الماضي تكشف أن كل حرب مع إسرائيل دارت في لبنان، أفضت إلى تعميق الشقاق اللبناني– اللبناني. من الاعتداءات الإسرائيلية مطالع السبعينات بعد تمركز مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان وصولاً إلى حرب تموز (يوليو) 2006 مروراً باجتياح 1982، كان الاستقطاب بين مؤيد للحرب ضد إسرائيل وبين معارض لها يتفاقم، بغض النظر عن أطراف الاستقطاب التي تبدلت أثناء هذه الفترة الزمنية المديدة. وحدهما عدوانا 1993 («عملية تصفية الحساب») و1996 («عناقيد الغضب») تمت السيطرة على تفاعلاتهما اللبنانية الداخلية بوساطة القبضة السورية الحديدية وكمّ أفواه المعارضين خصوصاً المسيحيين منهم.
في المقابل، شكّلت نتائج حرب تموز بـ «نصرها الإلهي» نقلة خطيرة في تسعير الانقسام الوطني ابتداء من الاعتصام الذي نظمه «حزب الله» في وسط بيروت لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة، بعد أسابيع قليلة على وقف إطلاق النار، صعوداً إلى الصدام المسلح في شوارع بيروت وبعض قرى الجبل والبقاع في أيار (مايو) 2008. يشير ذلك إلى أن غياب الضبط الإقليمي للداخل اللبناني بعد انسحاب القوات السورية في 2005، جعل من الحرب ضد إسرائيل مادة انقسام داخلي ملتهبة، لا تشمل الاتهامات المعتادة بالتخوين والتعامل مع العدو، بل أيضاً محفزاً شديد القوة للخلافات الداخلية التي ارتدت رداء العداء للمحكمة الدولية الناظرة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والسياسة الاقتصادية للحكومة والتصدي لكل محاولات السلطة السياسية فرض رقابة على نشاط «حزب الله» ولو ضمن مندرجات القرار الدولي 1701.
القياس على ما تقدم يوضح أن الجولة المقبلة من القتال بين إسرائيل وبين طرف أهلي لبناني، إن وقعت، ستكون عواقبها أعمق كثيراً على الداخل. يتساوى أمام ذلك أكان سبب الحرب التزام «حزب الله» الأجندة الإيرانية واستراتيجية التمدد في سورية والعراق ولبنان أو رد عدوان إسرائيلي صارخ. دعاة الكرامة والعزة والانتصارات المخضبة، يمكنهم الاستراحة هذه المرة فالحرب ستدور في مناخ دولي وعربي لا يلقي بالاً إلى وضع لبنان ولا إلى التعويض عن أضراره ودماره.
وفي حال انتصرت إيران أو هُزمت، فإن التركيبة السياسية اللبنانية ستتعرض إلى هزة قد لا تقوم لها بعدها قائمة، في ظل التشنج المذهبي الحاد الذي سيغري الطرف المسلح على المزيد من استخدام العنف في الداخل لمواجهة التململ والاحتجاج المتوقعين.
مواضيع: حسام،#حرب،#