مكنت التحولات التي مر بها اليمن للميليشيا القادمة من جبال صعدة في أقصى شمال اليمن باجتياح العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014. ومكّنهم ذلك من السيطرة على كافة مؤسسات الدولة، بما فيها صيدهم الثمين المتمثل في وزارة التربية والتعليم.
تم تسليم مقاليد الوزارة للشقيق الأكبر لزعيم الجماعة في مؤشر على الأهمية البالغة التي تعنيها لهم ولتحقيق حلمهم بجعل التعليم في اليمن طائفيا. وهو ما من شأنه أن يتيح لهم السيطرة على عقول ما يقارب خمسة ملايين طالب في المرحلتين الأساسية والثانية فقط وفقا لإحصاءات عام 2010.
وفي نوفمبر 2016 تم تعيين يحيى الحوثي الشقيق الأكبر لزعيم المتمردين وزيرا للتربية والتعليم في حكومة الانقلاب وكان أول قرار قام بإصداره تشكيل لجنة يغلب عليها أتباع جماعته لإعادة النظر في المناهج الدراسية.
وتم استبدال الكثير من مدراء المدارس والمعلمين بموالين يحملون أيديولوجية الجماعة، وقد كشف عن أهداف هذه الخطوة المبكرة ما تم اتخاذه لاحقا من خطوات هدفت في مجملها إلى إيجاد مبررات واهية لتغيير المناهج الدراسية في كل مراحل التعليم واعتماد مناهج جديدة تستند إلى “ملازم” مؤسس الجماعة حسين بدرالدين الحوثي.
ووصف المعارضون لهذه التغييرات ذلك بأنه محاولة لتشويه أفكار الطلاب بالتعبئة الطائفية واستحضار الخلافات المذهبية، والسعي لتنشئة جيل عقائدي موال للميليشيا.
على الرغم من حالة الرفض التي تواجه بها جهود الحوثيين في تغيير المناهج الدراسية شعبيا ومن خلال الكثير من كوادر التعليم إلا أن وزير التعليم في حكومة الانقلاب يحي الحوثي يعمل على تمرير العديد من الخطوات بسياسة فرض الأمر الواقع.
وفي هذا الاتجاه جرى تشكيل عدد من اللجان للقيام بهذه المهمة في محاولة لإضفاء طابع شرعي عليها.
الحوثيون يراهنون على تغيير المناهج الدراسية في التعليم ما قبل الجامعي باعتبارها موجهات ثقافية للناشئة
وكشفت مصادر إعلامية يمنية، مطلع العام الجاري، عن إصدار يحي الحوثي قرارا بتشكيل لجنة مكونة من 50 أكاديميًّا من الموالين لجماعته ليتولوا مهمة الإشراف على صبغ المناهج الدراسية في المدارس الحكومية والأهلية بطابع طائفي يتبنى وجهة نظر الحوثيين في الكثير من القضايا.
وأكدت المصادر أن المرحلة الأولى من التغيير التي ستطال المناهج التعليمية ستنحصر في مقررات اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ، وهو ما يعكس حقيقة التوجه الحوثي في هذه المواد.
ووفقا لمتخصصين في المجال تتمحور النقاط التي تم تغييرها أو هم بصدد العمل على تغييرها حول القضايا المتعلقة بالثورة اليمنية ضد النظام الإمامي في عام 1962 والتي ينظر إليها الحوثيون على أنها انقلاب، وهو ما يحاولون تكريسه في المناهج الجديدة.
كما يهدف الحوثيون إلى تبييض صورتهم كجماعة انقلابية خاضت ست حروب ضد الدولة وهو ما تم من خلال حذف كل ما له صلة بتمرد صعدة في المناهج الدراسية واستبداله بإشارات إيجابية عن حركتهم والانقلاب الذي قاموا به لاحقا في عام 2014 بصفته ثورة.
ويقوم الحوثيون بتحوير متعمد في قضايا تاريخية ودينية من خلال فرض وجهة نظرهم المذهبية الشيعية ورؤيتهم التاريخية للأحداث من وجهة نظر خاصة تعود إلى أحداث سقيفة بني ساعدة. وهو ما كشف عنه انحيازهم ضد رموز دينية يحترمها اليمنيون عموما مثل الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان الذين تم حذفهم من المقررات الدينية، وكذلك بعض الصحابة والأبطال التاريخيين، إلى جانب استبدال الأسماء بشكل كامل وإضافة أسماء ذات طابع خاص بالنسبة إليهم، مثل إلغاء صالح واستبداله بحسين في مقررات اللغة العربية، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى تغيير الصور في مناهج القراءة ووضع صورة تجسد شخصية حسين الحوثي مؤسس الجماعة.
إضافة إلى حالة الرفض المجتمعي لممارسات الحوثيين في ما يتعلق بالعبث بالمناهج المدرسية، قوبلت تلك الممارسات بحالة رفض من مستويات محلية وإسلامية رفيعة المستوى، حيث وصف المركز اليمني للدراسات والإعلام التربوي تغيير الحوثيين لمقررات التعليم في اليمن و”تفخيخها بأجندات طائفية”، بأنهما ينذران بمخاطر ثقافية وفكرية على الطلاب الذين لا يزال معظمهم في سن الطفولة. وذكر المركز في بيان صحافي أن “الحوثيين يصرون على إعادة تعديل مناهج التعليم المدرسي بالقوة، ولديهم توجهات جديدة في إعداد مناهج جديدة تخدم أجندتهم الطائفية، ما ينبئ بمخاطر تهدد النسيج الاجتماعي وتعمق الهوة الثقافية والفكرية في البلاد، وينتج جيلا مفخخا بالأفكار الطائفية والمناطقية لا أكثر”.
كما أدانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” في ديسمبر 2016 إقدام الانقلابيين على إتلاف كتب الدراسات الإسلامية في مطابع الكتاب المدرسي، وسحب النسخ الموجودة منها في المدارس، بدعوى أنها مخالفة لمذهبهم، وحذرت المنظمة من مخاطر تغيير المناهج التعليمية في اليمن، واستبدالها بأخرى تكرس الطائفية.
ورفضت الحكومة الشرعية من جهتها التعامل مع النسخ المعدلة من الكتب الدراسية التي طبعت في صنعاء، وقامت بمصادرة وإتلاف الكثير منها، وقال وزير التربية والتعليم في الحكومة الشرعية عبدالله لملس في تصريحات صحافية، معلقا على هذه القضية “لقد تنبهنا مبكراً لمثل هذه التوجهات واتخذنا قراراً في 2015، باعتماد الكتب المدرسية المطبوعة في 2014، والتي طبعت بالتوافق بين كل القوى السياسية والأكاديمية في الجمهورية اليمنية”. وأضاف لملس “إن الانقلابيين يحاولون إدخال تعديلات على الصفحات وليس المناهج بشكل كامل، وإجراء تعديلات على الصفحات مسألة أخطر من تعديل المنهج الذي يتطلب فترة طويلة وجهداً كبيراً”.
أخطر ما يقوم به الحوثيون في اليمن حالياً هو “أدلجة” المجتمع بفكرهم الطائفي السلالي عبر تغيير المناهج الدراسية
اعتبر الكاتب والسياسي اليمني علي البخيتي في تصريح لـ”العرب” أن أخطر ما يقوم به الحوثيون في اليمن حالياً هو “أدلجة” المجتمع بفكرهم الطائفي السلالي عبر تغيير المناهج الدراسية، ونقل الكثير مما ورد في ملازم مؤسس الحركة إلى مناهج التعليم الحكومية. وهو ما يعد تفخيخا للمستقبل حيث سيجد اليمنيون أنفسهم خلال سنوات قليلة أمام جيل حوثي مؤدلج.
ولفت البخيتي، القيادي الحوثي المنشق، إلى أن الحوثيين يقومون بتوزيع كتيبات صغيرة لمؤسس الحركة على الجنود في المؤسسة العسكرية والأمنية ومختلف مؤسسات الدولة.
ويشير البخيتي إلى عجز حلفاء الحوثيين في الداخل وعلى رأسهم الرئيس السابق عن التصدي لما يقومون به من عبث بالمناهج التعليمية. وهو الأمر ذاته في ما يتعلق بموقف قادة الأحزاب السياسية اليمنية في الخارج الذين لا يولون اهتماما لما يقوم به الحوثي من “إعادة تربية للمجتمع وفقاً لنظرته الدينية الضيقة”. ويرى الباحث اليمني ثابت الأحمدي أن ما تقوم به الجماعة الحوثية في قطاع التعليم هو امتداد لأول تغيير وتحريف لمسار الهوية الوطنية اليمنية في عهد الإمامة على المستوى الفكري الممنهج.
وأشار الأحمدي في تصريح لـ”العرب” إلى مراهنة الحوثيين على تغيير المناهج الدراسية خاصة في التعليم ما قبل الجامعي باعتبارها موجهات ثقافية للناشئة في صياغة الهوية والفكر كحارس قومي للشعوب في حد ذاته.
وعن النتائج المتوقعة من توجيه الحوثيين لمخرجات التعليم بما يتلاءم مع توجهاتهم الطائفية أكد الأحمدي أن ذلك سيفضي إلى حالتين، الأولى: حرف مسار الهوية الوطنية اليمنية، باعتبار اليمن ذا حضارة عريقة وتاريخ قديم هو جزء من الهوية العربية والإسلامية.
والثانية: استبدال الثقافة والفكر اليمنيّين بفكر وثقافة دخيلين، ليس على اليمن فحسب بل على المنطقة برمتها، وهذا الفكر مزيج من الإمامة الهادوية الجارودية التي يقولون عنها زيدية، ومن الخمينية الإيرانية المعاصرة.
هذا ما سيؤول في النتيجة النهائية إلى “زرع بذور الطائفية بطريقة رسمية، وتهديد الأمن القومي لليمن وهويته التاريخية”.
مواضيع: