يذكرنا جيمس بيري، الذي رحل عن 93 عاما، بعدما عانى طويلا مرض ألزهايمر، بالشاعر الكاريبي ديريك والكوت، الحائز جائزة نوبل للآداب. فكلا الشاعرين مزج بشكل فني وجمالي بين تراثي بلدين مختلفين ثقافيا واجتماعياً. وبيري المنحدر من جامايكا، استقر في بريطانيا في الأربعينات، وتشبع بثقافة هذا البلد، كاشفا بشكل خاص عن العلاقة الإشكالية بين المجموعات السوداء والبيضاء، كما فعل والكوت تماما، فيما يخص العلاقة بين المجموعتين في الكاريبي، مع الفارق بالطبع بين الرجلين ورؤيتهما الفنية والثقافية والسياسية. كان والكوت يبحث عن جذوره في العالم؛ ولذلك كان يعود دائماً إلى التاريخ، تاريخ الكاريبي، وتاريخ أفريقيا، ما قبل وما بعد المرحلة الكولونالية، ليس فقط على المستوى الرمزي، وإنما على المستوى المادي أيضا.
لكننا لا نستطيع أن نتحدث عن عودة إلى الماضي في شعر بيري «بحثاً عن الجذور»، كما هو ظاهر شعر والكوت وفي الأدب ما بعد الكولونيالي عموماً، كما أن بيري لم يكن مشغولا بـ«عملية تفكيك الواقع»، مثلما عند النيجيري بول سوينكا أو الباكستاني الأصل سلمان رشدي على سبيل المثال، وهو لم يلجأ إلى الذاكرة، وهي سمة أخرى من سمات أدب ما بعد الكولونيالي، لـ«استعادة الهوية». قد يكون بيري أقل مهارة شعرية ولغوية من هؤلاء، ولكن هذا موضوع آخر. وربما لم تكن تهمه كل هذه التصنيفات. كان شاعرا مغموسا في الواقع. ويمكن القول، إنه شاعر التفاصيل الصغيرة الموجودة في هذا الواقع. ومن هنا، يأتي «شعره الملتزم»، بالطريقة نفسها تقريبا الذي كان فيها الشعر الملتزم، والأدب عموماً، سائدا في مرحلة التحرر الوطني إبان الخمسينات والستينات، في آسيا وأفريقيا وأميركا للاتينية. كان شعره بسيطا، واضحا وضوح القضايا التي كان يدافع عنها حتى يوم رحيله. ومن هنا، كان نشاطه اليومي بارزاً في الجمعيات والاتحادات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان.
كان بيري منسجما مع نفسه ومع المجتمع البريطاني الذي كان يعيش فيه منذ 1948، بعدما أن قضى سنوات عاملا في الولايات المتحدة، حتى إنه كتب مرة يقول: «إن لندن مناسبة لي، وأنا مناسب لها، فهناك الكثير من الكتب ومن المكتبات». وفي المقابل، احتضنه الوسط الثقافي البريطاني في محنته الأخيرة، حين أصيب بألزهايمر عام 2011، فأقيمت فعاليات ثقافية عدة في لندن خصص ريعها لعلاجه ورعايته نظمها شعراء وكتاب وموسيقيون معروفون: أندرو موشن شاعر التاج البريطاني السابق من 1999 – 2009، ووروجر ميكوف أحد أبرز الشعراء البريطانيين الساخرين وكتاب أدب الطفل، أيان مكميلا الشاعر ومقدم البرنامج الشهير «ذا فيرب إفري وييك» في «بي بي سي»، (راديو 3)، ومايكل هوروفيتس الشاعر والفنان والمترجم وغيرهم. وكان شعر الرجل العاجز حاضرا في هذه الحفلات التضامنية، وكذلك شعر الآخرين المكرس له، والموسيقى المستلهمة من كلماته. وأكثر من ذلك، أسس هؤلاء جمعية باسمه لمساعدة الكتاب المرضى ذهنيا، وبخاصة ضحايا ألزهايمر.
وقبل مرضه، منح بيري، بتوصية من هؤلاء وغيرهم، أرفع وسام بريطاني هو «وسام الإمبراطورية البريطانية».
ولد جيمس بيري عام 1920 في جامايكا في منطقة ريفية. بدأ بكتابة الشعر والقصة وهو في عمر صغير. وخلال الحرب العالمية الثانية، هاجرت عائلته، حين كان مراهقاً، إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث عاش هناك لفترة ست سنوات، غادرها إلى المملكة المتحدة عام 1948.
ابتداء من السبعينات، أصدر مجموعات عدة لفتت إليه الانتباه. وفي عام 1981 حاز جائزة الجمعية الوطنية للشعر، وكان أول شاعر من ويست أنديز ينال مثل هذه الجائزة.
AzVision.az
مواضيع:
شاعر
كاتب