بعد أن تتخذ المركبة تشاندرايان 2" مدارا حول الأرض لمدة 4 ستكمل مهمتها إلى القمر، حيث ستهبط على سطحه، بالقرب من قطبه الجنوبي، مركبة الهبوط "فيكرام"، التي ستطلق بدورها المركبة الجوالة "براجيان".
ويتصادف تاريخ إطلاق المهمة الفضائية الهندية مع الذكرى 50 عاما على رحلة "أبولو 11" التاريخية إلى القمر، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وبالطبع فالمركبة الهندية لن تكون وحدها على سطح القمر، إذ توجد حاليا، ولكن على الجانب المظلم منه، المركبة الصينية "تشانغ إي 4"، التي هبطت عليه في يناير الماضي.
في الوقت نفسه، تعهدت الولايات المتحدة بإنشاء "مختبرات قمرية" في المستقبل القريب، بينما كشفت أوروبا وروسيا أيضا عن خطط لإطلاق مهام معقدة.
وبعد سنوات قليلة من مهمة رائدي الفضاء نيل أرمسترونغ وبوز ألدرين التاريخية إلى القمر في يوليو 1969، تبخر الاهتمام العام والسياسي بالرحلات الفضائية المأهولة، فيما كانت الولايات المتحدة تعاني في ذلك الوقت من صعوبات جراء حرب باهظة الثمن في فيتنام، فكان قرار التخلي عن برنامج أبولو.
لكن فجأة بات الجميع يذهبون إلى القمر.. لكن لماذا؟ ما الذي جعل القمر، التابع الرئيسي والوحيد لكوكب الأرض، فجأة يتمتع بشعبية كبيرة؟
يقول مدير الاستكشاف البشري والروبوتي في وكالة الفضاء الأوروبية، ديفيد باركر إن أحد أسباب هذا التحول هو أن استغلال القمر، ببساطة، أصبح سهلا مستفيدا من الاستكشافات الماضية على الأرض، حيث يرى أوجه تشابه خاصة مع عمليات الاستكشاف العالمية إلى القطب الجنوبي.
ويوضح باركر أن ما حدث مع القمر حدث مع القارة المتجمدة الجنوبية (أنتاركتيكا) ولكن بصورة معكوسة "ففي بداية القرن، كان هناك سباق للوصول إلى القطب الجنوبي، ثم لم يعد أي شخص لمدة 50 عاما، تماما مثل القمر في الستينيات.. ثم بدأنا في بناء قواعد في أنتاركتيكا.. نحن الآن نقترب من تلك المرحلة باستغلالنا للقمر".
وأشار إلى أن التقدم التكنولوجي، ممثل بالمركبات الآلية والنقل الجوي وموجات الراديو وغيرها، بالإضافة إلى العلوم الجديدة مثل تكنولوجيا الاستشعار والروبوتات والكمبيوتر، ساهمت ومازالت تساهم في "فتح" القارة القطبية الجنوبية، و"هذا كله يساهم في استعمار القمر واستغلاله دون الحاجة إلى وجود بشري.. أو على الأقل في الحد الأدنى منه".
من ناحيته يقول عالم الفلك البريطاني مارتن ريس إن هناك فجوة كبيرة في التكلفة بين المهمات المأهولة وغير المأهولة، وهي تتزايد طوال الوقت، مضيفا أنه "مع التقدم الكبير في مجال الروبوتات والتصغير، هناك حاجة أقل لوضع رائد فضاء على سطح القمر، وهذا يوفر المال".
ولا شك أن نجاح المركبة الفضائية الصينية "تشانغ إي 4" يوفر مثالا لما يمكن تحقيقه دون تدخل بشري، فهذه المركبة الفضائية هي أول مركبة على الإطلاق في الجانب البعيد للقمر، واستمرت في العمل دون مشاكل، رغم اضطرارها إلى العمل لفترات طويلة مع انخفاض درجات الحرارة إلى أقل من 180 درجة مئوية خلال الليالي القمرية.
إن استغلال هذه التطورات في الروبوتات لمساعدة النشاط البشري على سطح القمر سيشكل العمود الفقري لمشروع "بوابة القمر" (غيتولي) الأميركي المقبل، وهي عبارة عن "محطة فضائية قمرية" تدور حول القمر، حيث تخطط "ناسا" لاستخدام نظام الإطلاق الفضائي الذي يعتمد على صواريخ عملاقة ستحمل الكبسولة الفضائية أوريون وستلتحم مع المحطة الفضائية القمرية .
ودعت ناسا شركاء من أوروبا وكندا واليابان ودول أخرى للمشاركة في مشروع "بوابة القمر"، التي سيتم إنشاؤها خلال العقد المقبل.
وسيستخدم رواد الفضاء "بوابة القمر" لتشغيل الروبوتات التي تعمل على سطح القمر عن بعد، كما ستستخدم في إنشاء التلسكوبات الراديوية، واستغلال المعادن، بالإضافة إلى البحث عن الجليد والمياه، ودراسة كيفية استخدام الصخور القمرية كمواد بناء لمستعمرة القمر، وفي النهاية وفي يوم من الأيام، ستقوم طائرة بنقل البشر للعمل على سطح القمر في مستعمرات أعدت لهم بواسطة الروبوتات.
ويعتقد ديفيد باركر أن "هذا الخبر سار بالنسبة إلى أوروبا"، حيث تتعاون وكالة الفضاء الأوروبية "إيسا" مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" على بناء بوابة القمر"، مشيرا إلى أنه "لهذا يجب أن نكون في وضع قوي لنقل رائد فضاء أوروبي إلى القمر".
أما العالم في معهد علوم الكواكب في توسكون بأريزونا جيفري كارجل فيقول إن المكاسب العلمية التي ستتحقق من دراسة القمر من بعثات معتمدة على "بوابة القمر" ستكون كبيرة، ولذلك فهو يحرض بشكل خاص على استغلال تاريخ القمر الجيولوجي، خصوصا فيما يتعلق بالنيازك، مشيرا إلى أنه "من النيازك الأولى التي سقطت على الأرض، يمكننا أن نتعرف على أصول القارات، وأول آثار للمحيط، وتكوين الغلاف الجوي البدائي.. وأصل الحياة".
من ناحيته، أبدى باركر حماسة مماثلة لإمكانات دراسة القمر، وقال "إنه متحف لتاريخ النظام الشمسي"، مشيرا إلى أن المكافآت المحتملة من هذا الموقع القمري تعكس تلك المكتسبة بالفعل من القواعد التي أقيمت في أنتاركتيكا.
ومن الأسباب الأخرى للعودة إلى القمر، بالنسبة للعديد من المتحمسين للفضاء، أن استكشافه واستغلاله ضروريان إذا أراد البشر اتخاذ الخطوة العملاقة التالية في الفضاء، أي إرسال الناس إلى المريخ، إذ يعتقد باركر أن "هذا هو الهدف الحقيقي للبشرية"، مشددا على أنه لتحقيق هذا الهدف "سيتعين علينا أن نتعلم أولا كيفية التغلب على القمر".
مواضيع: