باحثون يلقون 17 ألف حافظة نقود لفحص معدلات الأمانة في 40 بلدا

  22 يوليو 2019    قرأ 799
باحثون يلقون 17 ألف حافظة نقود لفحص معدلات الأمانة في 40 بلدا

سلّم باحثون مساعدون قبل بضع سنوات 400 حافظة نقود "عثروا" عليها في أبنية عامة، مثل البنوك والمسارح والفنادق ومراكز الشرطة ومكاتب البريد والمحاكم، في ثماني مدن هندية.

وسلم الباحثون حراس الأمن وموظفي الاستقبال حافظات النقود التي قالوا إن أقدامهم تعثرت فيها بينما كانوا يتعجلون الخروج من الأبنية.

 

كانت بعض الحافظات خالية من النقود، وكان بعضها يحتوي على 230 روبية (3.30 دولار) نقدا، وكانت كل حافظة تحتوي على ثلاث بطاقات عمل تحمل معلومات تحدد هوية أصحابها، كاسم صاحب الحافظة وعنوان البريد الإلكتروني وقائمة مشتريات البقالة ومفتاح.

وانتظر فريق الباحثين، الذين كانوا يمثلون أنهم أصحاب تلك الحافظات، الاتصال بهم من جانب حراس الأمن وموظفي الاستقبال كجزء من تجربة لاختبار أمانتهم.

سُلمت حافظات النقود إلى 314 رجلا و 86 سيدة في مدن أحمد آباد وبنغالور وكويمباتور وحيدر أباد وجايبور وكلكتا ومومباي ودلهي.

ورصد الباحثون إبلاغ أصحاب 43 في المئة من الحافظات التي كانت تحتوي على أموال، بينما كان الرقم أقل بكثير بالنسبة للحافظات الخالية من النقود، حيث أعيد 22 في المئة منها فقط.

أثبتت نتائج هذه التجربة المثيرة التي نشرتها مؤخرا مجلة "ساينس" أن الناس أكثر أمانة مما نعتقد. وقال آلان كوهن، عالم الاقتصاد السلوكي في جامعة ميتشيغان وأحد المشرفين الرئيسيين على الدراسة، إنه "شيء لم نتوقعه".

وكتب المشرفون على الدراسة "عندما يستفيد الناس بشدة من ممارسة سلوك غير آمين، تزداد الرغبة في الغش ولكن تزداد التكاليف النفسية بنظر الشخص إلى نفسه على أنه لص، وأحيانا يهيمن الأخير على الأول".

وسجلت المدن الجنوبية في الهند أعلى وأقل معدلات من حيث الإبلاغ عن حافظات النقود، بنغالور (66 في المئة) وحيدر أباد (28 في المئة)، وسجلت مدينة كويمباتور الجنوبية الأخرى أعلى معدل للإبلاغ عن حافظات خالية من النقود (58 في المئة) ، في حين سجلت العاصمة دلهي أقل معدل (12 في المئة).

والنساء عموما أكثر ميلا من الرجال إلى الإبلاغ عن الحافظات سواء احتوت على أموال أم لا.

وكانت تجربة "إلقاء" حافظة نقود على الأرض في الهند جزءا من دراسة عالمية أوسع نطاقا أجراها باحثون لرصد مفاضلة الشخص بين الأمانة والمصلحة الشخصية.

استطاع باحثون مساعدون "إلقاء" 17 ألف حافظة نقود بين عامي 2013 و 2016 في 355 مدينة في 40 دولة. كانت بعض الحافظات تحتوي على 13.45 دولار بالعملة المحلية، وتفاوتت المبالغ بحسب القوة الشرائية لكل بلد، واستهدف الباحثون خمسا إلى ثماني من أكبر المدن في بلد واحد.

ووجد الباحثون أن الأشخاص في 38 دولة من مجموع 40 دولة كانوا أكثر ميلا لإعادة حافظات تحتوي على نقود بداخلها ( باستثناء دولتين عن القائمة هما بيرو والمكسيك).

وعندما لجأ الباحثون إلى زيادة الأموال داخل الحافظة بنسبة سبع مرات في ثلاث دول، وجدوا أن متوسط معدل إعادة الحافظات ارتفع بنسبة 18 في المئة.

وسجلت الدنمارك أعلى معدلات الإبلاغ عن حافظات بداخلها نقود (82 في المئة)، وسجلت بيرو أقل معدل (13 في المئة).

وسجلت سويسرا أعلى معدلات الإبلاغ (73 في المئة) والصين أقل معدلات الإبلاغ (7 في المئة) عن حافظات خالية من النقود، كما أظهر الأشخاص مزيدا من الأمانة في حالة زيادة النقود في الحافظات.

وخلصت تجربة شارك فيها 1500 مشارك من 15 دولة وأشرف عليها باحثون بريطانيون في عام 2015 إلى أن الناس صنّفوا الهند، إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية، من بين الدول التي اعتُبر الناس فيها أقل أمانة.

واحتلت الهند على نحو منفصل المرتبة 78 على قائمة مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، والذي صنّف 180 دولة ومنطقة بحسب مستويات الفساد في القطاع العام. (تحتل الدولة الأقل فسادا المرتبة الأولى على القائمة.)

أخبرني كريستيان لوكاس زوند، خبير الاقتصاد في جامعة زيورخ وأحد المشرفين الرئيسيين على الدراسة: "ترتبط معدلات الإبلاغ عن حافظات النقود في تجربتنا بإجراءات مثل مؤشر الشفافية الدولي".

ولم تخل التجربة من طرائف. إذ طالب شخص مسؤول عن أمن بناية في الهند رشوة من باحث مساعد نظير السماح له بالدخول، ولم يبلغ في النهاية عن الحافظة. وفي مكان آخر، قام رجل بتسليم الحافظة وقال إنه سيتبرع بالمال إلى جمعية خيرية إذا لم يعثر على صاحبها، وقال "سأكتب رسالة بالبريد الإلكتروني، وإذا لم يستجب أحدهم ، فسأتبرع بالمال. وإلا فإنها تعتبر رشوة".

بماذا تخبرنا هذه التجربة عن الأمانة والسلوك الإنساني؟
أحد تفسيرات نتائج الدراسة يبرز الإيثار، أي تفضيل الآخرين عن النفس، بمن فيهم الغرباء. لهذا السبب أبلغ الكثير منهم عن حافظات النقود. ومن المثير للاهتمام أن عددا أكبر من الحافظات التي كانت تحتوي على مفتاح أعيدت مقارنة بتلك التي لا تحتوي على مفتاح.

والأكثر أهمية في الأمر هو "التكلفة النفسية" ونظر الشخص إلى نفسه على أنه لص.

وقال زوند: "يسهل عدم شعور الشخص بانعدام الأمانة في حالة احتفاظه بحافظة خالية من النقود نظرا لعدم كسب شيء منها، ويزداد الأمر صعوبة إذا احتوت الحافظة على نقود".

وماذا عن أولئك الذين لم يبلغوا عن حافظة نقود؟.

يقول خبراء الاقتصاد إنهم ربما لا يتحلون بالأمانة لكنهم ربما ينشغلون أو ينسون.

وتحدث دان أرييلي، أستاذ علم النفس والاقتصاد السلوكي في جامعة ديوك، في كتابه "الحقيقة الصادقة لانعدام الأمانة"، عن تجربة مماثلة، إذ مشى في سكن الطلبة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ووضع ست زجاجات كوكاكولا في نصف الثلاجات ووضع أطباقا من الورق ومعها ستة دولارات ورقية في النصف الآخر.

وفي غضون 72 ساعة، اختفت جميع الكوكاكولا، لكن أحدا لم يأخذ النقود.

وقال : "هذه التجربة الصغيرة توحي بأننا بشر مستعدون لسرقة شيء لم يشر صراحة إلى قيمته المالية، ومع ذلك، نخجل من سرقة الأموال مباشرة إلى حد يجعل حتى أتقى معلمي مدرسة الأحد (الدينية) فخورا بذلك".

إن الصراحة، بوضوح ، هي أفضل سياسة.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة