وليس هناك إحصاء محدد بعدد تلك التطبيقات، لكن تشير تقديرات إلى أنها قد تبلغ نحو 200 تطبيق.
ومن أبرز مواقع التواصل الاجتماعي النشطة حول العالم: فيسبوك، تويتر، يوتيوب، واتساب، فيسبوك ماسنجر، انستغرام، وي تشات، كيو زون، تيك توك، لينكد إن، سكايب، فيس تايم، سناب تشات، وغيرها.
وأشارت دراسات إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم بلغ أكثر من 4 مليارات شخص في عام 2018، بينما بلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي نحو 3.2 مليار في العام ذاته، أي أكثر 40 في المئة من سكان العالم، أما فيسبوك تحديدا فقد بلغ عدد مستخدميه 2.3 مليار شخص.
وتوصلت دراسة حديثة إلى أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على منصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، ارتفع بنحو 60 في المئة في المتوسط، على مدى السنوات السبع الأخيرة.
وحللت مؤسسة "غلوبال ويب إندكس" البحثية في لندن بيانات من 45 دولة حول العالم من أكبر الدول في "أسواق الإنترنت"، ورأت أن الوقت الذي يكرسه كل شخص لمواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقاتها ارتفع، من 90 دقيقة يوميا عام 2012 إلى 143 دقيقة، في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019.
وأشارت دراسة أخرى إلى أن هناك نحو نصف مليون تغريدة وصورة تنشر على موقع سناب تشات للمحادثة كل دقيقة، على سبيل المثال.
لماذا هذا "الهوس"؟
يفرط بعض الأشخاص في قضاء الوقت على مواقع التواصل، لدرجة يصفها البعض بـ"الهوس".
ويرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بإحدى الجامعات الخاصة في مصر، أن "حب الشهرة والظهور" هو الدافع الرئيسي وراء هذا الاستخدام المفرط في أغلب الأحيان.
ويقول: "لأول مرة تكون أمامك فرصة أن تكون صحفيا ورئيسا للتحرير، في منصة إعلامية تملكها أنت، ويمكن أن يصل صوتك للعالم كله، وربما تصبح مشهورا فجأة بسبب ما تنشره".
ويضيف: "البعض يجدها فرصة للتعبير عن رأيه، أو الظهور وجلب اهتمام الآخرين والحصول على استحسانهم، بينما يستعرض آخرون حياتهم الشخصية لتعزيز إحساسهم بذواتهم، حيث تعزز مواقع التواصل هذا الإحساس".
ويرى صادق أيضا أن التسلية وقضاء الوقت من أسباب الانجذاب إلى مواقع التواصل، خاصة مع فئات مثل المتقاعدين وربات البيوت، والمرضى الملازمين للمنازل.
ويضيف: "هناك أيضا الحصول على المعلومات، ففي مصر مثلا ينحصر مصدر المعلومة على الإعلام المحلي، وهو منظومة منهارة وفاشلة، والإعلام الأجنبي الذي يتشكك فيه كثيرون، ومن ثم يتوجهون إلى مواقع التواصل الاجتماعي".
ويرى صادق أيضا أن مواقع التواصل وفرت فرصة للتعارف بين الأشخاص، خاصة بين الجنسين في المجتمعات العربية المحافظة، التي تضع قيودا على هذه العلاقة.
بينما يرى الدكتور أحمد عسكر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة أسيوط، أن الفراغ هو العامل الأول وراء الانجذاب نحو مواقع التواصل.
ويقول: "الفئة الأكثر استخداما لمواقع التواصل هي الشباب، ويرجع ذلك في مصر إلى البطالة خاصة بين خريجي الجامعات".
ويضيف: "أنظر إلى المهندسين مثلا، هناك نحو 37 معهد وكلية هندسة خاصة وعامة في مصر، تخرج آلاف المهندسين سنويا لا يجدون عملا، وظروف البلد لا تشجعهم حتى على البحث عن فرصة عمل".
ويتابع: "لذلك تجد المقاهي هي المشروع التجاري الأكثر انتشارا في بلدنا، وتوفر الإنترنت عبر الواي فاي لجذب الشباب".
تسهيل فرص عمل
لكن الأمر يختلف تماما بالنسبة للسيدة إيمان، التي تدير مشروعا لنقل تلاميذ المدراس، عبر حافلة صغيرة بالقاهرة.
وتقول إيمان: "أعمل في هذا المشروع منذ نحو 8 سنوات، لكن الأمر اختلف كلية منذ نحو 4 أو 5 سنوات، بظهور تطبيق واتساب. قبل ذلك الوقت لو كنت بحاجة لإجراء أي تعديل على موعد تحرك الحافلة، أو حدث معي أي طارئ وأردت إبلاغ أولياء التلاميذ، لاضطررت مثلا لإجراء 30 مكالمة هاتفية، لأبلغ نفس الرسالة لكل منهم".
وتضيف: "سهل تطبيق واتساب من عملي كثيرا وساعدني على توسعته، حيث أنشأت مجموعة على التطبيق تضم أولياء أمور التلاميذ، وأستطيع الآن إبلاغهم جميعا أي رسالة عبر كتابتها مرة واحدة، والتواصل معهم بشكل أسرع وأكثر فعالية".
وتابعت: "لقد وفر علي التطبيق الوقت والجهد، وكذلك تكلفة إجراء المكالمات الهاتفية".
وتضيف إيمان: "لقد نسيت كيفية استخدام الرسائل النصية العادية عبر الهاتف، وذلك لأني لم أعد أستخدمها منذ وقت طويل".
أما محمد، ويعمل في شركة بالقاهرة لإرسال الطلاب للدراسة في الخارج، فيقول إنه يعتمد إلى حد كبير على تطبيقي فيسبوك ماسنجر وواتساب للتواصل مع الطلاب، ومع مندوبي الشركة لدى جامعات روسيا وأوكرانيا وجورجيا التي يرسل إليها الطلاب.
ويقول محمد: "لم أعد أستخدم البريد الإلكتروني على الإطلاق. لقد أصبح شيئا من التاريخ بالنسبة لي".
للزواج، والطلاق أحيانا
عرف العالم العربي مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع منذ نهاية عام 2010 ومطلع عام 2011، مع اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي.
وبينما يفضل المستخدمون المصريون تطبيق وموقع فيسبوك، يقبل السعوديون أكثر على تطبيق وموقع تويتر.
ومن المفارقة أن الربيع العربي وتطبيقات التواصل الاجتماعي كانا سببا في ارتباط أستاذ علم الاجتماع المصري، سعيد صادق، بزوجته التونسية حنان عوينة.
ويقول: "بعد اندلاع الثورة التونسية كنت أكتب تعليقات بشأنها عبر فيسبوك. أعجبت حنان بتعليقاتي وأرسلت لي طلب صداقة".
ويضيف: "أصبحنا أصدقاء في العالم الافتراضي، وحين سافرت إلى تونس لحضور مؤتمر علمي التقيتها، وتوطدت صداقتنا ثم اتقفنا على الزواج، الذي تم بالفعل عام 2016".
ويرى صادق أن مواقع التواصل فرصة للتعارف بين الرجل والمرأة قبل الزواج، لكي يتعرف كل منهما على أفكار وطباع الآخر، فإما أن تتلاقى أفكارهما ويتممان الزواج، أو يمضي كل منهم إلى سبيله.
وتشير دراسات، أجريت في عدة دول، إلى ارتفاع عدد حالات الطلاق بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سهلت تلك المواقع من الخيانة الزوجية من وجهة نظر البعض، كما يستخدمها البعض في المجتمعات العربية بديلا عن تطبيقات المواعدة في العالم الغربي.
وقال شاب تحدثت إليه بي بي سي ورفض الكشف عن هويته، إن رجلا مقربا منه "طلق زوجته بعد أن اكتشف محادثات لها على فيسبوك تحوي كلمات إعجاب بصديقه المتزوج، والذي كان يتبادل معه الزيارات العائلية".
وغالبا ما يكتشف أي من الزوجين خيانة شريكه عبر وسائل عدة أبرزها تتبع مكانه عبر نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس"، أو عبر التلصص على محادثاته على مواقع التواصل، وربما إنشاء حساب وهمي لاختبار مدى إخلاص الطرف الآخر له.
"إشعال الثورات"
وقد لعب تطبيق فيسبوك دورا بارزا في إشعال ما عرف بـ"ثورة الياسمين" في تونس، في منتصف ديسمبر/ كانون الأول من عام 2010، على خلفية قيام الشاب محمد بوعزيزي بإشعال النار في نفسه، بعد أن صادرت الشرطة بضاعته وعربته اليدوية، التي كان يتقوت منها كبائع متجول.
وأسفرت الثورة في تونس عن إزاحة نظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، في 14 يناير/ كانون الثاني عام 2011.
وألهمت تلك الثورة ما عرف فيما بعد بالربيع العربي، وعقب فرار بن علي من تونس بنحو عشرة أيام، أطلق ناشطون في مصر دعوة للاحتجاج، ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك حينذاك، عبر صفحة على فيسبوك حملت اسم "كلنا خالد سعيد"، في إشارة إلى شاب مصري قال ناشطون إنه لقي حتفه على يد قوات الشرطة.
وأسفرت تلك المظاهرات عن تنحي مبارك عن الحكم، في 11 من فبراير/ شباط من عام 2011.
وربما لم يكن أي من مبارك أو بن علي يتوقع ذلك من تطبيق مثل فيسبوك حينذاك.
لكن حظ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان مغايرا لنظيريه التونسي والمصري، حيث أسهمت مكالمة شهيرة له، عبر تطبيق "فيس تايم" لمحادثات الفيديو، في إنقاذ نظام حكمه من السقوط أمام محاولة مسؤولين بالجيش التركي الانقلاب عليه، وذلك ليلة الجمعة 15 من يوليو/ تموز عام 2016.
ودعا أردوغان حينذاك، في المكالمة التي أجراها مع قناة تلفزيونية تركية، الشعب التركي والأجنحة الموالية له في الجيش والشرطة للتصدي للانقلاب، وهو ما حدث بالفعل.
وحاليا، لا يمكن إغفال السجال الدائر في مصر، بين مؤيدي ومعارضي الرئيس عبدالفتاح السيسي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فقد ثار هذا السجال بعد سلسلة من الفيديوهات، نشرها المقاول والممثل المصري المقيم في إسبانيا، محمد علي، عبر موقع فيسبوك تحدث فيه عن مزاعم "فساد".
وأسفر ذلك عن مظاهرات محدودة لكنها مفاجئة ضد النظام في مصر، جرت في مناطق متفرقة من البلاد ، ليل الجمعة 20 من سبتمبر/ أيلول الجاري، وصفها معارضون بأنها "كسرت حاجز الخوف لدى المصريين"، بينما يرى آخرون أنها "لا تعبر عن غالبية المصريين الذين رفضوا المشاركة فيها".
فوائد وأضرار اجتماعية
تقول السيدة إيمان: "أقيم في القاهرة مع زوجي وأولادي، بينما تقيم أسرتي الكبيرة بمدينة الإسكندرية، ومن ثم أتواصل معهم وأطمئن على أخبارهم، على مدار الساعة ودون تكلفة تذكر".
بينما يرى الدكتور أحمد عسكر، أستاذ علم الاجتماع، أن مواقع التواصل أسفرت عن ضعف الروابط الأسرية، إذ "أصبح كل فرد من أفراد الأسرة الصغيرة متقوقع داخل هاتفه، فهم يجسلون على نفس الإريكة، لكن كل واحد منهم في عالم مختلف".
ويضيف: "لقد أصبح الشاب يجد بديلا عن أسرته في تلك التطبيقات، كما تراجعت إلى حد كبير ظاهرة الأسرة الكبيرة في الريف المصري، التي تضم الجد والجدة وأبنائهم والأحفاد".
وتابع: "كما تراجعت للغاية الزيارات والتجمعات العائلية، وأصبحت الواجبات الاجتماعية مثل العزاء وغيرها تتم عبر فيسبوك".
ويحذر عسكر من "الخرس الزوجي" وضعف الروابط بين الأزواج، وكذلك الانحرافات الجنسية وربما الجريمة، خاصة لدى الشباب "الذي يعاني البطالة وارتفاع سن الزواج وصعوبة تكاليفه".
لكن الدكتور سعيد صادق يرى أن مواقع التواصل قد تثير نقاشات بناءة بين أفراد الأسرة، حول قضايا اجتماعية وثقافية وربما سياسية.
وبينما يرى عسكر أن مواقع التواصل "جعلت العالم بين يديك"، لكنها في الوقت ذاته "أخذت من المجتمعات أكثر مما أعطت".
ويرى خبراء آخرون المسألة أكثر تعقيدا، وتتوقف على عوامل عديدة أهمها الشخص المستخدم وأهدافه، والبيئة المحيطة به.
ويقول أندي شيبيلسكي، الباحث في معهد أكسفورد للإنترنت: "وسائل التواصل الاجتماعي متنوعة تنوعا هائلا، فثمة مواقع مختلفة تطرح موضوعات مختلفة، ما يجعل من الصعب التعميم بشأن آثارها".
مواضيع: