وعندما نذكر فوائد النبيذ، قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين صحة القلب. لكن أبحاثا، أقل شهرة، كشفت عن وجود صلة قوية بين المشروبات الكحولية وبين مرض السرطان، إذ ذكرت الدراسة أن استهلاك زجاجة واحدة أسبوعيا من النبيذ قد يزيد احتمالات الإصابة بالسرطان لغير المدخنين بنسبة واحد في المئة للرجال و1.4 في المئة للنساء.
وتعادل زجاجة واحدة من النبيذ أسبوعيا تدخين خمس سجائر للرجال و10 سجائر للنساء.
وتعود الأبحاث التي تثبت فوائد تعاطي المشروبات الكحولية إلى السبعينيات من القرن الماضي، حين لاحظ باحثون أن الفرنسيين أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب مقارنة بالشعوب الأخرى، رغم أنهم يتناولون كميات أكبر من الدهون المشبعة.
ولاحظوا وجود علاقة واضحة بين استهلاك النبيذ وبين انخفاض معدلات الإصابة بأمراض القلب، ولا يزال العلماء يحاولون فك تشابك هذه العلاقة المحيرة حتى الآن.
ودفعتنا هذه الدراسات للاعتقاد بأن شرب الخمر باعتدال قد يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري والسمنة.
وتقول هيلينا كونيبير، مساعدة مدير المنتدى العلمي الدولي لبحوث المشروبات الكحولية، إن الأبحاث المبكرة أثبتت أن تناول كميات قليلة من الخمر بانتظام قد يؤدي إلى إطالة العمر وتحسين الصحة والحماية من تراجع القدرات المعرفية.
ومنذ ذلك الحين، أجمع العلماء لفترة طويلة على أن الامتناع تماما عن تناول المشروبات الكحولية أكثر ضررا على الصحة من استهلاك كميات معتدلة منها (ما يعادل مرة أو مرتين يوميا).
لكن الآن يعتقد الكثير من الباحثين أن معظم هذه المعلومات غير صحيحة، لأن الأشخاص الذين خضعوا لهذه الدراسات ربما لم يصابوا بالأمراض بسبب امتناعهم عن تناول الخمر، بل قد يكونوا امتنعوا عن تناول المشروبات الكحولية لأنهم كانوا مرضى.
وخلص تحليل لـ 54 دراسة في عام 2016 إلى عدم وجود أي علاقة بين تناول الخمر باعتدال وبين انخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
وتقول كونيبير إن العلماء على مدى السنوات الخمس الماضية فحصوا بعض العوامل الأخري التي قد تؤثر على هذه النتائج، مثل ثراء شاربي النبيذ وارتفاع مستواهم التعليمي ونشاطهم البدني.
وفي دراسة أجريت عام 2019، تابع الباحثون لمدة 10 سنوات أكثر من 500 ألف شخص بالغ في الصين، واستبعدوا الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية.
ويقول زينغمينغ تشين، أحد معدي الدراسة وأستاذ علم الأوبئة بجامعة أكسفورد، إن فروقا جينية معنية لدى بعض الناس تجعلهم لا يتحملون شرب الخمر على الإطلاق. في حين أن الأشخاص الذين ليس لديهم عيوب جينية بإمكانهم شرب أي كميات من الخمر.
وخلصت دراسة إلى أنه كلما زاد استهلاك الناس للخمر، زادت احتمالات إصابتهم بارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية، على مدى عشر سنوات، لكن استهلاك الخمر لم يؤثر على احتمالات الإصابة بنوبات القلب
وخلص الباحثون إلى أنه كلما زاد استهلاك الناس للخمر، زادت احتمالات إصابتهم بارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية، لكن لم يجد الباحثون أي علاقة بين شرب الخمر ومخاطر الإصابة بالنوبات القلبية.
يعد النبيذ بشكل عام الخيار الصحي من بين المشروبات الكحولية، لأنه يحتوي على مضادات أكسدة تسمى الفينولات المتعددة، والتي توجد أيضا في النباتات والخضروات. وتحمل الفينولات المتعددة خصائص مضادة للالتهابات المسببة للأمراض. ويحتوي النبيذ الأحمر على نسب فينولات متعددة أعلى بعشر مرات مقارنة بالنبيد الأبيض.
واكتشف ألبرتو بيرتيلي، الباحث بقسم العلوم الطبية الحيوية بجامعة ميلانو، أن شرب النبيد بكميات قليلة قد يحمينا من أمراض القلب، نظرا لخصائصه المضادة للالتهاب. لكنه أوصى بعدم شرب النبيذ إلا مع الوجبات وبعدم تجاوز 160 ملليلترا يوميا.
وركزت الأبحاث على مركب الريسفيراترول من بين مركبات الفينولات المتعددة، وهذا المركب يوجد في قشور العنب وبذوره، ويعتقد أنه يحمي الجسم من ارتفاع ضغط الدم عن طريق توسيع الأوعية الدموية.
وبالرغم من أن النبيذ الأبيض لا يحتوي على ريسفيراترول، إلا أن بيرتيلي لاحظ أن له نفس الفوائد الصحية للنبيذ الأحمر، إن كان للنبيذ فوائد من الأصل.
ويقول بيرتيلي: "وجدنا في النبيذ الأبيض مركبين من المركبات التي تعد صحية، الموجودة في زيت الزيتون البكر وبنفس النسب تقريبا"، واكتُشف أن هذين المركبين، وهما تيروسول وهيدروكسي تيروسول، يقيان من مرض ألزهايمر.
وأثبتت دراسات أن النبيذ الأحمر مفيد لصحة القناة الهضمية، التي تحسن مناعة الجسم والهضم وتساعد في الحفاظ على وزن صحي. وأجريت دراسة مؤخرا على عادات شرب الخمر لدى التوائم، وخلص الباحثون إلى أن النبيذ الأحمر يساعد في زيادة تنوع البكتيريا التي تعيش في القناة الهضمية، التي ترتبط بتحسين الصحة بشكل عام.
لكن فوائد النبيذ على القناة الهضمية اكتشفت لدى الأشخاص الذين يشربون كأسا واحدة من النبيذ الأحمر أسبوعيا.
ولاحظ الباحثون أن مؤشر كتلة الجسم الخاص بالأشخاص الذين يشربون النبيذ الأحمر أكثر انخفاضا مقارنة بغيرهم، لكن ربما يعزى ذلك إلى أن شاربي النبيذ الأحمر يتبعون نمط حياة صحيا.
ويقول مارك بيليس، مدير قسم السياسات والأبحاث والتنمية الدولية بوكالة الصحة العامة بويلز، "إن أكثر شاربي النبيذ الأحمر يمارسون التمرينات الرياضية بانتظام وأكثر ثراء ويتمتعون بصحة أفضل".
وخلصت دراسة أخرى عام 2015 إلى أن شرب 150 ملليلترا فقط من النبيذ الأحمر، قد يقلل من مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب بين مرضى السكري.
تقول كارولين لي روي، معدة الدراسة عن استهلاك الخمر وصحة القناة الهضمية وباحثة بجامعة كينغز كوليدج كوليدج بلندن، إن النبيذ الأحمر قد يكون أفضل الخيارات بين المشروبات الكحولية، لكن الخيار الأفضل للصحة هو الامتناع تماما عن شرب الخمور.
وتقول لي روي: "من المعروف أن المشروبات الكحولية مضرة بالصحة، لكن إذا شربتها فاختر النبيذ الأحمر، لأنه الوحيد بين المشروبات الكحولية الذي ثبت أن له فوائد صحية. لكنني رغم ذلك لا أشجع أحد على شرب النبيذ الأحمر".
ويرى باحثون أن كمية مركب ريسفيراترول التي يمتصها مجرى الدم بعد شرب النبيذ الأحمر قد لا تكفي لإحداث التأثير المضاد للأكسدة، بينما يرى آخرون أن المركب قد لا يبقى في مجرى الدم لفترة كافية لإفادة الجسم.
وأُجري الكثير من الأبحاث عن أقراص مكملات ريسيفراترول، رغم أن فعاليتها لم تثبت بعد، ويرى بيرتيلي أن الكحول الموجود في النبيذ يساعد الجسم على امتصاص ريسفيراترول في مجرى الدم.
وتنصح الأدلة الإرشادية الصحية بالمملكة المتحدة بعدم تجاوز 14 وحدة من الكحول أسبوعيا، وتعادل الوحدة 10 ملليلترات من الكحول. ويجمع الباحثون على أن الخيار الأفضل لصحتنا هو الامتناع عن شرب الخمر، وأن النبيذ الأحمر هو الخيار الأفضل بين المشروبات الكحولية لشاربي الخمور.
ويحذر بيليس من شرب النبيذ الأحمر لفوائده الصحية لأن هناك بدائل أخرى لتحسين صحتنا أكثر فعالية من النبيذ الأحمر.
ولا تزال أفضل الطرق لتحسين الصحة هي تناول كميات أكبر من الفاكهة والخضروات والمواظبة على ممارسة التمرينات الرياضية وليس شرب النبيذ.
مواضيع: