فرنسا تحظر إنشاء مدارس دينية تركية على أراضيها

  18 ديسمبر 2019    قرأ 1216
فرنسا تحظر إنشاء مدارس دينية تركية على أراضيها

ما زال حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا، الذي قام بتحويل النظام التعليمي في بلاده من علماني مُتسامح إلى ديني مُتشدّد، يُصر على تعميم تجربة مدارس "الأئمة والخطباء" التركية في فرنسا.

 

وتصدى وزير التعليم الفرنسي جان ميشيل بلانكر، لهذه المحاولات، والذي حذّر كذلك من خطورة أسلمة المناهج التعليمية داخل تركيا نفسها.

وقال بلانكر: "هناك الكثير من بوادر سوء النية القادمة من تركيا، ولدينا قلق كبير بشأن ما تفعله السلطات التركية مع جاليتها في فرنسا".

وفي هذا الصدد، حصل موقع (24) على معلومات مؤكدة بأنّ عدداً من المسؤولين الأتراك يواصلون زياراتهم للثانويات الفرنسية في باريس وسالزبورغ دون تنسيق مع الخارجية الفرنسية، وذلك بهدف افتتاح أقسام تعليم خاصة للتلاميذ الأتراك داخل المدارس الفرنسية، بعد رفض باريس مراراً فكرة إنشاء مدارس ثانوية دينية تتبع أنقرة، وذلك من منطلق الطعن بالأسس القانونية لتعليم الأتراك في فرنسا.

كما أكدت المعلومات أنّ الحكومة التركية تتبع أسلوب المُساومة والتهديد بإغلاق المدارس الفرنسية والأوروبية الموجودة منذ سنوات في تركيا في حال لم يُسمح لها بإنشاء مدارس تابعة لها في تلك الدول، وهو ما قامت به أخيراً للضغط على باريس من خلال التهديد بإغلاق المدارس الفرنسية التي تعمل في كلّ من أنقرة وإسطنبول.

وندّد وزير التعليم الفرنسي بسياسات النظام التركي الحالي، ووصفه بأنه "عدواني" و"استبدادي"، مُشدداً على أنه لا يعارض وجود مؤسسات دولية في فرنسا، لكنه يرفض قيام السلطات التركية بالضغط على المؤسسات الفرنسية لتحقيق أهدافها.

وأوضح أنّه "إذا رغبت دولة محايدة أيديولوجيا ودينياً في تنفيذ مشروعات تعليمية داخل فرنسا، فمن الممكن بحث الأمر بالطبع، لكن هذا ليس هو الوضع بالنسبة لتركيا".

وطالب رؤوساء الأكاديميات الفرنسية، التي تُشرف بدورها على المناهج التعليمية للمدارس الثانوية، السلطات الرسمية الفرنسية بنشر معلومات دقيقة حول حقيقة هذه المسألة، والتصدّي لاستمرار المحاولات التركية نشر التعليم الديني المُتشدد بين الطلبة المسلمين، وخصوصاً الأتراك منهم، في ظلّ نظام الدولة العلماني الذي يشمل التعليم بشكل أساس.

الجهاد والحرب المقدسة
وقال مدرس التاريخ في إحدى ثانويات العاصمة الفرنسية جان لوي كورتو، لـِ (24)، إنّ "حلم العُثمانيين الجدد ما زال مُستيقظاً ومتمثلاً في زرع العلم التركي في يوم من الأيام على سطح مبنى تعليمي في مدينة باريس"، مُحذراً من التساهل والتجاوب مع مُخططات الرئيس التركي من منطلق التسامح، لأن غاية أردوغان برأيه هي "بدرجة أولى تدريس مفهوم الجهاد والحرب المقدسة" ونشر أفكار الإسلام السياسي التركي.

وشككت إيتيرنا ليو والدة أحد الطلبة الفرنسيين، في المحتوى التعليمي المناسب للمدارس التركية، وتقول إنّه "ليس للزعماء الأتراك ما يفعلونه في نظام التعليم الفرنسي المُتميّز عالمياً"، مُحذّرة في ذات الوقت من تغلغل وتوسّع المدارس الدينية التركية في بعض دول القارة الإفريقية التي شهدت تراجعاً فرنسياً في هذا الصدد.

يُذكر أنّ مركز الأبحاث الليبرالي الفرنسي "مونتاني"، سبق وأن حذّر في تقرير رفعه للرئيس إيمانويل ماكرون، من "مصانع إنتاج الأسلمة" التركية، والتي أهمها المساجد.

وكانت باريس أعلنت مراراً أنها لا ترغب في توظيف أئمة مساجد أتراك، نظراً لما يقومون به من نشر للفكر المُتطرّف من بوابة التعليم الديني.

وبالتزامن مع المساعي التربوية الفرنسية للحدّ من تغلغل مفاهيم الإسلام السياسي القادمة من تركيا، فقد وعد ماكرون أخيراً بألا يكون هناك أيّ تهاون بمواجهة أولئك الذين يريدون فرض "إسلام سياسي يسعى إلى الانفصال" عن المجتمع الفرنسي، في تصريحات قويّة فسّرها مُراقبون بأنها موجهة للإسلام السياسي التركي بشكل خاص.

التعليم الديني التركي
ويؤكد الإعلام الرسمي التركي، الذي ينطق معظمه باسم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، أنّ مدارس "الأئمة والخطباء" الدينية باتت "ماركة" خاصة بالبلاد، وقيمة هامة بالنسبة لتركيا، حيث تُصدّر مناهج هذه المدارس إلى العديد من بلدان العالم"، وفقاً لما ذكره قمبر تشال رئيس جمعية "أوندر" الدينية التركية.

وكشف أنّ مناهج هذه المدارس، التي شدّد على أهميتها أردوغان، تُدرّس حالياً في 54 مدرسة بـِ 22 بلداً حول العالم، كما لفت إلى وجود 13 مدرسة "أئمة وخطباء" دولية في تركيا مُخصّصة للطلاب القادمين من شتى دول العالم.

وفي ذات الصدد أنشأت وزارة التربية والتعليم التركية منذ 3 سنوات وقف المعارف التعليمي، ليتولى إقامة مدارس خارج البلاد بإشراف مباشر ودعم مالي من الحكومة التركية.

وتواصل وقف المعارف التركي مع 70 دولة حول العالم، وأسس ممثليات في 34 بلداً، وهو يمتلك حالياً، قرابة 100 مدرسة لمختلف المراحل التعليمية في 20 دولة منها تونس والكويت وسوريا والسودان والصومال وجيبوتي، وعدد من دول آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية ودول إفريقية عدّة.

وأكد وقف المعارف التركي، أنّه لن يهمل المواطنين الأتراك القاطنين في دول القارة الأوروبية، وسيُقدم على خطوات من شأنها التواصل معهم والانفتاح عليهم.

ورغم الرفض الفرنسي، إلا أنّ وقف المعارف التركي، نجح أخيراً بأسلوب ملتوي، بافتتاح مركز تعليمي يقدم خدماته للطلاب الجامعيين وما دون في مدينة سالزبورغ الفرنسية، ليشمل كافة الفئات العمرية في مراحل التعليم، لكنّ المسؤول التعليمي التركي تغاضى عن ذكر ما يُشير للجانب الديني في المركز، رغم أنّه المحور الأهم في تأسيس المدارس التابعة لوقف المعارف.

وأثارت فكرة افتتاح مدارس دينية تركية في فرنسا، ردود أفعال مستهجنة تخوفاً من زرع أفكار دينية متشددة في عقول الطلبة، ولجهة المواضيع التي تدرسها المناهج التعليمية التركية والمتعلقة بتعاليم الإسلام الخاصة بالجهاد وغيره، مع تدنّي مستوى المنهج العلمي لتلك المدارس بالاعتماد على مدرسين في علوم الدين.

انخفاض المستوى التعليمي للطلبة الأتراك
يُذكر أنّ نظام أردوغان قام تدريجياً على مدى السنوات الماضية باستبدال هيمنة المدارس الثانوية العامة التقليدية بمدارس ثانوية تهدف إلى تدريب الأئمة والخطباء الإسلاميين، حيث يتم تسجيل الطلاب الذين فشلوا في امتحانات القبول في المدارس الثانوية العامة تلقائياً في هذه المؤسسات الدينية.

وتسبب ذلك في انخفاض المستوى التعليمي العلمي للطلبة الأتراك، حيث برهنت الدراسات أنّ المدارس الإسلامية أقل أداء من المدارس العادية رغم كل ما تحصل عليه من تمويل إضافي.

وكانت الحكومة التركية طرحت في يوليو (تموز) 2017، منهاجاً دراسياً جديداً يُقدّم مفهوم "الجهاد".

وبعد أن كانت المدارس الدينية نادرة جداً، عمل الرئيس رجب طيّب أردوغان منذ وصوله للسلطة على تحويل تلك المدارس إلى مؤسسات تعليمية إجبارية في المجتمع، حتى وصل عددها للآلاف.

ويُحمّل الكثير من المُعارضين والخبراء تلك المدارس المسؤولية عن التراجع في المستوى التعليمي للتلاميذ الأتراك.

وقد تسبب التعليم الديني بقلق كبير في المُجتمع التركي، وتوجد بين الآباء والمدرسين والمسؤولين التعليميين انقسامات عميقة اليوم حول دور الإسلام في التعليم.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة