ورغم الطابع العسكري – الأمني للحرس الثوري، فإن مهماته تعدت ما سبق إلى مهمات سياسية واقتصادية واجتماعية إضافة إلى المهمات الأمنية – الاستخبارية، مما يجعله حاضراً في كل مفاصل المجتمع الإيراني وفي سياسات إيران الخارجية، مما جعله محط اهتمام خاص من القيادة الإيرانية، وأعطاه في الوقت نفسه قدرة كبيرة وواسعة على التدخل في كل المجالات بفعالية عالية.
إن أحد أبرز تدخلات الحرس الثوري، يكمن في دوره الإقليمي باعتباره قوة صلبة في استراتيجية نظام الملالي في التمدد إلى دول الجوار. فقد كان دوره في الحرب الإيرانية العراقية بارزاً لا في مشاركة قواته فيها فحسب، بل وفي قيادته قوات الباسيج، وهي ميليشيات تطوعية، تعمل بإمرة الحرس الثوري، ومن رحم تلك العلاقة ولدت جهود الحرس الثوري في تشكيل ميليشيات وجماعات شيعية في كثير من البلدان العربية والإسلامية مع بداية الثمانينات، كان الأهم فيها تشكيل «حزب الله» اللبناني الموصوف بأنه المثال الأعلى لتنظيمات تمت إقامتها في عدد من البلدان، لم تسمح لها ظروفها الخاصة بالبروز على نحو ما صار إليه «حزب الله».
ولم يكن تشكيل الميليشيات والجماعات الموالية لإيران، هو الخط الوحيد لنشاط الحرس الثوري. بل توازى معه خط آخر، وهو ربط بعض الجماعات والتنظيمات المسلحة القائمة في بعض دول المنطقة بالحرس الثوري وبالسياسة الإيرانية، وهو خط بدأ في أواخر الثمانينات، عندما تم ربط تنظيمات مسلحة فلسطينية بينها حركتا حماس والجهاد الإسلامي بإيران، وجرى توسيع هذا الخط في العراق مع بداية التسعينات بدعم الميليشيات الشيعية، وفي كل من اليمن وسوريا بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، فدعم الحرس الثوري الجماعة الحوثية في اليمن وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ووقف وقاتل إلى جانب نظام الأسد والميليشيات المحلية والوافدة التي تقاتل إلى جانبه.
إن تجارب الثمانينات والتسعينات في خلق ودعم جماعات وميليشيات مقربة من إيران برعاية الحرس الثوري، كانت في جملة حوافز دوافع نحو توليد نماذج تقارب الحرس الثوري أو تماثله في بعض البلدان، وهو ما يجري القيام به على نطاق واسع في العراق وسوريا في الأعوام الأخيرة، وبرعاية مباشرة من قاسم سليماني قائد فيلق القدس، المسؤول عن السياسات الإقليمية في الحرس الثوري. ففي العراق استطاع الحرس الثوري إضعاف مرجعية النجف وتهميشها لصالح المرجعية الشيعية الإيرانية، ووضعها وتنظيماتها في خريطة النفوذ الإيراني، قبل أن يحقق نقلته الأخيرة في تشكيل الحشد الشيعي الذي بات في بعض جوانبه قريباً من تجربة الحرس الثوري الإيراني، وقد يكون نواة لمشروع حرس ثوري في العراق على نحو ما كشف القائد السابق للحرس محسن رفيق دوست في عام 2016. وتؤكد تطورات الأعوام الماضية، وخصوصاً في نقطتين؛ أولاهما الحرب على «داعش»، وثانيهما الحرب ضد الأكراد مقدار تفاعل الحشد الشعبي مع السياسة الإيرانية في العراق، وتحوله مباشرة إلى ذراع لها.
ومما لا شك فيه، أن سوريا كانت الساحة الأكثر أهمية في نشاط الحرس الثوري في السنوات الأخيرة؛ إذ لم يقتصر دوره فيها على إرسال قوات من فيلق القدس فحسب، إنما نظم مجيء الميليشيات، التي يرعاها ويدعمها من «حزب الله» اللبناني إلى ميليشيا «زينبيون» الباكستانية وشقيقتها «فاطميون» الأفغانية، إضافة إلى ميليشيات عراقية أبرزها أبو الفضل العباس، وجميعها تقاتل تحت لواء «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني الذي وسع حدود نشاط فيلقه في اتجاهات عدة بينها الإشراف على تشكيل «حزب الله» السوري الذي يتخذ من المنطقة الجنوبية قاعدة له، ودعم الميليشيات التابعة لنظام الأسد ولا سيما قوات الدفاع الوطني، وإنشاء شبكة علاقات مع أركان النظام في المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، إضافة إلى تشييع السكان السنة في المناطق التي يسيطر عليها النظام في إطار المساعي المتواصلة لتوفير حاضنة اجتماعية لنفوذ إيران في سوريا.
لقد أحكمت إيران، على نحو ما فعلت في العراق، قبضتها على نظام الأسد وشددتها في السنوات الست الماضية. وكان الحرس الثوري أداتها الرئيسية في مساعيها عبر عملية معقدة ومتشابكة، كانت واجهتها عسكرية – أمنية، لكنها في الخلفية سياسية اقتصادية واجتماعية وثقافية، تجاوزت في استهدافها النظام وأجهزته إلى المجتمع الواقع تحت سيطرة النظام.
مواضيع: إيران،#فايز،#