تصعيد فرنسي تركي حول ليبيا... الأسباب ومستقبل العلاقات

  31 يناير 2020    قرأ 654
تصعيد فرنسي تركي حول ليبيا... الأسباب ومستقبل العلاقات

قال المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي، إن فرنسا هي من تتحمل المسؤولية الأساسية عن المشاكل التي عمت ليبيا منذ عام 2011، ردا على اتهامات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكان ماكرون قد اتهم تركيا بالإخلال بالتعهدات التي قطعتها في مؤتمر برلين لتسوية الأزمة الليبية، مشيرا إلى أن فرنسا رصدت خلال الأيام الماضية سفنا تركية تنقل مرتزقة سوريين إلى ليبيا.

 

هذا التصعيد بين الطرفين قد يلقي بظله على المشهد الليبي، حيث تسعى العديد من الأطراف إلى إحلال السلام واتفاق الطرفين المتصارعين هناك، حيث تشدد الدول الفاعلة على ضرورة الحد من التسليح وتوريد الأسلحة إلى ليبيا.

سبب التصعيد
وعن سبب التصعيد الفرنسي التركي يقول المحلل السياسي والمستشار السابق في الخارجية الفرنسية مناف كيلاني في تصريح لوكالة "سبوتنيك": "هذا التصعيد كلامي فقط لأن هناك محاولة فرنسية لإسقاط مبادرة برلين لأنها مبادرة ألمانية، ومن المعروف أن ألمانيا هي القاطرة التي تجر الدبلوماسية الأوروبية، وفرنسا تخضع لها كما هو حال جميع الدول الأوروبية ولا يمكن أن تتحرك دون موافقة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بما فيها اليونان الذي اجتمع رئيس وزرائها بماكرون حيث صرح بهذه التصريحات".

ويتابع كيلاني: "كما أن هناك منافسة بين فرنسا وإيطاليا في الساحة الليبية للسيطرة على منابع الطاقة، فتأتي هذه التصريحات لإجهاض برلين ومنع أي حل يمكن أن يكون عقلاني ومقبول من قبل الأطراف الليبية دون تدخل خارجي، والتصعيد الفرنسي أتى عقب نوع من التهدئة التي تحدث عنها الرئيس أردوغان أثناء زيارته للجزائر، حيث قال أن الحل يجب أن يكون سياسي وأن يجلس الليبيون حول طاولة المفاوضات".

ويواصل: التصريح الفرنسي هو مبادرة فرنسية تهتم فقط بالمصالح الفرنسية ولا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الليبية أو الألمانية، لأن ألمانيا لديها كل الحظوظ لإنجاح وتمديد وقف إطلاق النار لكي يصبح هدنة، وأن يكون هناك نجاح سياسي يمكن أن تستثمره ألمانيا فيما بعد، وهذا الأمر يمكن أن يأتي بردود أفعال عكسية من قبل ألمانيا بكل تأكيد.
ويرى الباحث والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو في اتصال مع "سبوتنيك" بأن تركيا لديها علاقات رسمية مع الجهة الشرعية في تركيا، وتعمل على هذا الأساس، ويتابع:

"تركيا أقامت اتفاقية أمنية مع الحكومة الشرعية، والذي يقوم بإرسال مرتزقة إلى ليبيا هي فرنسا بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى التي تدعم المتمرد حفتر".

ويستمر: "التوتر الفرنسي التركي يعود إلى أن فرنسا شعرت بأن تركيا استطاعت أن تدخل بشكل قوي سياسيا ودبلوماسيا في الملف الليبي، وهذا أعطى دعما وقوة للحكومة الشرعية والتي لا تتماشى مع المصالح الفرنسية، وهي ليست أول مرة يحدث هذا التوتر، فقبل ذلك في الكثير من المرات وجهت فرنسا اتهامات لتركيا، وتركيا لا تلقي لها بالا".

ويضيف: "بالعكس على فرنسا أن تراجع نفسها وترى كيف أنها مسؤولة عن الكثير مما يحدث ليس فقط في ليبيا وإنما في الكثير من الدول الإفريقية، من انتهاكات ودعم لجهات وميلشيات خارجة عن الشرعية".

ويتابع أوغلو: "بالتالي رد المسؤول الرسمي التركي على التصريحات الفرنسية يعبر عن السياسة الخارجية التركية بأن فرنسا لا يمكن أن تكون هي من يقيم الأداء التركي، وهي عبارة عن تسييس بما يخدم المصالح الفرنسية، وقال الرئيس أردوغان على أن فرنسا أن تنظر إلى تاريخها وأن تنشغل بنفسها وأن تحل مشاكلها الداخلية بدلا من أن تصدر الاتهامات إلى تركيا".
فيما يرى الكاتب السياسي التركي بركات قار في لقاء مع وكالة "سبوتنيك" بأن هذا التصعيد في ليبيا كان متوقع حسب نتائج مؤتمر برلين، ويضيف: "نعم كان هناك توقيع لاتفاقية، لكنها تنص في الحقيقة على لجم التحركات التركية بالأساس، وتركيا قامت بتصريحات وأعطت الضوء الأخضر بالاستمرار لجماعة السراج، وهي رغم إعلانها عن توقف الجنود رسميا إلى ليبيا".

ويواصل: "التسريبات في جميع الصحف تقول أن سفن تركيا وصلت إلى هناك، وتصريحات الرئيس تقول بأننا سنحمي السراج وقوات السراج، ولم يشر أردوغان إلى النقط الأساسية لإيقاف القتال وإكمال التسوية هناك، وهذا ما جعل القوى الأخرى وحفتر يتحركون مرة أخرى ضد تركيا".

صيغة التفاهم
فعلى الرغم من أن كل من فرنسا وتركيا من الأطراف الفاعلة في مؤتمر برلين، إلا أنهما تبدوان عاجزتان عن إيجاد صيغة للتفاهم من أجل إحلال السلام في ليبيا، وعن سبب ذلك يقول المحلل السياسي مناف الكيلاني: "الطرفان ليسا مستقلان تماما، لأن كل طرف لديه دعم من جهات خارجية أخرى، وهناك تدفق للسلاح منذ عام2011 رغم القرارات الأممية التي لم تنفذ، كما لم تنفذ أي عقوبات بخصوص تدفق السلاح إلى الأرض الليبية".

ويتابع:"الدول التي صوتت لهذه القرارات هي نفسها التي تمد الأطراف الليبية بالسلاح، وإن توقف تدفق السلاح إلى ليبيا ودعم المقاتلين عسكريا، بكل تأكيد سيتوقف القتال وأطراف النزاع، وسيجلسون حول طاولة مفاوضات ليبية- ليبية".
فيما يعيد المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو ذلك لسبب بسيط وهو أن تركيا كانت جادة وأقنعت الجهة الشرعية حكومة وفاق على التوقيع في مؤتمر موسكو والحضور والتوقيع في مؤتمر برلين، بينما الجهات الداعمة لحفتر مثل فرنسا لم تستطع إقناعه بأن يوقع، وهرب من موسكو وتراجع ولم يوقع في برلين وبالتالي لم يكن هناك جدية لدى الطرف الآخر.

ويكمل: "تركيا تقول لا بد أن يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار، والآن ونحن نتكلم القصف مستمر على طرابلس وعلى المدنيين من قبل قوات حفتر، وهناك من يمده بالسلاح والمرتزقة، ومن ثم يتم التوجيه التهم إلى تركيا بأنها من تصدر المرتزقة إلى ليبيا".

ويضيف أوغلو: "من الواضح تماما أنها محاولة إلصاق ما يحدث الآن بالطرف الآخر، وتركيا تستخدم عملية ضبط النفس وتقول للجميع نحن مع وقف إطلاق النار، ومع الجهود السياسية والدبلوماسية لحل المشكلة، ولكن إذا زادت الأمور عن حدها يجب تلقين حفتر درسا ووضع حد له، وردع أي تهديدات تهدد الشرعية في ليبيا".
أما المحلل السياسي التركي بركات قار فيحمل السبب لتركيا، ويوضح: "تركيا قامت مسبقا وسارعت الزمن لتوقيع الاتفاقية مع السراج، وهي تعتبر سارية المفعول من ناحية تركيا ويجب إيقافها، وتركيا أرسلت قوى إرهابية كانت متواجدة في أدلب بالآلاف، ولم تتوقف عن ذلك، بالإضافة إلى دعم لوجستي لقوات السراج".

ويتابع: "هذا الدعم معروف من قبل قوات حفتر وهو الذي دفعها لعدم الالتزام بالاتفاقية، وواصلت الهجمات على قوات السراج، وتركيا بقيت وحيدة مع قطر في دعم السراج بدلا من أن تكون مبادرة بطرح مشروع سلام بين الأطراف".

ويكمل قار: "تركيا اعتبرت حفتر انقلابي وإرهابي، والحملة الإعلامية حول ذلك في تركيا أعطت رسالة لجميع الأطراف بأن تركيا لم توافق على القرارات رغم توقيعنا على الاتفاقات في برلين، ومن هذا المنطلق تركيا منزعجة جدا وهي أصبحت وحيدة في هذا الأمر".

مستقبل العلاقات
وحول مستقبل العلاقات بين الطرفين التركي والفرنسي، وإلى أي حد قد يصل التصعيد بينهما، يتحدث المستشار السابق في الخارجية الفرنسية مناف كيلاني، ويقول: "لن يصل إلى مستوى المواجهة على الأرض الليبية مثلا، رغم وجود قوات فرنسية وتركية هناك، والبلدان عضوان في حلف شمال الأطلسي، وهناك إرادة أمريكية بأن لا يصل التصعيد لأكثر من مستوى الكلام".

ويتابع: "ستهدأ هذه التصريحات بعد فترة لأن فرنسا ليس لها طاقة أو قدرة على نشر أي قوات في ليبيا، ولأن تركيا تحاول إنجاح مؤتمر برلين مع موسكو من جهة، ومع واشنطن وألمانيا من جهة أخرى".
أما المحلل التركي أوغلو فيرى أن العلاقات ستواصل التذبذب خلال الفترة القادمة، ويبين ذلك بقوله: "العلاقات التركية الفرنسية مع الأسف هي علاقات مد وجزر، ورأينا في الأسابيع والأشهر الفرنسية التعليقات التي تكلم بها الرئيس الفرنسي والتي قال فيها بأن الناتو أصبح ميتا سريريا، وأيضا اعتراف السياسة الفرنسية بما يسمى مذابح الأرمن، فالعلاقة متوترة وأتوقع أنها ستستمر في ظل استمرار الأزمات الموجودة، إذا لم يتم تغيير سياسة فرنسا".

ويكمل: "تركيا لا تستعدي أحدا ولا تريد أن يكون هناك توتر، خصوصا مع أعضاء حلف الناتو، لكن ليس على حساب المبادئ والسياسات الخاصة بتركيا، إلا باحترام العلاقات واحترام الاتفاقات الثنائية والمعاملة بالمثل، وأعتقد أن فرنسا ستخسر الكثير إذا ما استمرت بنهج محاولة استعداء تركيا ودورها في المنطقة".
فيما يعتبر المحلل السياسي بركات قار: "في هذا المناخ الدولي والإقليمي من الصعب جدا التوصل إلى اتفاقية سلام في ليبيا، والمطلوب من جميع الأطراف التوصل إلى تسوية دولية لحل هذه المسألة، ومن دون الحل السياسي والالتزام بقرارات الأمم المتحدة وقرارات برلين".

ويختم قوله: ستستمر المواجهة، ولا أعتقد أن تركيا ستتنازل تجاه طرف آخر، وستتخذ دائما ذرائع هجمات حفتر، ولن تعترف بالمجلس النيابي الذي يصدر بعض القرارات ضد تركيا، وتركيا لا تختار المصطلحات التي يمكن أن تلين الأمور وتجذب الأطراف نحو الجلوس على طاولة المفاوضات.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة