الأزمة الاقتصادية تفاقم معاناة وسائل الإعلام اللبنانية

  05 فبراير 2020    قرأ 810
الأزمة الاقتصادية تفاقم معاناة وسائل الإعلام اللبنانية

تكافح وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في لبنان للبقاء، بعد احتجاب عدد منها عن الصدور، وتعثر معظمها عن سداد رواتب موظفيها، في وقت يشهد قطاع الصحافة تدهوراً منذ سنوات فاقمته أخيراً أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.

ولم يسلم الإعلام المحلي من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي دفعت مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع ضد الطبقة السياسية، آخرهم صحيفة الدايلي ستار، الوحيدة المتحدثة بالإنجليزية في لبنان، التي أعلنت أمس الثلاثاء تعليقاً مؤقتاً لنسختها الورقية.

وبرّرت الصحيفة التي تأسست منذ 68 عاماً، قرارها بالتحديات المالية التي تواجه الصحافة اللبنانية والتي فاقمها تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وقالت إنه جاء بعد تراجع عائدات الاعلان إلى حدّ توقفها في الربع الأخير من 2019، وفي يناير(كانون الثاني) الماضي.

وفي الأشهر الماضية، أفاد موظفون في الصحيفة بأنهم لم يحصلوا على رواتبهم، وذكر صحافي أقيل من منصبه في نهاية العام الماضي، إن الصحيفة تدين للبعض برواتب 6 أشهر، وسبق للصحيفة أن أغلقت أكثر من 10 أعوام خلال الحرب الأهلية بين 1975و1990، قبل أن تعاود الصدور في 1996.

ويشهد قطاع الصحافة في لبنان منذ أعوام أزمة متمادية ترتبط بشكل أساسي بتوقف التمويل السياسي الداخلي والعربي، عدا عن ازدهار الصحافة الرقمية، وتراجع عائدات الإعلانات.

وفي السنوات الماضية، استغنت مؤسسّات عدة عن عاملين، وتوقفت صحف عريقة عن الصدور، أبرزها "السفير" في نهاية 2016 جراء مصاعب مالية بعد 42 عاماً من تأسيسها.

لكن معاناة وسائل الإعلام تضاعفت نتيجة انهيار اقتصادي متسارع منذ أشهر، وسط شح في السيولة ومخاوف من عجز لبنان عن سداد جزء من الدين العام المتراكم والذي سيستحق قريباً، بالتزامن مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية، وفرض المصارف إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الدولار.

وتمتنع وسائل إعلام عدة خاصةً القنوات التلفزيونية عن دفع رواتب موظفيها كاملة، واقتطع بعضها نصف الرواتب، بينما دفعت إحدى القنوات ثلث رواتب موظفيها، في انتظار تحسن الوضع.

وقال صحافي في جريدة النهار، الصحيفة الأعرق في لبنان: "لم نتقاض رواتبنا منذ 5 أشهر"، وأوضح موظف في قناة تلفزيونية بارزة، أن مؤسّسته دفعت في الشهر الماضي نصف الرواتب، لكنها وعدت بإكمالها لاحقاً.

وفي نهاية الأسبوع، توقفت إذاعة "راديو 1" الناطقة بالإنجليزية، عن البثّ بعد نحو 40 عاماً من انطلاقها، وتوقفت مجلة "إيبدو" بالفرنسية التي تأسست في 1956 في نهاية العام الماضي عن الصدور.

وتقول موظفة في المجلة: "كانت المصارف وشركات التأمين تُشكل الجزء الأكبر من ناشري الإعلانات لدينا، وتراجعت هذه الإعلانات بشكل كبير أخيراً"، وأعلنت المؤسسة اللبنانية للإرسال "إل بي سي" في نهاية الشهر الماضي أنها ستنتقل من البثّ المجاني المفتوح، إلى البث المشفر قريباً، وعلى المشاهدين دفع مبلغ مالي لمشاهدتها.

ويقول مدير مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية سكايز أيمن مهنا: "أزمة الصحافة اللبنانية بنيوية، لكن الوضع الاقتصادي الحالي فاقمها"، وأضاف "ما يحصل ليس مفاجئاً لأن النموذج الاقتصادي لغالبية وسائل الإعلام اللبنانية هو التمويل السياسي الذي لم يعد متوفراً، فضلاً عن سوق الإعلانات المحدود".

وحذر مهنا قائلاً "إذا استمرت الأزمة الحالية، فإن وسائل إعلام أخرى ستقوم حتماً بالأمر ذاته"، ولا توجد في لبنان وسائل إعلام مستقلة بشكل كامل، وهي غالباً موالية لطرف سياسي معين، أو على الأقل مؤيدة لخط سياسي ما.

و"الدايلي ستار"، التي أسسها كامل مروة، مالك ورئيس تحرير صحيفة الحياة العربية وقتها، كانت آخر المؤسسات الاعلامية المدعومة من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، التي تعلق عملها لأسباب مادية.

وفي مطلع 2019، توقّفت صحيفة المستقبل التي أسسها رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والد سعد الحريري، عن الصدور بعد 20 عاماً من صدورها، وفي سبتمبر(أيلول) من العام ذاته، أعلن الحريري تعليق عمل تلفزيون المستقبل بعد 26 عاماً من تأسيسه، معللاً قراره بأسباب مادية أيضاً.

وتفاقمت مشاكل الحريري المالية في الأعوام القليلة الماضية، ما أجبره في 2017 على تسريح مئات الموظفين والعاملين، دون دفع مستحقاتهم الكاملة مع إغلاق شركة "سعودي أوجيه" للبناء والتعهدات في السعودية، التي ورثها مع العائلة عن والده، والتي كانت الركيزة الأساسية في بناء ثروة رفيق الحريري.

وشهد لبنان منذ 17 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي يتهمها اللبنانيون بالفشل في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، وأدت التظاهرات إلى استقالة الحريري من رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة في الشهر الماضي برئاسة حسان دياب.

وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة في لبنان وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إصلاحات بنيوية، وارتفع الدين العام إلى نحو 90 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150% من إجمالي الناتج المحلي.

ويقول مهنا: "حان الوقت لتعيد الصحافة اللبنانية النظر في نموذجها الاقتصادي"، معتبراً أن الأزمة الحالية فرصة مناسبة لذلك.

 

ae24


مواضيع:


الأخبار الأخيرة