وانقسمت قاعة الجلسات في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى معسكرين، رفض كلاهما الاستسلام، وأكدت محاكمة ترامب الانقسام العميق بين الجمهوريين والديمقراطيين، لكنها كشفت أيضاً انقسام المجتمع في ظل رئاسة ترامب حاد الطباع.
وفي مجلس النواب، تنازع الأعضاء لساعات قبل أن يصوتوا وفق انتماءاتهم الحزبية مع أو ضد اتهام الرئيس بإساءة استخدام السلطة وتعطيل عمل الكونغرس، وفي مجلس الشيوخ، بقي الأعضاء هادئين تقيّدهم القواعد الصارمة التي تؤطر محاكمات العزل، ولكن عند كل توقف، توجه كل منهم إلى عدسات الكاميرات أو حسابه على "تويتر" للصدح برأيه حول المحاكمة التي انقسمت بين وجهتي نظر لا تقبلان المساومة.
واعتبر الديمقراطيون أن دونالد ترامب رئيس "خطير" يعتقد أنه فوق القوانين؛ أما الجمهورين فاعتبروا ترامب ضحية "مكيدة" سياسية دبّرها معارضوه لمنعه من الترشح لولاية ثانية.
وبعيداً عن واشنطن، أظهر الأمريكيون آراء تعكس إلى حد بعيد انتماءاهم الحزبية، ووفق استطلاعات الرأي، عبّر نصف الأمريكيين تقريباً عن رغبتهم في عزل الرئيس، وتبنى هذا الرأي 85% من الناخبين الديمقراطيين، فيما لم يتبناه إلاّ أقل من 10% من الناخبين الجمهوريين.
وصار دونالد ترامب الذي فاز بدعم الجمهوريين عام 2016 رغم رفض عدة قيادات حزبية، يمارس سلطة مطلقة على الحزب الذي يعلن ولاءه التام له، وتوفر له شعبيته في صفوف الناخبين الجمهوريين نفوذاً مهماً لدى نواب حزبه: في حال أظهر أحدهم نقداً حاداً تجاهه فإنه يخاطر بفقدان دعم الرئيس في الانتخابات المحلية المقبلة.
ويمكن لترامب أن يعول في الكونغرس على زعيم مجلس الشيوخ ميتشل ماكونيل لضبط الأعضاء الذين يحاولون الخروج عن سيطرته، ورغم تصويت سيناتورين جمهوريين ضد ترامب، نجح ماكونيل في منع استدعاء شهود إضافيين، وبالتالي إنهاء المحاكمة، وفي التصويت النهائي، لم يصوت سوى جمهوري واحد، هو سيناتور يوتا ميت رومني، لصالح إدانة الرئيس.
وأظهرت المحاكمة أيضاً إلى أي درجة تعيق الانقسامات الحزبية عمل الكونغرس، فمنذ استعادة الديمقراطيين السيطرة على مجلس النواب في يناير(كانون الثاني) 2019، عُطلت عدة قوانين في مجلس الشيوخ، وفاقم انطلاق إجراءات العزل هذه الظاهرة، ما جعل إمكانية الوصول إلى حلول وسط شبه مستحيلة، كما منع التوتر بين المعسكرين تنظيم "محاكمة عادلة"، وفق السناتورة الجمهورية ليزا موركوسكي التي أضافت أنه "من المحزن الاعتراف، لكن الكونغرس فشل كمؤسسة".
ونجح النائب الديمقراطي آدم شيف الذي قاد فريق الاتهام، في إبقاء أعضاء مجلس الشيوخ منتبهين لخطابه طوال ساعات، ويعود ذلك إلى مزجه المتقن بين البيان المنهجي للوقائع والانفعالات المثيرة، وحظيت العبارة الحادة والمشحونة بالعاطفة، وهي "دونالد ترامب يجب إقالته لأن الخير والحقيقة مهمان، وإلا فإننا أخطأنا الطريق"، بانتشار واسع في الإنترنت.
وأشادت الممثلة أليسا ميلانو التي تابعت جزءاً من النقاش من الشرفة المخصصة للعموم، بأداء شيف، وقالت "شعرنا وكأننا نشاهد أداء مسرحياً في برودواي"، وحتى السناتور الجمهوري ليندسي غراهام المدافع المتحمس عن ترامب، هنأ شيف على "عمله الجيد" و"بلاغته".
مواضيع: