ويمكن أن يُعزى تباين الدول للاستجابة الأولية لوقف جائحة كورونا، إلى تجاربها السابقة مع تفشي أوبئة أخرى مثل فيروس سارس وميرس، كما هو الحال في تايوان وسنغافورة وفيتنام، التي كانت تنظر لاحتواء فيروس كورونا الجديد أمرا ملحا وضروريا، بصرف النظر عن التكلفة وقامت باتخاذ "إجراءات مبالغ فيها" لتحقيق ذلك الهدف.
وبالنسبة إلى تعامل الدول الأخرى، مثل بريطانيا، فقد اعتبرت في بادئ الأمر أن فيروس كورونا لا يشكل خطرا كبيرا على السكان، وأنه سيؤول في نهاية الأمر إلى أن يصبح أحد الأمراض المستوطنة.
لذلك، أعلنت بريطانيا عن الانتهاء من مرحلة احتواء الفيروس في 12 مارس من خلال قيام الحكومة البريطانية بإجراء فحوصات محدودة فقط على الأشخاص الذي يعانون أعراضا طفيفة، بمن فيهم العاملون في مجال الرعاية الصحية، لكن ظلت المطارات البريطانية مفتوحة دون فحص القادمين، ولم يتم فرض إجراءات العزل، إلى أن بدأت تشهد ارتفاعا في الوفيات والإصابات بالفيروس.
وبعد ضغوط من الشارع، تم فرض إجراءات الإغلاق في 23 مارس بهدف الحد من الأعباء على المرافق الصحية والمستشفيات بفعل تفشي الإصابات بفيروس كورونا، الذي تسبب بوفاة أكثر من 18100 حتى الآن بحسب الأرقام الرسمية.
وفي الوقت الذي يتعين على الجميع التعامل مع التكاليف الاقتصادية الكبيرة والآثار الاجتماعية جراء الإغلاق لأسابيع متتالية، سيتحمل القطاع الصحي في بريطانيا أعباء هائلة جراء تفشي الفيروس، من ضمنها الحاجة السريرية الهائلة لمرضى كوفيد 19 للأوكسجين، والرعاية في وحدة العناية المركزة، وأجهزة التنفس وغيرها.
وتعني المعالجة المبكرة للأعراض، التي تمكن رئيس الوزراء بوريس جونسون من الحصول عليها، أن النتائج يمكن أن تكون أفضل بشكل عام، ولكن ذلك يتطلب إجراء الفحوصات في مرحلة مبكرة من الإصابة بالمرض.
الإجراءات الصارمة و"تكسير المنحنى"
وبمقارنة الأمور في بريطانيا مع الأوضاع في نيوزيلندا يبدو الأمر مختلفا تماما، إذ تم تسجيل 16حالة وفاة فقط، ويعزى هذا للتدخل المبكر وفرض الإجراءات الصارمة التي شملت التباعد الاجتماعي ومراقبة الحدود وإجراء الاختبارات وتعقب وعزل الحالات المصابة، حسبما ذكرت صحيفة "الغارديان" في تقرير.
وستكون نيوزلندا في وضع أفضل مستقبلا عندما يتم إعادة النظر في إمكانية التخفيف من إجراءات الإغلاق وعودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية من جديد، مع الحفاظ على انخفاض نسب الوفيات المرتبطة بالوباء في الوقت ذاته.
ومع ذلك، عند إجراء هذه المقارنات حول الإجراءات المتخذة للحد من انتشار الفيروس بين الدول، ترى بعض الحكومات أن من السابق لأوانه تقييم تلك الخطوات، وأن الفارق الوحيد بين الدول يعتمد على قدرة الدولة على تقديم الرعاية الصحية.
لكن يجدر التفكير بالسياسات المستقبلية بالنظر لتبعات تفشي كوفيد-19، فإذا ما تم التوصل للقاح فعال وآمن ضد الفيروس خلال الـ18 شهرا القادمة، فإن البلدان التي استطاعت الحد من الخسائر في الأرواح بأقل تبعات اقتصادية ستكون في وضع أفضل، فمثلا تمكنت أستراليا ونيوزيلندا والعديد من دول شرق آسيا من السيطرة على الوباء، ويمكنها على المدى القصير التعامل مع عدد قليل من الحالات لحين التوصل إلى لقاح.
وفي حالة عدم التوصل إلى لقاح للفيروس، سيتم اللجوء على بناء نوع من المناعة بين الأفراد، كمناعة القطيع، وسيتوقف انتقال الفيروس بمستوى كبير لمدة سنتين أو 3 سنوات على الأقل وأي عدوى بالفيروس ستكون خفيفة الانتشار، وبالتالي، يمكن للبلدان التي لديها عدد قليل من الحالات المؤكدة، كنيوزيلندا، توفير الرعاية الصحية للمصابين بالفيروس وحماية المعرضين للإصابة لتخفيف الضغوط على المرافق الصحية في البلاد وبالتالي خفض عدد الوفيات وحماية أرواح المواطنين.
لكن في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن تكون فرضية تكوين "مناعة القطيع" خاطئة مما يعني تفشي الوباء بشكل أكبر في المستقبل، على غرار تفشي "حمى الضنك"، وهذا سيظهر الفرق بين الدول التي قامت باتخاذ إجراءات مبكرة وصارمة من تلك التي جاءت استجابتها متأخرة أو محدودة للحد من تفشي الفيروس.
ومن الواضح أنه كلما كان عدد الحالات أقل، كان من الأسهل القضاء على الفيروس والحد من انتشاره، وفي هذه الحالة يمكن تبرير اتباع نهج وقائي أكثر صرامة لعدم السماح لانتشار الوباء بين الأفراد.
وباختصار، هناك فجوات هائلة في معرفة ماهية هذا الفيروس وطرق انتشاره، بما في ذلك كيفية تعزيز المناعة، وإمكانية التوصل للقاح أو علاج مضاد للوباء والجدول الزمني لذلك، بالإضافة إلى تقييم آثاره الصحية على المدى البعيد.
وفي حالة عدم اليقين التي يعيشها العالم في الوقت الحالي، فإن البلدان كنيوزيلندا، مثلا، التي تعمل بفعالية لاحتواء هذا الفيروس وتحاول الحفاظ على الأرقام عند أدنى مستوى، ستتمكن من تبني استجابة سياسية مثلى في المستقبل القريب والبعيد مع القدرة على حماية اقتصادها ومجتمعاتها أيضا.
مواضيع: