وأشارت هيرفي إلى الحاجة الملحة للبشر والمجتمعات إلى الثقافة وخصوصاً في أوقات الأزمات، فيما تبدأ كذلك بعض المتاحف الصغيرة في منطقة إيل دو فرانس، التي تضم العاصمة باريس وضواحيها، استعادة نشاطها الثقافي التدريجي الذي توقف منتصف مارس (آذار) الماضي ضمن تدابير الوقاية من فيروس كورونا المُستجد.
وقالت إن استئناف الجولات المصحوبة بمرشدين ستُراعي الالتزام باحترام قواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة الواقية، ونصحت الزوار بشراء تذاكر الدخول عبر الإنترنت، في حين شهد البرنامج التفاعلي للمسرح إقبالاً واسعاً رغم إجراءات الحظر.
وسيتمكن الزوار من الاطلاع على خشبة المسرح وصالته، بالإضافة إلى قاعة الفنون المجاورة والردهات الأخرى، بينما سيبدأ المسرح باستضافة العروض الاستثنائية فقط ليتم تجسيدها على خشبته، وذلك حرصاً على الحفاظ هذه التحفة الفريدة من نوعها ومُقتنياتها، وصوناً لها من التلف.
تدابير وقائية
وأوضحت هيرفي، في تصريحات لـ24، أنّه تم اتخاذ تدابير وقائية على المديين القصير والطويل على حدٍّ سواء، حيث يتم العمل على تنظيم جولات لزيارة المسرح تشمل 20 شخصاً كحد أقصى مطلع الشهر القادم، ومصحوبة بمرشدين في التراث الثقافي، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية لوقف انتشار وباء كورونا، والحرص على الحفاظ على محتويات ومُقتنيات المسرح الثمينة ولأسباب أمنية في ذات الوقت، حيث يضمّ القصر نحو 1500 قطعة أثرية من منحوتات ولوحات فنية تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى كونه مقرّاً للأكاديمية الفنية الأميركية لتعليم الفنون والهندسة المعمارية والموسيقى.
ويقع قصر فونتينبلو على بعد نحو 60 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة باريس في منطقة إيل دو فرانس الخاضعة بأكملها لتدابير صحية مُشدّدة (المنطقة البرتقالية)، بينما ستُتاح فرصة التجوّل من جديد في الحدائق المُحيطة بالقصر بدءاً من 2 يونيو (حزيران) للمرّة الأولى بعد ما يزيد عن شهرين من الإغلاق التام، فيما سيتم فتح قاعات جوهرة عصر النهضة للزوار بداية شهر يوليو (تموز) القادم.
يُذكر أنّه تمّ إعادة افتتاح مسرح الشيخ خليفة بن زايد في يونيو (حزيران) 2019 بعد إغلاق زاد عن 100 عام، وذلك في إطار الشراكة والتعاون الثقافي بين الحكومية الفرنسية وإمارة أبوظبي.
من جهته، أكّد جون فرانسوا إيبار رئيس قصر فونتينبلو، أنّ إدارة المسرح عملت على تطوير برنامج تفاعلي لمُساعدة الزوار في التعرف على هذه التحفة المعمارية الإمبراطورية الشاهدة على الحياة في عصر نابليون الثالث، وبما يكشف عن عملية التحديث التي طالت المسرح، واستعادة الروح القديمة لمكانٍ أثري وتاريخي، بالإضافة إلى إدخال المعدات والتجهيزات والتقنيات الحديثة التي تتكيف مع المتطلبات الراهنة دون إفقاد المسرح أصالته وعراقته.
وتُتيح الزيارة التفاعلية الاطلاع على كيفية تعامل التقنيين وخبراء الترميم مع كل قطعة داخل المسرح بكل عناية ودقة فائقة حتى تمكنت من الحياة مُجدّداً لتروي قصص الماضي لأبناء الحاضر والمستقبل.
وبفضل الدعم الإماراتي وإنجاز عمليات الترميم، فقد أصبح من الممكن للجمهور من جميع أنحاء العالم أن يستكشفوا من جديد مسرح البلاط الملكي الذي احتفظ بجميع معالمه التاريخية والثقافية، بما فيه من تصاميم وديكورات تعكس المناخ المسرحي الفرنسي في القرن التاسع عشر.
وأشاد رئيس قصر فونتينبلو، بالعلاقات الثقافية المميزة بين فرنسا ودولة الإمارات، والتي أكد أنها تعكس التزام الطرفين المشترك ببناء مجتمع دولي موحد تتمحور أساسياته حول الثقافة والتراث والحضارة الإنسانية، والحفاظ على الكنوز التراثية.
وتستعرض جميع المطبوعات والمنشورات الفرنسية حول مسرح الشيخ خليفة بن زايد، وجهة نظر القيادة الإماراتية في دعمها لمشروع الترميم، ورؤيتها إزاء صون التراث العالمي الإنساني.
الفن الكلاسيكي
ويُجسّد المسرح نمط الفن الكلاسيكي الذي يعكس التوجه العام في الفنون والآداب والثقافة بشكل عام، حيث ساد في النصف الأول من القرن التاسع عشر نزعة الكلاسيكية الجديدة التي استرجعت معها أساليب وأنماط العصور الوسطى، حيث الفخامة هي سمة الديكور والأثاث والبناء "الطراز الإمبراطوري". ويتألف المسرح من ثلاثة مستويات فوق بعضها، جاءت لتترجم التوازن الطبقي الاجتماعي السائد في تلك العصور.
والطقس الأدائي في مسرح الشيخ خليفة بن زايد هو جزء لا ينفصل عمّا هو في قصر فونتينبلو، إذ ومنذ لحظة الوقوف على مشارفه أمام مبناه الضخم الباعث على الرهبة والصمت، فإنّ الزيارة الشاملة تضمن رحلة درامية بين حكايا وأساطير وشخوص الحياة الفرنسية الأوربية القديمة.
يُذكر أنّه تمّ تشييد هذا الصرح العظيم من قبل المهندس المعماري هيكتور ليفويل، خلال الفترة من 1853 ولغاية 1856 بناءً على طلب الإمبراطور نابليون الثالث الذي رغب بإضفاء التغيير على قصر فونتيبلو وكسر الملل والروتين من أجل إرضاء زوجته يوجين، حيث تمّ استبدال المسرح بقاعة الكوميديا القديمة، التي كانت مساحتها الأصلية صغيرة جداً، ولا تحتوي على وسائل الراحة الحديثة التي يريدها الإمبراطور.
والمسرح هو جزء من مبنى لويس الخامس عشر داخل القصر، وقد صمّم على هيئة مسرح الملكة ماري أنطوانيت الصغير في فيرساي.
وقد عمل ليفويل على تجهيز قاعة بيضاوية الشكل بمساحة (45*15) متراً، تحتضن قرابة 400 مقعد، بما في ذلك 100 مقعد للاستخدامات الخاصة. بالإضافة إلى الممرات والسلالم والكواليس وجميع المرافق المخصصة للموسيقيين والفنيين.
ومنذ افتتاحه الرسمي العام 1857 أثناء زيارة دوق روسيا الأكبر قسطنطين شقيق القيصر ألكسندر الثاني، وحتى قبيل إغلاقه لما يُقارب مائة عام، احتضن مسرح فونتينبلو 15 عرضاً فقط للنخبة، وهو ما يُفسّر احتفاظ الديكور والأثاث برونق القرن التاسع عشر لغاية اليوم.
مواضيع: